الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى (5 / ج 25 ) : كتاب ( الفقه الوعظى )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 18:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

نستكمل الحديث ..
ننقل بإختصار :
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :
بيان جملة مروية على الصوفية من الأفعال المنكرة
قلت قد سبق ذكر أفعال كثيرة لهم كلها منكرة وإنما نذكر ههنا من أمهات الأفعال وعجائبها.
أخبرنا .. .. كان بين أحمد بن أبي الحواري وبين أبي سليمان عقد أن لا يخالفه في شيء يؤمره به فجاءه يوما وهو يتكلم في المجلس فقال ان التنور قد سجرناه فما تأمرنا فما أجابه فأعاد مرة أو مرتين فقال له الثالثة أذهب واقعد فيه ففعل ذلك فقال أبو سليمان ألحقوه فإن بيني وبينه عقدا أن لا يخالفني في شيءآمره به فقام وقاموا معه فجاؤا إلى التنور فوجدوه قاعدا في وسطه فأخذ بيده وأقامه فما أصابه خدش . ..
أخبرنا .. كنت جالسا عند خير النساج فأتته امرأة وقالت له اعطيني المنديل الذي دفعته اليك قال نعم فدفعه اليها قالت كم الأجرة قال درهمان قالت ما معي الساعة شيء وأنا قد ترددت اليك مرارا فلم أراك وأنا آتيك به غدا إن شاء الله تعالى. فقال لها خير ان أتيتني بهما ولم تجديني فارمى بهما في دجلة فإني إذا جئت أخذتهما . فقالت المرأة كيف تأخذ من دجلة فقال لها خير هذا التفتيش فضول منك أفعلي ما أمرتك به قالت إن شاء الله فمرت المرأة قال أبو الحسين فجئت من الغد وكان خير غائبا وإذا المرأة قد جاءت ومعها خرقة فيها درهما فلم تجده فرمت بالخرقة في دجلة وإذا بسرطان قد تعلقت بالخرقة وغاصت وبعد ساعة جاء خير وفتح باب حانوته وجلس على الشط يتوضأ وإذا بسرطان قد خرجت من الماء تسعى نحوه والخرقة على ظهرها فلما قربت من الشيخ أخذها فقلت له رأيت كذا وكذا فقال أحب أن لا تبوح به في حياتي فأجابته إلى ذلك . ..
أخبرنا .. يقول دخلت على النوري ذات يوم فرأيت رجليه منتفختين فسألته عن أمره فقال طالبتني نفسي بأكل الثمر فجعلت أدافعها فتأبى علي فخرجت فاشتريت فلما ان أكلت قلت لها قومي فصلي فأبت علي فقلت لله علي ان قعدت إلى الأرض أربعين يوما إلا في التشهد فما قعدت .
أنبأنا .. قال كان رجل من أهل بسطام لا ينقطع عن مجلس أبي يزيد لا يفارقه فقال له ذات يوم يا أستاذ أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر وأقوم الليل وقد تركت الشهوات ولست أجد في قلبي من هذا الذي نذكره شيئا البتة فقال له أبو يزيد لو صمت ثلاثمائة سنة وقمت ثلاثمائة سنة وأنت على ما آراك لا تجد من هذا العلم ذرة. قال ولم يا أستاذ قال : لأنك محجوب بنفسك فقال له : أفلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب قال نعم ولكنك لم تقبل قال بلى أقبل واعمل ما تقول قال أبو يزيد أذهب الساعة إلى الحجام وأحلق رأسك ولحيتك وأنزع عنك هذا اللباس وابرز بعباءة وعلق في عنقك مخلاة واملأها جوزا وأجمع حولك صبيانا وقل بأعلا صوتك يا صبيان من يصفعني صفعة أعطيته جوزة وادخل إلى سوقك الذي تعظم فيه فقال يا أبا يزيد سبحان الله تقول لي مثل هذا ويحسن أن أفعل هذا فقال أبو يزيد قولك سبحان الله شرك قال وكيف قال لأنك عظمت نفسك فسبحتها فقال يا أبا يزيد هذا ليس أقدر عليه ولا أفعله ولكن دلني على غيره حتى أفعله فقال أبو يزيد ابتدر هذا قبل كل شيء حتى تسقط جاهك وتذل نفسك ثم بعد ذلك أعرفك ما يصلح لك قال لا أطيق هذا قال انك لا تقبل ..
