ماذا كان يوجد قبل الانفجار الكبير وماذا سيبقى بعد انتهاء عمر الكون المرئي


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 7925 - 2024 / 3 / 23 - 21:35
المحور: الطب , والعلوم     

د. جواد بشارة
إن السؤال عما كان موجودًا قبل الانفجار الكبير هو أحد الألغاز العظيمة في علم الكونيات والفيزياء النظرية. لا توجد لدينا حاليا إجابة محددة لهذا السؤال، لأن فهمنا الحالي للكون يبدأ مع الانفجار الكبير نفسه.
وفقا لنظرية الانفجار الكبير، فإن الكون كما نعرفه بدأ بالتوسع من حالة الكثافة ودرجة الحرارة القصوى منذ حوالي 13.8 مليار سنة. ومع ذلك، فإن فهمنا الحالي للفيزياء لا يمكن أن يصف بدقة الظروف التي كانت موجودة قبل الانفجار الكبير أو حتى ما إذا كان هذا السؤال منطقيًا في إطار نظرياتنا الحالية.
تحاول بعض النظريات التأملية، مثل نظرية الأوتار أو علم الكون الكمومي، توفير أطر نظرية لفهم ما قد يكون موجودًا قبل الانفجار الكبير. ومع ذلك، تظل هذه الأفكار تخمينية إلى حد كبير في هذا الوقت ولا تزال تتطلب الكثير من البحث والتطوير قبل أن يتم تأكيدها أو دحضها من خلال الملاحظات التجريبية.
هل من الممكن أن يكون هناك كون آخر قبل كوننا، أي قبل الانفجار الكبير؟ نعم، وفقًا لبعض النظريات الكونية التأملية، من الممكن أنه كان هناك كون آخر قبل كوننا، أو حتى أنه كانت هناك دورة أبدية من الأكوان التي تخلف بعضها البعض. هذه الأفكار هي جزء مما يسمى علم الكونيات الدوري أو نظرية الأكوان المتعددة.
في هذه النظريات، يمكن أن يكون الكون الذي نلاحظه اليوم نتيجة لحدث مثل الانكماش الكوني الذي يتبعه التوسع، أو الاصطدام بين الأغشية (الأغشية الكونية) في الفضاء متعدد الأبعاد، أو حتى آليات أخرى أكثر غرابة.
غالبًا ما تعتمد هذه الأفكار على مفاهيم متقدمة من الفيزياء النظرية مثل نظرية الأوتار أو نظرية M إم أو علم الكون الكمومي، لكنها تظل تخمينية في هذا الوقت ولم يتم تأكيدها بالأدلة التجريبية. وفي غياب الأدلة المباشرة، تظل هذه الأفكار مجالات بحث نشطة ومثيرة للجدل في علم الكونيات الحديث.
ما هي ماهية الزمان والمكان أو الزمكان؟ إن طبيعة الزمكان هي موضوع معقد ورائع في الفيزياء، خاصة في سياق النسبية العامة لألبرت أينشتاين. ووفقا لهذه النظرية، فإن المكان والزمان ليسا كيانين مستقلين، بل هما جوانب مترابطة من هيكل يسمى الزمكان رباعي الأبعاد.
يمكن تشويه الزمكان وانحناءه بوجود الكتلة والطاقة، كما وصفها أينشتاين في معادلة آينشتاين الشهيرة E=mc2، والتي تؤسس علاقة أساسية بين الطاقة (E) والكتلة (m) ومربع سرعة الضوء (c²). هذا الانحناء في الزمكان هو ما يسبب الجاذبية ويفسر حركة الأجرام السماوية، بما في ذلك الطريقة التي ينحني بها الضوء حول الأجسام الضخمة مثل النجوم والثقوب السوداء.
من حيث الكفاف، غالبًا ما يُعتبر الزمكان البنية الأساسية للكون، وهو عبارة عن سلسلة متصلة توجد فيها وتتطور جميع الجسيمات والظواهر. ومع ذلك، تشير بعض النظريات التأملية، مثل نظرية الأوتار أو الجاذبية الكمومية، إلاّ أن الزمكان قد يكون له بنية أكثر أساسية ويتكون من مكونات أكثر أولية.
في نهاية المطاف، فإن الطبيعة الدقيقة للزمكان وقوته هي أسئلة معقدة تظل في قلب أبحاث الفيزياء النظرية، وغالبًا ما يتطلب استكشافها أفكارًا مبتكرة وتقدمًا تكنولوجيًا كبيرًا.
هل الزمكان محدود أم لانهائي؟ إن مسألة ما إذا كان الزمكان محدودًا ومتناهياً أم لانهائيًا هو موضوع أثار الكثير من النقاش والأبحاث في علم الكونيات والفيزياء النظرية.
فوفقًا للنظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، يمكن أن ينحني الزمكان ويتشوه بسبب وجود الكتلة والطاقة، لكن هذه النظرية لا تحدد ما إذا كان الكون ككل محدودًا أم لانهائيًا.
