الهند وباكستان والسلاح النووي .. هل يدركان عواقب إستخدامه ؟
كاظم المقدادي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 14:09
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يشهد العالم منذ أيام تصاعد التوترات بين الهند وباكستان، وتتواصل المواجهات العسكرية بينهما، حيث شرعت قواتهما المسلحة بقصف مواقع بصواريخ ومسيرات ومدافع، نجم عنها سقوط قتلى وجرحى وطائرات ومسيارات من الطرفين. وإنطلقت في البلدين دعوات للثأر والإنتقام للقتلى الذين سقطوا جراء الضربات الصاروخية، مما يزيد المخاوف من احتمال اتجاه الدولتين إلى صراع شامل وأكثر خطورة.
ويُذكرُ بان البلدين خاضا 3-4 حروب، ومواجهات عسكرية عديدة، قبل إمتلاكهما للأسلحة النووية في عام 1998. من هنا خطورة التصعيد الأخير، الذي نأمل ان لا يصل حد التهور والإستهتار والإنتحار، فتستخدم الترسانة النووية لدى البلدين، حيث تمتلك الهند 172 رأساً حربياً نووياً، وتمتلك باكستان 170 رأساً نووياً- وفقاً لـ"معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI)
في تحليل نشرته مجلة " National Interest " الأميركية قال الصحفي المتخصص في شؤون الدفاع، والعسكري المخضرم في الجيش اليوناني، ستافروس أتلاماز أوغلو :" إن العداء بين الهند وباكستان ليس جديدا. بيد أن الصراع النووي بينهما ينذر بكارثة بالغة، نظرا لقربهما من بعضهما البعض".
وأضاف: "خاضت الدولتان 3 حروب شاملة، وعشرات المناوشات الأصغر حجما، منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947. ومع ذلك، تجنبتا الحرب الشاملة منذ عام 1998، بعد أن امتلكت الدولتان أسلحة نووية..
وأكد ان صاروخا نوويا ينطلق من الهند أو باكستان، أو بالعكس، يمكن أن يصيب البلد الآخر في ثوان، مما يقلل من وقت رد الفعل ويزيد من احتمالات وقوع خطأ كارثي". ويرى ان تقارب المسافة الجغرافية بين الجارتين النوويتين يجعل أي خلل في التقدير أو إنذار خاطئ كفيلا بإشعال فتيل كارثة نووية، حيث لا يمتلكان الوقت الكافي لتقييم الوضع وكشف "الإنذار الخاطئ". وأن امتلاك أي دولة للسلاح النووي يعني قدرتها على الرد بالمثل في حال التعرض لهجوم نووي. وبما أن أي ضربة ثانية ستمحو الدولة التي أطلقت الأسلحة النووية أولا، فإن هذه القدرة تضمن "التدمير المتبادل المؤكد" وهو السبب في عدم وقوع أي حرب شاملة بين دولتين نوويتين..وهذا يعني أن سيناريو "التدمير المتبادل" الذي حال دون نشوب أي مواجهة نووية في العالم، لا يكفي بمفرده لمنع نشوبها بين الهند وباكستان في حال الدخول بحرب شاملة كتلك الحروب الثلاث التي خاضتها الدولتان في النصف الثاني من القرن العشرين."..
وقبل أربعة عقود تساءل الفيلسوف البريطاني ديريك بارفيت، في كتابه "أسباب وأشخاص" الصادر سنة 1984: "أيها أسوأ، الانتقال من السلام إلى حرب نووية تقتل 90% من البشر، أم الانتقال من حرب نووية تقتل 90% من البشر إلى حرب نووية تقتل 100% من البشر؟.. قد تقول إن الحالة الأولى بالطبع أسوأ، لكن الحالة الثانية لا تعني قتل 10% من الناس فقط، بل تعني انقراض البشرية، الذي سيكون في حد ذاته أسوأ بكثير، لأنه يمنع وجود جميع الأجيال القادمة، هذا الاحتمال الأخير أقل من سابقه، لكنه أسوأ لدرجة تجعل من المهم أن نأخذه في الحسبان"
هذا الخطر الرهيب ماثل في الوقت الحالي، ويعززه إطلاق القادة السياسيين والعسكريين، منذ أولى المناوشات الجديدة بين البلدين، التهديدت بإستخدام ترسانتهما النووية.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا وبشدة:
هل يدرك المهددون بإستخدام الترسانة النووية حجم العواقب التي ستنجم عن إستخدام سلاح نووي ؟
تساءل مشروع،لاسيما وقد حذر عالم فيزياء بارز من أن اندلاع صراع نووي بين الهند وباكستان قد يؤدي إلى كارثة عالمية تهدد بفناء الحضارة البشرية، نتيجة دخول الأرض في ما يعرف بـ"الشتاء النووي". وأوضح أستاذ علوم الغلاف الجوي والمحيطات بجامعة كولورادو بولدر، البروفيسور برايان تون، في حديثه خلال إحدى الفعاليات العلمية:" أن آثار حرب نووية إقليمية قد تتجاوز حدود جنوب آسيا لتشمل الكوكب بأسره"- نقلآ عن صحيفة " The Mirror" .
وقال البرفسور تون: "الدخان الناتج عن الانفجارات النووية سيغطي الكرة الأرضية خلال أسبوعين فقط، ويرتفع إلى طبقات الجو العليا، حيث لا تهطل الأمطار، ما يعني أن هذا الدخان سيظل معلقا في الغلاف الجوي لسنوات، متسببا في انخفاض درجات الحرارة وغياب ضوء الشمس".
وأضاف: "حتى المزارعون في أوروبا أو أميركا، البعيدون آلاف الكيلومترات عن مسرح العمليات، سيشاهدون سماء ملبدة بالدخان ويقفون على محاصيل ذابلة جراء البرد ونقص الضوء.