وحكى أبو حامد أن أبا تراب النخشبي قال لمريد له لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله سبعين مرة ..
وقد تسمى قوم من الصوفية بالملامتية فاقتحموا الذنوب فقالوا مقصودنا أن نسقط من أعين الناس فنسلم من آفات الجاه والمرائين .
وبإسناد قال ربما كان الشبلي يلبس ثيابا مثمنة ثم ينزعها ويضعها فوق النار قال . وذكر عنه أنه أخذ قطعة عنبر فوضعها على النار يبخر بها ذنب الحمار وقال بعضهم دخلت عليه فرأيت بين يديه اللوز والسكر يحرقه
بالنار قال السراج إنما أحرقه بالنار لأنه كان يشغله عن ذكر الله .
وقال الشبلي يوما في مجلسه إن لله عبادا لو بزقوا على جهنم لأطفأوها .
وقد حكى أبو حامد الغزالي أن الشبلي أخذ خمسين دينارا فرماها في دجلة وقال ما أعزك أحد إلا أذله الله
وبإسناد أحمد بن إسحاق العماني قال: رأيت بالهند شيخا وكان يعرف بالصابر قد أتى عليه مائة سنة قد غمض إحدى عينيه فقلت له يا صابر ما بلغ من صبرك قال إني هويت النظر إلى زينة الدنيا فلم أحب أن أشتفي منها فغمضت عيني منذ ثمانين سنة فلم أفتحها
وقد حكى لنا عن آخر انه فقأ احد عينيه وقال النظر إلى الدنيا بعينين إسراف.
.. وقال كنت أخدم في الخلاء ، فبينما أنا يوما أكنسه وأنظفه قالت لي نفسي إذهبت عمرك في هذا فقلت انت تأنفين من خدمة عباد الله فوسعت رأس البئر ورميت نفسي فيها وجعلت أدخل النجاسة في فمي ، فجاءوا وأخرجوني وغسلوني .
وباسناد ..أن بشيراز رجل يعرف بابن خفيف البغدادي شيخ الصوفية هناك يجتمعون إليه ويتكلم عن الخطرات والوساوس ويحضر حلقة ألوف من الناس وأنه فاره فهم حاذق فاستغوى الضعفاء من الناس إلى هذا المذهب قال فمات رجل منهم من أصحابه وخلف زوجة صوفية فاجتمع النساء الصوفيات وهن خلق كثير ولم يختلط بمأتمهن غيرهن فلما فرغوا من دفنه دخل ابن خفيف وخواص أصحابه وهم عدد كثير إلى الدار وأخذ يعزي المرأة بكلام الصوفية إلى أن قالت قد تعزيت فقال لها ههنا غير فقالت لا غير قال فما معنى إلزام النفوس آفات الغموم وتعذيبها بعذاب الهموم ولأي معنى نترك الامتزاج لتلتقي الأنوار وتصفو الأرواح ويقع الاخلافات وتنز البركات قال فقلن النساء إذا شئت، قال فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم فلما كان سحر خرجوا . قال المحسن قوله ههنا غير أي ههنا غير موافق المذهب فقالت لا غير أي ليس مخالف وقوله نترك الامتزاج كناية عن الممازجة في الوطء وقوله لتلتقي الأنوار عندهم أن في كل جسم نورا الهيا وقوله اخلافات أي يكون لكن خلف ممن مات أو غاب من أزواجكن . قال المحسن وهذا عندي عظيم ولولا أن جماعة يخبروني يبعدون عن الكذب ما حكيته لعظمه عندي واستبعاد مثله أن يجري في دار الإسلام . قال وبلغني أن هذا ومثله شاع حتى بلغ عضد الدولة فقبض على جماعة منهم وضربهم بالسياط وشرد جموعهم فكفوا.