أظهرت الملاحظات الكونية أن الكون القابل للرصد (أي ذلك الجزء من الكون الذي يمكننا ملاحظته من الأرض بسبب سرعة الضوء المحدودة وعمر الكون) هائل في حجمه، لكن هذا لا يخبرنا ما إذا كان الكون المرئي محدود أو لانهائي، في حين هناك اعتقاد إن الكون الكلي الأكبر لانهائي أو لامتناهي ومطلق ليس له بداية ولا نهاية.
تشير بعض النماذج الكونية إلى أن الكون المطلق لانهائي في مدياته، ويمتد إلى ما لا نهاية في جميع الاتجاهات. وتتصور نماذج أخرى كونًا محدودًا، ربما مع طوبولوجيا معقدة حيث ينحني الزمكان على نفسه بطريقة تخلق هندسة محدودة ولكن بلا حدود.
في هذه المرحلة، ليس لدينا حتى الآن أدلة تجريبية كافية لتحديد ما إذا كان الكون محدودًا أم لانهائيًا. هذا مجال بحث نشط حيث يمكن إجراء ملاحظات جديدة في سياق التقدم النظري وتقديم توضيح في المستقبل.
ما الفرق بين علم الكون الكمومي وعلم الكون النسبي؟
علم الكون الكمومي وعلم الكون النسبي هما فرعان من الفيزياء النظرية التي تتناول دراسة الكون على مستويات مختلفة وباستخدام أطر نظرية مختلفة. وفيما يلي توضيح للاختلافات بين الاثنين:
1. علم الكون النسبي:
• يعتمد علم الكون النسبي على نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، والتي تصف الجاذبية من حيث انحناء الزمكان بسبب وجود الكتلة والطاقة.
• يتناول هذا المنهج الكون على نطاق واسع وتطور هياكله الكونية مثل المجرات وعناقيد المجرات وتوسع الكون ككل.
• تساعدنا معادلات النسبية العامة على فهم تاريخ وديناميكيات الكون منذ الانفجار الكبير وحتى يومنا هذا، حيث تصف كيفية تفاعل الزمان والمكان والمادة على نطاق واسع.
2. علم الكون الكمومي:
• يهدف علم الكون الكمومي إلى دمج مبادئ ميكانيكا الكم مع مبادئ النسبية العامة لفهم العمليات الكونية على نطاقات صغيرة جدًا ، ما دون مجهرية، وفي أوقات قصيرة جدًا، مثل تلك التي حدثت في وقت الانفجار الكبير.
• في هذه المقاييس المتطرفة، تصبح التقلبات الكمومية في الزمكان والمادة مهمة، مما يتطلب وصفًا كموميًا للكون.
• يستكشف علم الكون الكمومي أفكارًا مثل طبيعة الكون في اللحظات الأولى من وجوده، وإمكانية وجود أكوان متوازية أو متعددة، بالإضافة إلى ظواهر التضخم الكوني، التي ترتبط بمقاييس طاقة عالية للغاية.
باختصار، يركز علم الكون النسبي على فهم الكون على نطاق واسع باستخدام النسبية العامة، بينما يسعى علم الكون الكمومي إلى فهم العمليات الأساسية للكون على المقاييس الكمومية وعلى مستوى الطاقة العالية، من خلال محاولة دمج ميكانيكا الكم مع النسبية العامة.، لكن المشكلة تكمن في طول وزمن وجدار بلانك،
فهل يمكننا تجاوز مقياس بلانك؟ وفقًا للفيزياء الحالية، تمثل مقاييس بلانك الحدود القصوى لفهمنا الحالي للكون. مقاييس بلانك هي وحدات قياس محددة بناءً على ثوابت أساسية مثل ثابت بلانك، وسرعة الضوء، وثابت الجاذبية. إنها تمثل مقاييس طاقة وطول عالية للغاية حيث تصبح تأثيرات الجاذبية الكمومية مهمة.
ومع ذلك، فإن مقاييس بلانك هذه ليست حدودًا مطلقة في حد ذاتها، ولكنها مؤشرات محتملة على أن نظرياتنا الحالية، مثل النسبية العامة وميكانيكا الكم، قد وصلت إلى حدود صلاحيتها. وبعيدًا عن هذه المقاييس، من المتوقع أن تتدخل نظريات جديدة، مثل نظرية الأوتار أو الجاذبية الكمومية، لوصف فيزياء الكون بطريقة أكثر اكتمالًا وتماسكًا.
حتى الآن، ليس لدينا نظرية متطورة ومقبولة بشكل كامل تصف بشكل مرضي الظواهر عند هذه المقاييس المتطرفة. ولذلك، فإن ما إذا كان بإمكاننا تجاوز مقاييس بلانك يظل سؤالًا مفتوحًا ومجالًا نشطًا للبحث في الفيزياء النظرية. تحاول بعض المقترحات النظرية، مثل الجاذبية الكمومية الحلقية أو نظرية الأوتار، توفير أطر لفهم الفيزياء عند هذه المقاييس المتطرفة، لكنها تظل تأملية ولا تزال تتطلب الكثير من البحث والتطوير.