وستكون التبعات الزراعية كارثية"، مشيرا إلى "أن محاصيل رئيسية مثل القمح والذرة والأرز قد تشهد انخفاضا في الإنتاج يصل إلى 40 بالمئة لعدة سنوات متتالية".
وحذر قائلا: "نحن لا نتحدث فقط عن حرب محلية، بل عن أزمة وجودية قد تؤدي إلى انقراض 90 بالمئة من سكان العالم "، مؤكدا "أن آثار الحرب لن تستثني أحدا، حتى أولئك في الدول غير النووية أو غير المشاركة "[2]
الى هذا، كان العالم ستيفن ستار(عالِم بارز في منظمة «أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية»، وشريك في «مؤسسة السلام في العصر النووي») قد حذر من أنه " بمجرد بدء عملية تبادل نووي بين واشنطن وموسكو ، فإن عدد القتلى خلال الساعة الأولى سيكون عشرات الملايين،وستكون هذه مجرد بداية مروعة. وهناك "الشتاء النووي" (Nuclear winter) أحد العواقب البيئية الطويلة الأجل للحرب النووية، فمن شأن طبقة الدخان الستراتوسفيرية العالمية The global stratospheric smoke التي تولدها العواصف النووية، أن تحجب معظم أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض، مما يؤدي إلى حالة طقس العصر الجليدي التي ستستمر لمدة 10 سنوات على الأقل. ومن شأن "الشتاء النووي" أن يجعل معظم الناس على كوكب الأرض مهددين بالموت بسبب المجاعة في غضون عامين من "الحرب النووية الأمريكية- الروسية" المفترضة.
ومن هذا المنطلق، حذر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ليون بانيتا، في حديث أدلى به لقناة "NBC" من مغبة إقدام واشنطن على ضربة إستباقية لكوريا الشمالية، مشيراً الى أن أي خطوة في هذا الإتجاه سوف تشعل حرباً نووية تزهق أرواح الملايين. وقال:بالمقابل فأن ضربة نووية محتملة توجهها كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة الأمريكية من شأنها أن تتسبب بسقوط آلاف الضحايا بين السكان".
وقدّرت "The Daily Star " أن حوالي 61 ألف نسمة سوف يموتون في ضربة نووية واحدة وسوف يحترق السكان بالنار أو جراء الانفجار أو التسمم بالإشعاعات، بالأضافة الى 65 ألف نسمة سيكونون ضحايا الإشعاع الحراري الذي سيتسبب لهم بحروق من الدرجة الثالثة وظهور ندبات شديدة وجروح غاية في الخطورة.
وأكد الخبير الأمريكي في القضايا النووية، ديني روي، أنه إذا كان لدى كوريا الشمالية تكنولوجيا أكثر تطوراً فإن صواريخها ستتمكن من ضرب واشنطن ونيويورك وستتسبب بموت 130 ألف في واشنطن و 210 آلاف نسمة في نيويورك
وهكذا،في ظل وجود أكثر من 13 ألف و 80 رأساً حربياً نووياً في العالم حذرت الأمم المتحدة من أن يؤدي تصاعد التوترات في العالم، إلى جانب الحرب الإلكترونية المتفاقمة، المعروفة بـ"الحرب السيبرانية"، إلى "كارثة نووية لا تحمد عقباها"، راسمة صورة متشائمة للتهديدات التي تواجه العالم.
من جهتها، قالت إيزومي ناكاميتسو، الممثلة السامية لشؤون نزع السلاح، إن التوترات الجيوسياسية المتطورة بشكل كبير في خضم الخطاب والتهديدات النووية الخطيرة، هي بمثابة دعوة صارخة لاستيقاظ الدول كي تتخذ إجراءات لدعم معاهدة حظر الأسلحة النووية النافذة و الملزمة قانونا.
وتحدثت ناكاميتسو، نيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة، في افتتاح الاجتماع الثالث للدول الأطراف في معاهدة حظر الأسلحة النووية، الذي إنعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في اَذار الماضي، مُعربة عن القلق من أن الأوضاع الحالية التي لا يمكن التنبؤ بها قد تؤدي إلى تفاقم خوف الناس وزيادة الاعتقاد بـ"الرواية الخاطئة " بأن الأسلحة النووية هي "أفضل الأدوات التي توفر الأمن"!! [3].
خلاصة القول:
ان الإقدام على استخدام السلاح النووي في النزاعات الدولية لن يكون فيه أحد منتصر، وإنما جميع الأطراف ستكون خاسرة، لأن هذا السلاح هو أخطر أسلحة الدمار الشامل، بمقدوره ان يفني الملايين، ويهدد مصير البشرية جمعاء .. وسيكون المتضرر الاكبر ليس فقد الدول المتحاربة، وإنما جميع الدول المجاورة ،ولن تسلم حتى الدول البعيدة بعشرات الكيلومترات..
من هنا، على الدول المجاورة للهند وباكستان- الصين وإيران وأفغانستان وبنغلاديش ونيبال وميانمار، وغيرها، وكذلك الدول القريبة،كدول الخليج والعراق والاردن وسوريا وتركيا، وغيرها، أن لا تقف متفرجة على النزاع المسلح الدائر هناك، والهند وباكستان يمتلكان ترسانة نووية (أكثر من 340 رأساً نووياً)، إنما على جميع الدول المذكورة أن تتحرك فورا وتتدخل سلمياً لإنهاء النزاع المسلح بين الدولتين وسد الطريق بوجه من ينوي استخدام ترسانته النووية ويهدد كافة دول العالم..وذلك أمر مشروع لحماية شعوبها .
الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي أكاديمي متقاعد، عراقي مقيم في السويد