مفاهيم الطبقة الاجتماعية والمركز والهامش (١/٢)
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن
-
العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 14:03
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
١
نتابع من جديد الوضوح النظري حول مفاهيم الطبقة الاجتماعية والمركز والهامش التي برزت من جديد، لتبرير تحالف "تأسيس" بين الدعم السريع وبعض الحركات مثل :الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال "جناح الحلو" الخ، فقد أشرنا سابقا أن مفهوم المركز والهامش مضلل لأنه يغبش الصراع الطبقي الذي يتجلى في أشكال دينية وعنصرية وثقافية، فجوهر أطروحات المركز والهامش يغبش الصراع داخل الهامش والمركز، في داخل الهامش ثرية تمتلك ثروات زراعية وحيوانية، تتداخل مصالحها مع أغنياء المركز، كما ان بالمركز فوارق اجتماعية وطبقية َقوي كادحة ومناطق مهمشة، وفي مركز العالم الرأسمالي توجد فوارق طبقية، كذلك في دول الهامش أو المتخلفة، مما يتطلب ضبط المفاهيم والفرز في كل حالة، على سبيل المثال :عندما يتحدث محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن المركز والهامش، فهو يغبش الوعي الطبقي للكادحين، فهو كان ضالعا مع المركز ضد الهامش بالإبادة الجماعية ونهب ثرواته المعدنية والزراعية والحيوانية، وراكم ثروة ضخمة من نهب الذهب، ودعم حكومة البشير، والاتحاد الأوربي لوقف الهجرة. الخ، فهو خارج من رحم الحركة الإسلاموية، ومرتبط بمحاور إقليمية ودولية تهدف لنهب ثروات البلاد، وتقوم بتسليحه في الحرب الجارية حاليا، ويستخدم حاليا الحركات المسلحة المتحالفة معه لفصل دارفور.
٢
كيف تبلور مفهوم الطبقة الاجتماعية عند ماركس؟
معلوم أن ماركس لم يكتشف وجود الطبقات والصراع الطبقي في المجتمع، فقبل ماركس وصف علماء الاجتماع الطبقات والصراع الطبقي، يقول ماركس في رسالة الي ج.ودمير في 5/مارس/1852م، يفسر ما يزعم أنه اثبته علميا بمنهجه التاريخي (لا فضل يرجع لي في اكتشاف وجود الطبقات في المجتمع، ولا في وجود الصراع بينهما، فقبلي بزمن طويل وصف المؤرخون البرجوازيون التطور التاريخي للصراع بين الطبقات، ووصف الاقتصاديون البرجوازيون التشريح الاقتصادي للطبقات. الجديد الذي فصلته هو إثبات:
- وجود الطبقات يرتبط فقط بأطوار تاريخية معينة من تطور الانتاج.
- ان الصراع الطبقي يؤدي بالضرورة الي ديكتاتورية البروليتاريا.
- ان هذه الديكتاتورية نفسها تمثل مرحلة الانتقال نحو القضاء على الطبقات وقيام مجتمع لا طبقي).
أي أن ماركس تحدث هنا عن مرحلة انتقالية للاشتراكية بهدف الوصول المجتمع اللاطبقي، وهذه المرحلة هي بالضرورة ديكتاتورية البروليتاريا، وهو مفهوم كانت قد تجاوزته الاحزاب الشيوعية في أوربا منذ نهاية الحرب العالمية، وطرحت الطريق البرلماني الديمقراطي التعددي للوصول للاشتراكية. كما أحدثت الثورة العلمية التقنية متغيرات بنيوية في تركيبة المجتمعات الرأسمالية المتطورة، واتسع مفهوم الطبقة العاملة الذي اصبح يضم العاملين بأجر بايديهم و ادمغتهم ويتعرضون للاستغلال الرأسمالي باستحواذ فائض القيمة منهم.
كانت نظرية ماركس حول مفهوم الطبقة الاجتماعية من المكتشفات المهمة في علم الاجتماع، أوضح ماركس أن الطبقة الاجتماعية ليست طائفة ولا مرتبة ولا نقابة ولا مهنة ولا حرفة ولادرجة، ولا تقوم على الثروة أو الدخل أو قيمة الأجر أو مستوى المعيشة ونوعها، برغم انها قد تنعكس على العديد من هذه الخصائص:
وتري الماركسية المعايير الايجابية الآتية كافية للدلالة علي الطبقات الاجتماعية:
- الدور الذي يؤدي في الإنتاج.
- تداول الثروة وتوزيعها.
- الاسهام في الصراع الطبقي الذي يتبدى في النضال من اجل السلطة السياسية.
- السيطرة على الدولة باعتبارها التي تعبر عن سيطرة طبقة علي بقية الطبقات.
- الوعي الطبقي ( الأيديولوجيا الطبقية).
ومعلوم أن مفهوم الطبقة في الماركسية ليس جامدا، ولكنه تطور كعملية ويتضح ذلك من الأمثلة التالية:
- في البيان الشيوعي لماركس وانجلز: الطبقة الاجتماعية لا تتشكل بصورة نهائية إلا بظهور التضامن الطبقي ووحدة الدور في الإنتاج والمصالح الاقتصادية المشتركة والوعي الطبقي.
- في مؤلفات (نقد فلسفة الدولة لهيغل) لماركس، (الايديولوجيا الالمانية) لماركس وانجلز، العائلة المقدسة لماركس، (نقد الاقتصاد السياسي) لماركس: يغلب عليها التحليل الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي.
