ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!!


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 14:06
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

الحرب فعل عنفي بشري بغيض ومُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار، والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها.

وهذا ينطبق تماماً على الحرب الروسية الأوكرانية، التي تورطت بها الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن، وحلف الناتو، والإتحاد الأوربي، وأدى تدخلها لإطالة أمد الحرب، بدلآ من السعي لإيقافها ولحل المشاكل القائمة بين البلدين المتنازعين بالطرق السلمية،عبر المفاوضات الدبلوماسية، مانعة الحكومة الأوكرانية من النفاوض مع الحكومة الروسية، مزودة إياها بالأسلحة والمعدات والمستشارين والأموال الطائلة. فأنفقت مجتمعة مئات التريليونات من الدولارات.

ويواصلون دعمهم متعدد الأوجه لزيلينسكي وحاشيته، لا حباً بمصلحة الشعب الأوكراني، وإنما لـ"كسر شوكة روسيا". فخابت حساباتهم تماماً، وفشلوا فشلآ ذريعاً، موقعين بلدانهم في أزمة إقتصادية- إجتماعية عميقة، من أبرز مؤشراتها: إفلاس مئات الشركات الكبرى، وغلق اَلاف المصانع والمتاجر، وتسريح شغيلتها، وتدني القدرة الشرائية للمواطنين، مقابل إرتفاع الأسعار، وتراجع مستوى الخدمات العامة،خاصة الرعاية الصحية والضمان الإجتماعي.

وللتغطية على فشلهم إختلقوا بدعة "تهديد روسيا لأوربا بالحرب"، داعين شعوبهم الى الإستعداد والتأهب للحرب، ناشرين تعليمات طوارئ الحرب على العوائل، داعين إياها الى تخزين الطعام والماء والغاز والنقود باليد، وتهيئة الملاجئ، وإجراء التدريبات المطلوبة. فخلقوا الخوف والرعب والإرتباك وسط المواطنين، رغم ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن مراراً: " ليس في نية روسيا الإعتداء على أي دولة مجاورة أو غير مجاورة لا تتورط بالإعتداء عليها".وحذر صراحة:" روسيا سترد بشدة على كل من يهددها، حيثما كان، ولن تسمح بتمدد حلف الناتو وزرع القواعد العسكرية حول حدودها ". ولعل ما يؤكد ذلك عدم ملاحظة المواطنين الأوربيين، وكل من يعيش هناك، ما يؤكد مزاعم التهديد الروسي.

رغم ذلك، توالت، في الأشهر الماضية، تحذيرات المسؤولين الأوروبيين للمواطنين بضرورة الاستعداد لاحتمال اندلاع حرب مع روسيا.ونادرا ما يمر أسبوع دون أن تصدر حكومة أوروبية، أو قائد عسكري، أو أمني،أو سياسي، خطابا قاتما،غير مسبوق، يحذر الرأي العام من حرب محتملة مع روسيا. والمفارقة ان يجري ذلك في ظل استمرار المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

الى هذا،شرعت ألمانيا بتنفيذ أوسع خطة لإحياء الملاجئ النووية منذ نهاية الحرب الباردة، في خطوة اعتبرها مراقبون تحولاً إستراتيجياً لافتاً يعكس اضطراب المشهد الأمني الأوروبي عام 2025.وذكرت صحيفة «الكونفدنثيال» الإسبانية أن" برلين أطلقت برنامجاً شاملاً لإعادة تفعيل الدفاع المدني، يشمل إحياء الملاجئ المهجورة، إلى جانب تخصيص مليارات اليورو لإنشاء بنية تحتية جديدة قادرة على حماية ملايين المواطنين من أي تهديد إشعاعي".وقالت:"رغم الصمت الرسمي بشأن الدوافع، أكدت مصادر أوروبية أن القرار يستند إلى تقديرات أمنية سرية تتحدث عن تهديدات غير معلنة. ما أثار موجة تكهنات حول وجود معلومات استخباراتية تتعلق بتصعيد عسكري محتمل أو مخاطر نووية جديدة". وأضافت:" المفاجأة أن عدداً من الدول الأوروبية بدأت تحركات مشابهة بعيداً عن الأضواء، ما عزز الاعتقاد بأن القارة تعيش حالة «ذعر نووي» تشبه أجواء الحرب الباردة، ولكن بنسخة محدثة تتناسب مع تحولات عام 2025."

