عن ( رابعة العدوية / مولد الحسين في القاهرة )
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن
-
العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 21:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السؤال الأول
هناك مغنية إسبانية اسمها روساليا قدمت أغنية عن رابعة العدوية ، وقالت عنها : "رابعة العدوية كانت تتكلم، والناس يدوّنون ما تقوله". ثم تشرح فكر العدوية قائلة: "كانت تتحدث عن حب الله لذاته، لا سعياً لمكافأة ولا خوفاً من عقاب".. أنا تعجبت من هذا الخبر المنشور في موقع صحيفة بريطانية . وسألت نفسى هل رابعة العدوية وصلت شهرتها لهذا الحد . وتذكرت أغنية أم كلثوم عنها في فيلم رابعة العدوية : ( الرضى والنور ). باعتبارك باحث تاريخى ومتخصص في التصوف لماذا لا تكتب لنا عن هذه الشخصية المشهورة على مستوى العالم ؟
إجابة السؤال الأول :
1 ـ هي شخصية مصنوعة لا وجود لها في الحقيقة . والذين صنعوها ـ ومنهم القشيرى في رسالته ـ زعموا أنها مولودة عام 100 هجرية . ثم إختلفوا في نشأتها .
2 ـ من قبل قلت إن أول حركة دينية تم إبتداعها كانت حركة البكائين ، وكانت ردّ فعل للإحباط ، كانوا يتوقعون إصلاحا وعدتهم به دعاة الدعوة العباسية ففوجئوا بأن العباسيين ـ خصوصا في عهد السفاح والمنصور ـ أصبحوا أكثر فظاعة من الأمويين . ثم ظهرت حركة الزهد ، بنفس الطريقة المسيحية . واستمرت مع تمتع الزهّاد بالاحترام . ثم في القرن الثالث ظهر دين التصوف يربط نفسه في البداية بالزهد . ويخفى عقائده الكافرة في الحلول والاتحاد ووحدة الوجود . بسبب ظروف سياسية شرحناها إنتشر دين التصوف على حساب الحنبلية السنية المتطرفة في القرن السادس الهجرى ، وواصل إنتشاره حتى تسيّد العصر المملوكى ، وتسبب في تأخر المحمديين أكثر وأكثر . مع وجود التصوف وتسيّده حتى العصر العثمانى ظل تيار الزهد موجودا على الهامش . الشيخ عبد الوهاب الشعرانى ـ الصوفى الأشهر المخضرم الذى عاش أواخر العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى ـ ذكر شخصيات من الزهاد في وقته .
3 ـ وأقول : ما نسبوه من أقاويل لرابعة العدوية يؤكد على أنها شخصية مصنوعة . ففي القرن الثانى الهجرى لم تكن معروفة مقولات الحب الالهى والعشق الالهى ، و أن تحب الله جل وعلا وترفض جنته ولا تأبه بعذابه . هذه الدراما هي التي نشرت إشاعة رابعة العدوية ، وجعلتها قصة محببة للعوام ، خصوصا وقد صدقها بعض المثقفين فكتبوا عنها كما لو كانت حقيقية . وأتعجب من شهرة بعضها وسقوطهم العلمى بهذا الشكل .
السؤال الثانى :
أنا كاتب وباحث سورى أعيش في تركيا ، وجئت للسياحة في القاهرة ، وزرت ضريح الحسين فوجدت زحام شديد لدرجة أننى لم أستطع التنفس وشعرت بالاختناق . جلست على مقهى وتكلمت فيه مع مصري يبدو أنه مثقف فقلت ربما أستفيد من علمه ، وقد علمت أنه جاء من مدينته في الصعيد ليزور الحسين . فاجأني بقوله انه لا يأتي لزيارة الحسين إلا بدعوة من الحسين يرسلها الحسين الى من يحبهم . صعقت من إجابته ، وقلت له كيف يدعوك فقال إنه يحس بهذه الدعوة منه من تسهيل السفر اليه . تذكرت الفيلم المصرى ( بين القصرين ) والسيدة آمال زايد تقول لزوجها سى السيد ( سيدنا الحسين دعانى قمت لبّيت ) . هل لهذه الدرجة بلغ إعتقاد المصريون في ضريح الحسين ؟ مع أن هناك كثيرون ينكرون وجود رأس الحسين في القاهرة . مارأيك يا دكتور ؟
إجابة السؤال الثانى
في الكتاب الذى أواصل نشره عن الأزهر عدو الإسلام الأكبر تكلمت عن ظروف إقامة ضريح الحسين في القاهرة قبيل سقوط الدولة الفاطمية ، ثم إستمرار تقديسه وحتى الآن . أرجو أن تقرا المنشور من هذا الكتاب .
قرآنيا : قالها إبراهيم عليه السلام لقومه :
1 ـ ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)العنكبوت ) . أي هم الذين صنعوا الأوثان إفكا ويعبدونها .
2 ـ ( وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ (25) العنكبوت ). أي هم الذين يصنعون لها أعيادا :( موالد ) تكون مناسبات للتلاقي وتكوين الصداقات ونسج المودة . ولأنها مودة نشأت في ضريح شيطانى ودين شيطانى فتتحول يوم القيامة الى تلاعن بينهم وهم في النار .
عن تلاعنهم في النار نرجو تدبر الآيات الكريمة التالية :
1 ـ ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سبأ )
2 ـ ( فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) الشعراء )
3 ـ ( هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)ص )
4 ـ ( الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف )
تاريخيا
الدين المصرى يعيد إنتاج نفسه من العصر الفرعونى وحتى الآن ، وشرحنا هذا في كتابنا ( شخصية مصر .. ) والذى كان مقررا على قسم التاريخ بجامعة الأزهر عام 1984 ، ومنشور هنا . وفى مقالات لاحقة ونقلا عن كتاب ارمان وغيره عن ديانة المصريين القدماء وحياتهم اليومية كتبت عن الأعياد الفرعونية حول المعابد المشهورة ، وخصوصا عيد الالهة بست ( القطة ) ومكان المعبد الآن تل بسطة بجوار مدينة الزقازيق ، ونقلت استعداد المصريين للقدوم له افواجا في مراكب ، ونقلت ما قاله الشعرانى في العصر العثمانى عن نفس القدوم للموالد . هذا لإثبات انه لم يتغير في الدين المصرى شيء سوى الأسماء .
أخيرا
1 ـ الشيطان لم ولن يقدم إستقالته ، ونتذكر قوله جل وعلا في يوم القيامة : ( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) يس )
2 ـ الدين الأرضى الشيطاني يملكه أصحابه ـ ويتوارثونه على أنه ( ثوابت ) وما وجدوا عليه آباءهم . قال جل وعلا عن أصحاب النار : ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) الصافات )
ودائما : صدق الله العظيم .!
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran