ثورة ديسمبر متممة نورها ولو كره الاسلامويون
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن
-
العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 20:49
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
1
تابعنا في دراسة سابقة عن دروس تجربة ثورة ديسمبر، أنها كانت نتاجا لتراكم نضال جماهيري وعسكري استمر لحوالي ثلاثين عاما، وكيف تم قطع الطريق أمامها بدءا بانقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019، ومجزرة فض اعتصام القيادة العامة والولايات التي مازالت تنتظر القصاص، والتوقيع على الوثيقة الدستورية بتدخل إقليمي ودولي التى كرست شراكة العسكر و قننت الدعم السريع دستوريا، واتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب، وحتى انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ الذي شارك فيه الإسلامويين والدعم السريع وحركات جوبا مع اللجنة الأمنية، الذي أطلق رصاصة الرحمة على الوثيقة الدستورية وأعاد التمكين، ووجد الانقلاب مقاومة واسعة، كما في المواكب والمليونيات السلمية، وفشل حتى في تكوين حكومة، وجاء الاتفاق الإطاري بتدخل إقليمي ودولي الذي فجر الصراع المكتوم بين الجيش والدعم السريع على السلطة والثروة وبدعم إقليمي ودولي، مما أدي للحرب اللعينة الجارية حاليا، بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، والمحاولات الفاشلة لتعديل البرهان للوثيقة الدستورية لتكوين حكومة ديكتاتورية اسلاموية تستكمل التمكين في الأرض للإسلامويين، وتستمر في قمع الثورة والثوار، وتهدد وحدة البلاد، كما في الدعوة لفصل دارفور، وتكوين الدعم السريع وحلفائه حكومة موازية غير شرعية خارجة من رحم حكومة بورتسودان غير الشرعية، تهدد وحدة البلاد وتطيل أمد الحرب، مع استمرار نهب ثروات البلاد .
٢
لكن جذوة الثورة مازالت متقدة، وكل الظروف الموضوعية متوفرة لاعادة انفجارها بشكل أعمق من السابق بعد استيعاب دروس التجربة الماضية، والخروج من الحلقة الجهنمية، بترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، والسلام والتنمية المتوازنة، باعتبار ذلك الحل النهائي والحاسم الذي لا يعيد إنتاج الأزمة والحرب .
ترسيخ الديمقراطية والحكم المدني الديمقراطي، ليس ضربا من الخيال و الأحلام والأوهام ، ولم يكن النضال من أجل التغيير الاجتماعي الذي ضحى من أجله رواد التنوير والتغيير في التاريخ أضغاث أحلام ، ولكنه أثمر وأحدث ثورات ، رغم أنها استمرت لفترات طويلة لكن كان لها الأثر في تغيير مجرى التاريخ الإنساني ، رغم الانتكاسات والهزائم المؤقتة الناتجة من صراع قوي القديم التي تصارع من أجل الحفاظ على مصالحها الطبقية وامتيازاتها الاجتماعية التي مسها التغيير.
فقد أشرنا في مقال سابق الي ثورات أحدثت تغييرات عميقة وجذرية في مجري التاريخ الانساني مثل:
– الثورة الانجليزية 1688 التي قضت علي حق الملوك الإلهي ، واصبح للبرلمان الكلمة العليا في شؤون الحكم، كما كان لها الأثر الكبير في ض الانتقال من الاقطاع الى الرأسمالية ، وعلي شعوب اوربا التي تطلعت لتحقيق نظام الحكم البرلماني كما في الثورة الانجليزية التي نتج عنها سيادة البرلمان علي التاج والتطور إلى الأمام، رغم الحروب الأهلية الطويلة.
– الثورة الفرنسية 1789، رغم أنها استغرقت عشر سنوات وعانت من الانتكاسات وعودة الملكية ،الا أنها أثرت في التاريخ الانساني ، بإعلان الجمهورية وإلغاء الملكية المطلقة، وفصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، وفصل الدين عن الدولة ، والعلمانية ، والمساواة وحرية التعبير ، وإلغاء الاقطاع وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة املاك الكنيسة ، واقرار مبدأ مجانية والزامية التعليم والعدالة الاجتماعية . الخ، مما أدي في النهاية لانتصار نمط الإنتاج الراسمالي.
- ثورة تحرير الرقيق في أمريكا ، وإعلان تحرير الرقيق في 1 يناير 1863 ، وتم ادراج الإعلان الرسمي في الدستور الأمريكي يوم 19 يونيو 1865 ، وكانت تلك خطوة مهمة في تطور الرأسمالية و مسار التحرر الاجتماعي ، بإلغاء نظام الرق البغيض، ليحل محله نمط الإنتاج الرأسمالي القائم علي امتصاص فائض القيمة من العاملين.
٣
- ثورات العمال في اوربا 1848 التي دافع عنها مؤسسو الماركسية ، وطرح ماركس ضرورة تحرير الطبقة العاملة من الاستغلال الرأسمالي الذي حل محل العبودية، باستحواذ فائض القيمة من العاملين ، واستبداله بنظام اشتراكي ، كما طرحت الماركسية عموميات الحل الديمقراطي للمسألة القومية مثل : القضاء علي كل أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والديني والثقافي والعنصري والجنسي، وبازالة استغلال الانسان للانسان نزيل استغلال أمة لأمة ، وحق تقرير المصير كحق ديمقراطي انساني في ظروف الديمقراطية وحرية الإرادة، والوحدة من خلال التنوع والاعتراف بالفوارق الثقافية ، وحق كل قومية في تطوير ثقافتها واستخدام لغتها الخاصة في التعليم، الديمقراطية كحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، رفض الاستعلاء القومي والثقافي والديني، واستغلال الدين في السياسة.