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية:" أن حلفاء أوكرانيا في أوروبا يفضلون استمرار الحرب بدلا من قبول صفقة سلام هش ستزيد قوة روسيا وتعرض أوروبا لخطر جديد.ويؤكد القادة الأوروبيون أنهم يحشدون الدعم لكييف دفاعا عن دولة ديمقراطية، وحماية للقانون الدولي، والتصدي للعدوان الروسي". وقد تجاهل الحلفاء فساد حكومة زيلينسكي"الديمقراطية"، وإحتضانها ودعمها جهاراً للحركة النازية الجديدة في أوكرانيا،التي تعتدي يومياً على الروس هناك.
وتؤكد الصحيفة:" ثمة دافع آخر قائم على المصلحة الذاتية، وهو أن أوروبا ترى أن أي اتفاق يصب في مصلحة موسكو قد يفتح الباب أمام حرب أوسع قد تلتهم القارة بأكملها "..

وقبل أسبوع أعلن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في اجتماع افتراضي ضم معظم الدول الأوروبية المساهمة في الجهود الحربية الأوكرانية:"إن مستقبل أوكرانيا مرتبط وثيقا بمستقبلنا، إذا لم نحقق سلاما دائما وعدلا لأوكرانيا فلن يكون لدينا أي ضمان لأمننا نحن أيضا".
وفي بريطانيا، حمل التقييم السنوي للتهديدات، الذي قدمته مؤخراً بلايز متريولي، رئيسة جهاز الاستخبارات الخارجية (MI 6) ، نبرة تحذيرية من أن" روسيا ستواصل محاولات زعزعة استقرار أوروبا". وخلص تقرير لموقع " e Paper" البريطاني إلى" ضرورة استعداد المملكة المتحدة وحلفائها لحرب عالمية، قد تؤثر على القارة بأكملها في السنوات القادمة"..

وحذر الخبير العسكري الجنرال السابق في الجيش الفرنسي فرانسوا شوفانسي من أن" أوروبا لم تعد قادرة على اعتبار نفسها في مأمن من الصراعات"، مؤكدا أن "تجنب الحرب لا يتحقق بالكلام، بل بإظهار القوة. وأن أوروبا باتت مقتنعة بأن توازن الردع هو الضامن الأبرز لعدم الانجرار إلى حرب جديدة، لذلك تتجه معظم دولها بنسبة تتراوح بين 75 و80% إلى إعادة التسلح".

وفعلآ حصلت عملية سباق تسلح جديدة رهيبة، خاصة في أسلحة الدمار الشامل.وأكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) ان أكبر 100 شركة لإنتاج الأسلحة والخدمات العسكرية في العالم سجلت إيرادات قياسية بلغت 679 مليار دولار خلال عام 2024، بزيادة نسبتها 5.9 بالمئة مقارنة بالعام السابق.

من جهته،حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي(الناتو (مارك روته، من أن" حربا عالمية مع روسيا قد تضرب كل بيت في أوروبا، وتحدث دمارا هائلا، داعيا إلى الاستعداد لها،على غرار ما لاقاه آباؤنا وأجدادنا".وقال في كلمة أدلى بها في العاصمة الألمانية برلين،في 12/12/2025، إن:" على الناتو أن يدرك أن روسيا تعتبرنا الهدف التالي"، مستدركاً "روسيا هي الهدف المقبل للحلف".
وقال الأدميرال الهولندي، المسؤول العسكري السابق في الناتو، روب باور، إن "على أوروبا الاستعداد للحرب من أجل الحفاظ على السلام وردع بوتين".وأوضح أن " قوة هذه الرسائل زادت في الأشهر الماضية"، مشيرا إلى "قلق المسؤولين من بيانات تظهر أن المجمع الصناعي العسكري الروسي ينتج أسلحة تفوق احتياجات حرب أوكرانيا، ما أثار مخاوف من قدرته على إعادة بناء قوته لمهاجمة أوروبا بسرعة أكبر مما كان متوقعا"..