هل هناك كون مرئي وأكوان غير مرئية؟
إن مسألة "الكون المرئي" مقابل "الأكوان غير المرئية" هي فكرة يمكن تفسيرها بطرق مختلفة اعتمادًا على السياق.
1. الكون المرئي:
• يشير الكون المرئي إلى ذلك الجزء من الكون الذي يمكن ملاحظته من موقعنا في الزمكان. يتضمن ذلك أي شيء يمكننا اكتشافه بالأدوات المتاحة، مثل الضوء والموجات الكهرومغناطيسية القادمة من النجوم والمجرات والأجسام الكونية الأخرى.
• ومع ذلك، فإن الكون المرئي ليس سوى جزء صغير من الكون بأكمله. في الواقع، الكون المرئي محدود بالمسافة التي تمكن الضوء من قطعها منذ الانفجار الكبير، مما يعني أن مناطق معينة من الكون تقع حاليًا خارج أفقنا المرئي.
2. الكون غير المرئي:
• يمكن استخدام مصطلح "الكون غير المرئي" للإشارة إلى تلك الأجزاء من الكون التي تقع حاليًا خارج أفقنا المرئي. هذه المناطق من الكون غير مرئية بمعنى أننا لا نستطيع اكتشاف الضوء المنطلق منها والمنعكس عنها أو الإشارات الأخرى القادمة من هذه المناطق البعيدة بشكل مباشر بسبب المسافة والزمن الضروري الذي يحتاجه. الضوء للسفر وقطع هذه المسافة.
• في سياقات أكثر تأملية، تطرح بعض النماذج الكونية فكرة الأكوان المتوازية أو المتعددة، والتي يمكن أن توجد في إطار كوني أكبر من كوننا المرئي. عندها لن يكون من الممكن الوصول إلى هذه الأكوان المتوازية أو غير المرئية من خلال ملاحظتنا المباشرة أو رصدنا لها، ولكن يمكن أن يكون لها آثار على بنية وتطور كوننا المرئي نفسه.
بشكل عام، يعتمد التمييز بين "الكون المرئي" و"الأكوان غير المرئية" على السياق الذي يُستخدم فيه وافتراضات محددة حول طبيعة الكون الذي نعيش فيه.
إن مسألة ما سيبقى بعد نهاية الكون المرئي هي مسألة تخمينية وتتجاوز بكثير حدود فهمنا الحالي للفيزياء وعلم الكونيات. ومع ذلك، فإن بعض السيناريوهات النظرية تتصور احتمالات مختلفة للمستقبل البعيد للكون، على الرغم من أن هذه التكهنات تخضع لقدر كبير من عدم اليقين. فيما يلي بعض وجهات النظر المحتملة:
التوسع اللانهائي: إذا استمر توسع الكون إلى أجل غير مسمى، كما تقترح بعض النماذج الكونية، فإن الكون سيستمر في التوسع، ويصبح أكثر برودة ومخففاً. في مثل هذا السيناريو، ستبتعد المجرات عن بعضها البعض بسرعات أكبر وأكبر، وفي النهاية، ستتشتت المادة إلى حد يصبح فيه أي شكل من أشكال الحياة أو المراقبة مستحيلاً. ومع ذلك، حتى ذلك الحين سيظل الكون موجودًا، ولكن في حالة مختلفة تمامًا عما نعرفه حاليًا.
التجمد الكبير: أحد الاحتمالات التي تمت مناقشتها كثيرًا هو احتمال "التجميد الكبير"، حيث سيستمر الكون في التوسع والتبريد حتى تتوقف جميع الأنشطة الديناميكية الحرارية. في هذا السيناريو، سوف تنطفئ النجوم، وتتبخر الثقوب السوداء، وسيكون أي شكل من أشكال الحياة أو العمليات الديناميكية الحرارية مستحيلاً. سيكون الكون حينها في حالة من التوازن الحراري، تُعرف باسم "الموت الحراري"، ولن يكون هناك أي نشاط يمكن ملاحظته على نطاق واسع.
ولكن هناك نظريات بديلة: تشير بعض النظريات البديلة، مثل نظرية الأوتار أو الجاذبية الكمومية الحلقية، إلى احتمالات مختلفة لتطور الكون على المدى الطويل جدًا. يمكن لهذه النظريات أن تسمح بسيناريوهات تظهر فيها أنواع جديدة من الهياكل أو تظهر مراحل جديدة من الكون، مما يوفر نظرة ثاقبة لما قد يوجد بعد نهاية الكون المرئي.
وأخيراً من المهم أن نلاحظ أن وجهات النظر هذه كلها مبنية على تكهنات نظرية وليس لدينا حتى الآن أدلة تجريبية أو رصدية لتأكيد أو دحض هذه السيناريوهات. ولذلك فإن فهم التطور النهائي للكون يظل أحد التحديات الكبرى لعلم الكون النظري.