- الثورة الروسية 1917 التي كانت من أهم أحداث القرن العشرين، اذا كانت الثورة الفرنسية طرحت شعارات : حقوق الإنسان - الإخاء – المساواة، فان الثورة الروسية طرحت شعارات : السلام- – الحرية – الخبز، وما زالت تلك الشعارت حية رغم هزيمة الثورة الفرنسية وعودة الملكية، وعودة الرأسمالية البشعة التي أفقرت الشعب الروسي ونهبت ثرواته وهربتها للخارج.
كان لثورة أكتوبر الروسية أثرها علي شعوب العالم و المستعمرات ، بإنهاء ويلات ومآسي الحرب العالمية الأولى بتوقيع معاهدة صلح “بريست - ليتوفسك” مع المانيا، وتوفير احتياجات الجماهير الكادحة الأساسية في التعليم والصحة والسكن والعمل ومحو الأمية ، وأعطت المرأة حقوقها في الأجر المتساوي للعمل المتساوي ، ومساواتها بالرجل ، وحماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وتطوير الثقافة والفنون والموسيقى والرياضة، وأكدت امكانية التنمية المستقلة والسيادة الوطنية، وحررت شعوب روسيا من الإضطهاد القومي علي أساس المساواة وحق تقرير المصير بما في ذلك حق الانفصال وتكوين الدولة المستقلة في ظروف حرية الارادة والديمقراطية، وحق كل قومية في تطوير لغتها وثقافتها الخاصة، وساهمت في تحرير شعوب المستعمرات من النير الاستعماري، وكشفت المعاهدات السرية مثل: معاهدة “ سايكس - بيكو” التي تم بموجبها تقسيم العالم العربي الي مناطق نفوذ وانتداب ، كما ساهمت في اندلاع ثورات المستعمرات في : الهند والصين ومصر وفيتنام والعراق وسوريا والسودان “ ثورة 1924”، والتي كانت تطالب بالاستقلال، ونقلت روسيا من دولة متخلفة إلي دولة صناعية متقدمة ، وساهمت بفعالية في تحرير البشرية من البربرية النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية.
بعد الحرب العالمية الثانية ، تحررت شعوب المستعمرات من النير الاستعماري، وقامت الثورات الاشتراكية في بلدان شرق اوربا ، والصين وفيتنام وكوبا وكوريا ، ونهضت حركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتقدمة وحققت مكاسب كثيرة بأثر الثورة الروسية مثل : الحق في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي.. الخ.
٤
لكن في ظروف السودان وبعد ثورة ديسمبر 2018 التي مازالت مستمرة رغم هدف الحرب الجارية تصفيتها، كما في حديث البرهان عن " إحلال البندقية محل اللساتك"، وقمع المواكب السلمية، ومصادرة الحريات كما في اغلا ق دار الحزب الشيوعي السوداني بعطبرة، وحملة الاعتقالات والتعذيب الوحشي للمعتقلين، و المحاكمات الصورة بتلفيق تهمة التعاون مع الدعم السريع الذي هو صنيعتهم، أي العودة الأساليب القمع البالية التي مارسها نظام الانقاذ لأكثر من ثلاثين عاما ولم تنقذهم وهزمها شعبنا في ثورة ديسمبر.
٥
مؤكد سوف تنهض جماهير شعبنا في ثورة أعمق متوفرة لها كل الظروف الموضوعية من دمار وقمع وأوضاع ومعيشية إنسانية مزرية، مع الاستفادة من التجربة الماضية، وعدم تكرار انتكاسات الفترات الانتقالية السابقة، وإعادة إنتاج الأزمة بالانقلابات العسكرية، ووضع حد للانقلابات العسكرية واستدامة الديمقراطية والحكم المدني الديمقراطي ، بتحقيق مهام الفترة الانتقالية كما في الآتي :
وقف الحرب واسترداد الثورة، وإسقاط حكومة الأمر الواقع التي جاءت بانقلاب عسكري، و انتزاع الحكم المدني الديمقراطي، والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واستدامة الديمقراطية، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الإنسانية، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية.
السيادة الوطنية والحفاظ على وحدة البلاد، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي اوالفلسفي.
قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية الذي يقرر في شكل الحكم، ويتم فيه التوافق على دستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
- قيام المجلس التشريعي الذي يختار رئيس الوزراء، والحكومة، يجيز القوانين المطلوبة.
الترتيبات الأمنية لحل وتسريح مليشيات الدعم السريع ، ومليشيات الكيزان،وجيوش الحركات المسلحة وكل المليشيات التي تكاثرت وتناسلت، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وضم كل شركات الجيش والدعم السريع والمليشيات، والشرطة والأمن لولاية وزارة المالية.
- تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتركيز الأسعار، ومجانية التعليم والعلاج ، ودعم السلع الأساسية ،وتركيز الأسعار، وتوفير خدمات الكهرباء والمياه والانترنت ، وتحسين صحة البيئة، وتأمين عودة النازحين لمنازلهم و لمدنهم وقراهم وحواكيرهم.
- التفكيك الكامل لنظام انقلاب 30 يونيو 1989 واستعادة أموال وممتلكات الشعب المنهوبة.
السيادة الوطنية وعدم الارتباط بالمحاور الخارجية والرفض الحازم للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، و قيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم. وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية وأهداف الثورة.
.