ووفقاً لتقرير نشرته "سكاي نيوز عربية" قبل بضعة أيام، تعكس هذه الآراء شرخا أعمق بين ضفتي الأطلسي، إذ تريد إدارة ترامب تقارب واشنطن وأوروبا مع موسكو من أجل استتباب ما تسميه بـ"الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا"، معتبرة أن ذلك سيقلل خطر اندلاع حرب أوسع وفرصة تجارية محتملة مع روسيا. بالمقابل، تنظر أوروبا وأوكرانيا للأمور من منظور معاكس، حيث ترى أن روسيا تشكل تهديداً طويل الأمد، وتعتقدان أن أي ثقة يجب أن تكسب وتتحقق، وإلى أن يحدث ذلك وجوب الردع ضد موسكو.

حيال هذا، جدد الكرملين نفيه المتكرر لاتهامات الناتو والقادة الأوروبيين بأن موسكو تخطط لمهاجمة إحدى الدول الأعضاء في الحلف، واصفا هذه الاتهامات بأنها "هراء" يهدف إلى تأجيج المشاعر المعادية لروسيا داخل أوروبا.وأكد "أن إطلاق مثل هذه التصريحات لا يسهم في خفض التوتر، بل يزيد من حدة الاستقطاب السياسي والعسكري في القارة الأوروبية"، محذراً "من خطورة التلويح بالحرب في ظل الظروف الدولية الراهنة".

وبشأن تصريح مارك روته، وصفه الكرملين، في تصريح للتلفزيون الرسمي الروسي، بأنه غير مسؤول، معتبراً أنها تعكس عدم إدراكه لحجم الدمار الذي خلفته الحروب الكبرى، وعلى رأسها الحرب العالمية الثانية. ويبدو وكأنه صادر عن ممثل لجيل نسي حقيقة ما كانت عليه الحرب العالمية الثانية، مضيفا:" أن مثل هذه التصريحات تدل على غياب الوعي بتبعات الحروب وآثارها الكارثية".

ووصف الرئيس بوتين التصريحات المذكورة بأنها "أكاذيب وخزعبلات".وقال قبل أيام خلال اجتماع موسع لهيئة وزارة الدفاع الروسية: "في أوروبا يغرسون في أذهان الناس مخاوف بشأن حتمية الصدام مع روسيا ويرفعون درجة الهستيريا لديهم، بزعم ضرورة الاستعداد لحرب كبرى، لقد قلنا مرارا وتكرارا هذا كذب وهذيان، هذيان محض".وشدد على أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة.وحمّلَ قادة الدول الأوروبية والرئيس الأمريكي السابق جو بايدن مسؤولية النزاع المسلح في أوكرانيا. وأضاف :" إنضم الزعماء الأوروبيين فوراً، كالخنازير الصغيرة، إلى جهود الإدارة الأمريكية السابقة على أمل الاستفادة من انهيار بلدنا "..

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن بأن:" أوروبا تخرب كل جهود صنع السلام، وترفض الاتصالات المباشرة مع موسكو. هم يفرضون عقوبات جديدة ترتد على اقتصاداتهم بشكل أكبر، ويتأهبون علانية لحرب أوروبية كبرى جديدة ضد روسيا".وأشار إلى "أن موسكو مستعدة لاستئناف الاتصالات مع أوروبا عندما ينتهي جنون الرهاب من روسيا. لا توجد طريقة أخرى لوصف ذلك".وقال إن" الرئيس ترامب أقر بأن أحد الأسباب وراء حملة روسيا هو توسع حلف شمال الأطلسي، ونشر بنيته التحتية بالقرب من حدوده، وهذا في جوهره هو ما كان يحذر منه الرئيس الروسي وروسيا على مدى السنوات العشرين الماضية". وأضاف:"أن أوروبا عازمة على تقويض التحركات الأميركية الساعية لإيجاد حل سلمي".

الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي أكاديمي عراقي متقاعد مقيم في السويد