- وفي مؤلف (رأس المال) لماركس يظهر بوضوح الصراع بين البورجوازية والبروليتاريا، وملاحظة قوى اجتماعية أخرى: المديرين.
- وعند برنشتين ملاحظة أن الطبقات الوسطى بين البورجوازية والبروليتاريا تنمو على الدوام، وتطور الرأسمالية يدعم الديمقراطية وخاصة الدولة الديمقراطية التي تعلو علي الطبقات.
- ويري كاوتسكي أن ديكتاتورية البروليتاريا، لا معنى لها ويشير الي تزايد دور ووزن الطبقة الوسطى.
- ويقدم لينين تعريفه للطبقات الاجتماعية على النحو التالي:
( يطلق اسم الطبقات على مجموعات بشرية كبيرة تتميز بوضعها في نظام تاريخي معين من الانتاج الاجتماعي، وبالعلاقات بينها وبين وسائل الإنتاج ( وهي علاقات يحددها القانون في الغالب)، وبدورها في التنظيم الاجتماعي للعمل وبقدرتها بالتالي علي الحصول علي نصيبها من الثروة، كما تتميز بحجم هذه الثروة).
ويلاحظ أن لينين هنا يغفل الوعي الطبقي في التعريف.
- كما يقدم بوخارين تعريفه للطبقة في كتابه عن(نظرية المادية التاريخية 1931م)، على النحو التالي ( الطبقة الاجتماعية وحدة جماعية من الأشخاص الذين يؤدون دورا واحدا في الإنتاج، ويقيمون علاقات واحدة مع غيرها من الوحدات الجماعية التي تسهم في عملية الإنتاج).
من كل التعريفات السابقة حددت الماركسية المعايير الآتية لتعريف الطبقات الاجتماعية:
- معيار اقتصادي – اجتماعي.
- الفروق المترتبة على الوعي الطبقي.
- الأيديولوجيا.
- الموقف من الناس.
- مستوى الحياة والدخل.
- الثقافة.
وينتقد عالم الاجتماع جورج جورجيفيتش في مؤلفه (دراسات في الطبقات الاجتماعية، ترجمة أحمد رضا محمد، ومراجعة د.عزالدين فودة، بدون تاريخ): قلة الالتفات في التعريف الماركسي الي انواع المجموعات ذات الوظيفة الواحدة أو المتعددة الوظائف (المكان، الأسرة، الرابطة الأخوية، النشاط الذي لايستهدف الربح..الخ)، كما يشير إلى إهمال الماركسيين دراسة التناسب العكسي بين الصراع الطبقي وبين صراع المجموعات المنضوية داخل الطبقة الواحدة.
مثال: الصراع بين المنتجين والمستهلكين، الصراع بين المهن، الصراع بين المجموعات المتقاربة اقتصاديا أو ذات الرابطة الأخوية، والصراع بين الأسر، والصراع بين الأحزاب السياسية والنقابات التي تدعي أنها تمثل الطبقة ذاتها..الخ.
كما يشير الي أن انعدام السيكولوجيا الجماعية لطبقات تمثل ثغرة خطيرة للغاية في النظرية الماركسية، كما انه دائما تولد طبقات جديدة في المجتمعات المتطورة صناعيا.
هذا اضافة الي جعل البروليتاريا منقذة للجنس البشري ولها قوي اعجازية قادرة على تحقيق التحول النهائي.
كما يري جورج جورجيفيتش أن النظرية الماركسية في الطبقات الاجتماعية ( ليست بالوضوح الكافي) (دراسات في الطبقات الاجتماعية، ص 13).
في المناقشة لآراء جورج جورجيفيتش: نأخذ في الاعتبار تغير وتبدل الواقع، عما كان عليه الحال عندما صاغ ماركس نظريته في الطبقات الاجتماعية، وفي هذا الجانب، فإن النظرية مفتوحة وليست نهائية، بحكم منهج الديالكتيك المادي الذي لايعرف الحقيقة النهاية، بل يقبل الاضافات والتعديلات الجديدة التي تنبثق من الواقع المتجدد دوما، وليس كما أشار جورجيفيتش ( ان النظرية ليست بالوضوح الكافي)، فهي ليست نظرية نهائية مكتملة. المهم الأساس الذي انطلق منه ماركس حول مفهوم الطبقة الاجتماعية والذي حدده ماركس في : الدور في الإنتاج والوعي الطبقي.
اتفق مع جورجيفيتش: في تاريخية الطبقات الاجتماعية، وبدور هذه الطبقات الرئيسي في تحويل المجتمعات الحاضرة، وفي تقديري أن الكاتب يعبر عن شئ صحيح تماما حين يقول ( ان وظيفة الطبقات الاجتماعية باعتبارها منتجة، وموضوعات تاريخية ودورها في الانتاج وفي تداول الأموال الاقتصادية وتوزيعها، وعلاقاتها مع تنظيماتها الخاصة بها، ومع بنيانها وبنيان المجتمع كله، وامكانياتها في الامتداد الي ما وراء حدود الأمم المختلفة، كل اولئك ظواهر مفعمة بالحركات الديالكتيكية تتسم بقابليتها اللانهائية للتنوع التجريبي).
وهذا يتفق مع منهج الماركسية في أن الطبقات ليست بلورات صلبة، صماء، جامدة ، وإنما هي كائنات عضوية تتطور وتقبل التعدد اللانهائي ، كما يمكن أن تقبل الطبقة الواحدة تنوع الأحزاب والمجموعات السياسية التي تعبر عنها، كما تقبل تنوع الصراعات الاقتصادية وغير الاقتصادية.