.. ولقد حدثني أبو الفتح بن السامري قال جلس الفقهاء في بعض الأربطة للعزاء بفقيه مات فأقبل الشيخ أبو الخطاب الكلوذاني الفقيه متوكئا على يدي حتى وقف بباب الرباط وقال يعز علي لو رآني بعض أصحابنا ومشايخنا القدماء وأنا أدخل هذا الرباط قلت على هذا كان أشياخنا فأما في زماننا هذا فقد أصطلح الذئب والغنم .
قال ابن عقيل نقلته من خطه وأنا أذم الصوفية لوجوه يوجب الشرع ذم فعلها منها : أنهم اتخذوا مناخ البطالة وهي الأربطة فانقطعوا إليها عن الجماعات في المساجد فلا هي مساجد ولا بيوت ولا خانات وصمدوا فيها للبطالة عن أعمال المعاش وبدنوا أنفسهم بدن البهائم للأكل والشرب والرقص والغناء، وعولوا على الترقيع المعتمد به التحسين تلميعا والمشاوذ بألوان مخصوصة أوقع في نفوس العوام والنسوة من تلميع السقلاطون بألوان الحرير، واستمالوا النسوة والمردان بتصنع الصور واللباس فما دخلوا بيتا فيه نسوة فخرجوا إلا عن فساد قلوب النسوة على أزواجهن ، ثم يقبلون الطعام والنفقات من الظلمة والفجار وغاصبي الأموال كالعداد والأجناد وأرباب المكوس ، ويستصحبون المردان في السماعات يجلبونهم في الجموع مع ضوء الشموع ، ويخالطون النسوة الأجانب ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة ، ويستحلون بل يوجبون أقتسام ثياب من طرب فسقط ثوبه، ويسمون الطرب وجدا والدعوة وقتا واقتسام ثياب الناس حكما، ولا يخرجون عن بيت دعوا إليه إلا عن إلزام دعوة أخرى يقولون أنها وجبت . ..ويسلمون أنفسهم إلى شيوخهم فان عولوا إلى مرتبة شيخه قيل الشيخ لا يعترض عليه ..فان قبّل أمردا قيل رحمة وإن خلا بأجنبية قيل بنته وقد لبست الخرقة... وقد أبدلوا إزالة العقل بالخمر بشيء سموه الحشيش والمعجون ، والغناء المحرم سموه السماع والوجد .. قال ابن عقيل والناس يقولون إذا أحب الله خراب بيت تاجر عاشر الصوفية قال وأنا أقول وخراب دينه لأن الصوفية قد أجازوا لبس النساء الخرقة من الرجال الأجانب فاذا حضروا السماع والطرب فربما جرى في خلال ذلك مغازلات واستخلاء بعض الأشخاص ببعض فصارت الدعوة عرسا للشخصين فلا يخرج إلا وقد تعلق قلب شخص بشخص ومال طبع إلى طبع وتتغير المرأة على زوجها فإن طابت نفس الزوج سمي بالديوث وإن حبسها طلبت الفرقة إلى من تلبس منه المرقعة والاختلاط بمن لا يضيق الخنق ولا يحجر على الطباع ويقال تابت فلانة وألبسها الشيخ الخرقة وقد صارت من بناته. )
التعليق :
أولا :
ابن الجوزى هنا شاهد على الصوفية في عصره ، وقد جاء بحقائق تاريخية لم يذكرها المؤرخون في كتبهم التاريخية . وهو منهم . أهم هذه الحقائق التاريخية :
1 ـ الانحلال الخلقى للتصوف ، ومنها حفلات الجنس الجماعى فيما بينهم فيما يحكيه عن إبن خفيف البغدادى ، وتحويله مناسبة العزاء الى حفلة جنس صاخبة ، والتعبير عن ذلك جاء بقوله ( فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم ).
