واشنطن تهدد فنزويلا بغزوها بتهمة المخدرات
خالد سالم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 16:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لكنها تدور يا ملوك الطوائف..."
واشنطن تهدد فنزويلا بغزوها بتهمة المخدرات
د. خالد سالم
ما من يوم تستيقظ فيه البشرية إلا وتجد نفسها أمام أزمة خلقتها إمبراطورية اللحظة، الولايات المتحدة الأمريكية، على امتداد الأفق الجغرافي للعالم، بغية الحفاظ على هيمنتها على عالم لا تزال تتصور أنه أحادي القطبية، دون أن تلتفت إلى الثقل الحقيقي الذي اكتسبته الصين منذ مطلع القرن الحالي، إضافة إلى قوى أخرى كروسيا الإتحادية ومجموعة بريكس. آخر تخبطات الإمبراطورية الأمريكية بدأته في منتصف أغسطس الماضي بحصار عسكري على فنزويلا يتمثل في نشر قواتها وسفنها وغواصاتها في البحر الكاريبي، بذريعة القضاء على بؤرة للمخدرات بين القوات المسلحة الفنزويلية.
وقبلها مباشرةً أعلنت عن مكافأة قدرها خمسين مليون دولار لمن يدل على مكان الرئيس الدستوري المنتخب نيقولاس مادور للقبض عليه، وخمس وعشرين مليونًا لمن يدلي بمعلومات تسهل القبض على بعض أعضاء الحكومة الشرعية. رد الرئيس الفنزويلي لم يتأخر، إذ أكد أن بلده خالٍ من المخدرات، ولا ضلع له في مزارعها.
تعلم واشنطن أن هذه حجة واهية، تتنافى مع الواقع، فجل المخدرات المتجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية تخرج من بلدان أخرى في المنطقة. وهناك تقرير صادرة عن الأمم المتحدة ووكالة مكافحة المخدررات الأمريكية نفسها وعن الاتحاد الأوروبي تبرئ ساحة فنزويلا. لكنها مماحكات سياسية تقف وراءها قوة عسكرية غاشمة تستعد لاسقاط النظام اليساري القائم في كاراكاس الذي تحاصره بعقوبات اقتصادية وتجارية، إضافة إلى تأليب الأنظمة الموالية لواشنطن في أميركا اللاتينية، وشد عضد المعارضة الفنزويلية التي طالبت واشنطن بالتدخل العسكري. ويمتد هذا النزاع إلى عهد الرئيس السابق اوغو تاشبيث منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 1999، وازداد التوتر بين البلدين بقطع للعلاقات الدبلوماسية سنة 2019.
عادت رياح الحرب تهب على البحر الكاريبي وسط أجواء مشحونة وتوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، بينما تخيم تصريحات نارية بين رئيسي البلدين، ترامب ومادورو. وكانت هذه الأزمة الأخيرة قد اندلعت في يوليو الماضي عندما أعلنت واشنطن أن هناك مجموعة داخل الجيش الفنزويلي تسمى "كارتيل ديل صول Cartel del sol"، و أنها عصابة تتاجر في المخدرات واستطاعت إفساد حكومة فنزويلا، وصنفتها على أنها إرهابية. ما يحملنا على التفكير في قصة أسلحة الدمار الشامل العراقية التي لم يكن لها وجود بتاتًا.
السلطات الفنزويلية فندت الإدعاءات الأمريكية، مشيرةً إلى أن تقارير دولية وأراء مسؤولين أمريكيين سابقين في مجال مكافحة المخدرات تتسق مع الرأي الرسمي في كاراكاس. وأمام الحشود الأمريكية قبالة سواحل فنزويلا في البحر الكاريبي بحجة مراقبة المياه الدولية في تلك المنطقة، ترى فنزويلا أنها حجة واهية، فهذه العملية لا تحتاج إلى هذا العدد من قوات المارينز والسفن الحربية التي أغرقت مركبًا فنزويلاً وعلى متنه أحد عشر شابًا من يومين. وتريد واشنطن تحويل منطقة بحر الكاريبي إلى بحر متوسط جديد.
هذه الحشود الأمريكية أعادت إلى الأذهان الغزو الأمريكي لدولة بانما واسقاط رئيسها مانويل نورييغا القبض عليه وحبسه، بتهمة الاتجار في المخدرات، رغم أنه كان عميلاً لوكالة المخابرات الأمريكية التي أمدها بمعلومات عن حكومتي اليسار في كوبا ونيكاراغوا سنتئذ. وبعدها الحصار على العراق ما أضر به ونال من الشعب والجيش فكان الغزو سهلاً سنة 2003، وبالتالي القبض على الرئيس العراقي واعدامه، وقبلهما كوبا الني تعاني من الحصار الأمريكي منذ أكثر من نصف قرن.
سبق هذا الوضع المتأزم فرض عقوبات أميركية على فنزويلا وتجميد لأرصدتها في الخارج، وتهديد الدول التي تحاول كسر هذه العقوبات، ما أدى إلى عواقب وخيمة على الإقصاد وافقار الشعب الذي يئن رغم صموده. تتجلى آثار العقوبات الأمريكية في شوراع العاصمة فحيثما تسير تدرك أنها كانت مدينة منظمة وارقية لكن عوامل الشيخوخة وتراجع أعمال الصيانة أخذت تظهر على مبانيها وطرقاتها.
وماذا عن الأمم المتحدة؟! لا عجب من منظمة تبدو في حالة سبات، فقد أرسل الرئيس الفنزويلي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، من منطلق أن هذه الحشود الأميريكية تمثل تهديدًا لسيادة فنزويلا. لكن ثلاث دول ضمت صوتها لصوت فنزويلا، وهي الصين وروسيا الإتحادية وكوريا الشمالية.
مشكلة فنزويلا الكبرى تكمن في مواردها الطبيعية من نفط وغاز وذهب، وكلها موارد يسيل لها لعاب واشنطن التي ترى في أمريكا اللاتينية كلها فناءها الخلفي، ومن حقها السيطرة عليها عبر حكومات تدور في فلكها. هذا اضافة إلى ان كاراكاس منذ أن صعد الرئيس السابق أوغو تشابيث تنتهج خطًا سياسيًا مناقضًا لخط واشنطن والحكومات اليمينية والفاسدة في القارة، ويسير على خطاه الرئيس الحالي نيقولاس مادورو. وهي من الدول التي تناصر القضية الفلسطينية قولاً وفعلاً.
إضافة إلى هذا فإن النفط الفنزويلي يصل إلى الولات المتحدة في خمسة أيام، تتاخر الناقلات القادة من الخليج العربي ما بين أر بعين وخمسة وأربعين يومًا.
وردًا على هذه الحشود الأمريكية في البحر الكاريبي وضعت السلطات الفنزويلية قواتها المسلحة على أهبة الإستعداد لمواجهة غزو امريكي محتمل للبلاد، خاصة وأن واشنطن تطالب برأس الرئيس الدستوري المنتخب نيقولاس مادورو موروس. وفي هذا تساندها المعارضة اليمينية التي تعيش خارج فنزويلا بعد فشلها في انتخابات العام الماضي.
هذا الانتشار للقوات الأمريكية في البحر الكاريبي انتهاك لسيادة فنزويلا وتهديد لأمنها ومزيد من معاناة الشعب. وقد شهد الأيام الأخيرة توترًا بين الطرفين بعد أن قامت طائرتان فنزويليتان بالتحليق على مقربة من السفن الحربية الأمريكية مما جعل واشنطن ترسل بعشر طائرات حربية لردع فنزويلا، الأمر الذي لا يبشر بتهدئة.