2 ـ إغواء النساء خارج دائرة التصوف . مثل قوله ( واستمالوا النسوة والمردان بتصنع الصور واللباس فما دخلوا بيتا فيه نسوة فخرجوا إلا عن فساد قلوب النسوة على أزواجهن ) ( ويخالطون النسوة الأجانب ينصبون لذلك حجة إلباسهن الخرقة ) ( والناس يقولون إذا أحب الله خراب بيت تاجر عاشر الصوفية قال وأنا أقول وخراب دينه لأن الصوفية قد أجازوا لبس النساء الخرقة من الرجال الأجانب فاذا حضروا السماع والطرب فربما جرى في خلال ذلك مغازلات واستخلاء بعض الأشخاص ببعض فصارت الدعوة عرسا للشخصين فلا يخرج إلا وقد تعلق قلب شخص بشخص ومال طبع إلى طبع وتتغير المرأة على زوجها فإن طابت نفس الزوج سمي بالديوث وإن حبسها طلبت الفرقة إلى من تلبس منه المرقعة والاختلاط بمن لا يضيق الخنق ولا يحجر على الطباع ويقال تابت فلانة وألبسها الشيخ الخرقة وقد صارت من بناته. )
3 ـ الشذوذ الجنسى بمن اطلقوا عليه لقب ( المُردان ، المُرد ) . قال : ( واستمالوا النسوة والمردان )( فان قبّل أمردا قيل رحمة ).
4 ـ بهم بدأ ظهور الحشيش في عصر ابن الجوزى : ( وقد أبدلوا إزالة العقل بالخمر بشيء سموه الحشيش والمعجون ). وبتسيّد التصوف في العصر المملوكى أصبح تناول الحشيش شريعة صوفية ، وأطلقوا عليه ( لقيمة الفكر والذكر )
5 ـ عبودية المريدين لشيخهم الصوفى : ( ويسلمون أنفسهم إلى شيوخهم فان عولوا إلى مرتبة شيخه قيل الشيخ لا يعترض عليه ). وقد إستشرى هذا في العصر المملوكى ، وتبارى شيوخ التصوف في تقعيده وتنافس المريدون في طاعته .
6 ـ ظهور طائفة الملامتية ، وقد انتشروا في العصر المملوكى ، واشتهروا بالشذوذ في معابدهم الخاصة.
ثانيا :
أورد ابن الجوزى خرافات عنهم جعل لها أسانيد ، ولم يردّ عليها كما ينبغي ، مثل : (فجاؤا إلى التنور فوجدوه قاعدا في وسطه فأخذ بيده وأقامه فما أصابه خدش . ..) ( .. وإذا بسرطان قد خرجت من الماء تسعى نحوه والخرقة على ظهرها فلما قربت من الشيخ أخذها فقلت له رأيت كذا وكذا فقال أحب أن لا تبوح به في حياتي فأجابته إلى ذلك . ..) ( ..فقلت لله علي ان قعدت إلى الأرض أربعين يوما إلا في التشهد فما قعدت .)
( .. فغمضت عيني منذ ثمانين سنة فلم أفتحها ..وقد حكى لنا عن آخر انه فقأ احد عينيه وقال النظر إلى الدنيا بعينين إسراف... .. كنت أخدم في الخلاء ، فبينما أنا يوما أكنسه وأنظفه قالت لي نفسي إذهبت عمرك في هذا فقلت انت تأنفين من خدمة عباد الله فوسعت رأس البئر ورميت نفسي فيها وجعلت أدخل النجاسة في فمي ، فجاءوا وأخرجوني وغسلوني . )
أخيرا :
شهد عصر ابن الجوزى إنتشار التصوف وخفوت الحنبلية السنية . يقول ( جلس الفقهاء في بعض الأربطة للعزاء بفقيه مات فأقبل الشيخ أبو الخطاب الكلوذاني الفقيه متوكئا على يدي حتى وقف بباب الرباط وقال يعز علي لو رآني بعض أصحابنا ومشايخنا القدماء وأنا أدخل هذا الرباط . قلت على هذا كان أشياخنا فأما في زماننا هذا فقد أصطلح الذئب والغنم .). راهن الصوفية على العوام إجتذبوهم للتصوف باللهو واللعب والانحلال الخلقى . كان الناس قد ضاقوا ذرعا بالتشدد الحنبلى ودينهم في تغيير المنكر وتسلطهم على الناس والحكام . إختلف الوضع بحكام جُدد يقيمون للصوفية معابد وينفقون عليهم ، فهم قادة للعوام ؛ الأكثرية التي لا تعقل ولا تفكر .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran