اتفاق 14 يناير 2023: قنبلةٌ ناسفةٌ للعمل النقابي
المناضل-ة
الحوار المتمدن
-
العدد: 7502 - 2023 / 1 / 25 - 10:10
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
أقدمت، يوم 14 يناير 2023، أربعُ نقابات من “الأكثر تمثيلية”، ما عدا الجامعة الوطنية للتعليم-توجه ديمقراطي، على توقيع اتفاق مع وزارة التعليم تضمن تفاهما لتسوية بعض مشاكل فئات من مستخدمي القطاع بترضية مطالب مادية يتم تضمينها في نظام أساسي جديد سيحكم علاقة الشغل بين شغيلة القطاع والدولة. ويندرج هذا النظام الأساسي الجديد ضمن إعادة الهيكلة الشاملة والعميقة التي عقدت الدولة العزم عليها فيما سمته بإيحاء من مموليها/دائنيها في المؤسسات المالية الدولية “خارطة الطريق لإصلاح التعليم”، التي تروم بالإضافة إلى تشديد استغلال أجرائها، ضبط المدرسة وبنياتها وخريجيها على ساعة البرنامج النيوليبرالي العام المسمى نموذجا تنمويا جديدا. أي أن النظام الأساسي الموعود هدفه الأساس تدبير “المورد البشري” بما يلائم المنطق النيوليبرالي الرامي إلى تشديد استغلال الاجراء والاجيرات وإخضاعهم/هن. وهو المنطق الذي تروم الدولة تعميمه في كافة المجالات. سيكون لتطبيق هذا النظام الأساسي أثر مدمر على شغيلة التعليم وظروف حياتهم. وسيكون لهذا الاتفاق، بالكيفية التي مُرر بها في غيبة تامة للمعنيين (لم يكن موضوع أي نقاش في قواعد النقابات)، ولعواقب تطبيقه السلبية، مفعول مدمر للتنظيم النقابي بمزيد من فقدان الثقة في القيادات، وحتى في جدوى التنظيم.
ومما يرجح هذا انعدام معارضة منظمة داخل النقابات الموقعة ترفع راية بديلة لخط القيادات الرسمي وتصون الاقتناعات النضالية وإقدام الاجراء على الفعل الجماعي. وإذا انضاف إلى وقع هذا الاتفاق تنفيذُ ما نص عليه اتفاق 30 أبريل 2022 بين الاتحادات النقابية وأرباب العمل ودولتهم، من إعدام عملي لحق الإضراب وإجهاز على حقوق التقاعد، ونيل من الحق النقابي، سنكون إزاء تدمير فعلي لكل ثقة في العمل النقابي، أي النفور العام من التنظيم النقابي والبحث عن بدائل فئوية زائفة، من قبيل تنسيقيات فئوية مركزة على مطلب جزئي بعينه. وسيكون مفعول هذا التدمير بالغ الضرر على مجمل الحركة النقابية بالنظر إلى مكانة قطاع التعليم ووزنه فيها، لاسيما أن الهجوم على النقابة في القطاع الخاص يكاد يُحيل هذا الأخير إلى صحراء نقابية. وسيسهل طبعا، بحكم المنطق الذي يحكم تسيير المنظمات النقابية (انعدام خطة نضال اجمالية وإصرار على تفادي العمل الوحدوي)، تعميم نفس منطق النظام الأساسي في التعليم في سائر قطاعات أجراء الدولة.
سنكون، والحالة هذه، إزاء تحول نوعي يفتح الحركة النقابية على آفاق مظلمة لم يسبقها نظير. فكل الهزائم التي مُنيت بها الحركة النقابية (ميثاق التعليم، ما يسمى إصلاح التقاعد، تعميم هشاشة التشغيل بمدونة الشغل، …) لم تُولِّد سوى حالة استياء عاجز مكنت القيادات من التوغل في سياسة “الشراكة الاجتماعية” مع الرأسمال ودولته.
يكمن خلف هذا ضعف سياسي لمجمل الحركة النقابية، أي بالدرجة الأولى طلائعها اليسارية، حيث انحطت الممارسة، غير المسترشدة بمنظور عمالي متماسك للمهام في المنظمات النقابية، الى السير في ذيل البيروقراطية النقابية كأداة تنفيذ لخطها مقابل مواقع في الجهاز، وقد كان إجهاض المحاولة الواعدة التي مثلها التوجه النقابي الديمقراطي أبلغ مثال عن حال معظم اليسار الجذري ذاته داخل النقابات.
هذا وستترتب عن إضعاف الحركة النقابية باتفاقي 30 أبريل 2022 و14 يناير 2023 مضاعفات أعمق على مستقبل النضال العمالي والشعبي، فعواقبهما المدمرة للتنظيم النقابي ستؤول به إلى حالة من الضعف والهزال، و كذا التورط في التواطؤ مع الرأسمال ودولته في تنفيذ سياسات لاشعبية، تجعله فاقدا للاعتبار في أنظار مقهوري البلد. وهذا ما يوسع الطريق للتيارات الدينية الرجعية وبدائلها التي لا تقل همجية من سياسة النظام القائم.
لقد عانت حركة العمال النقابية عقودا من الزمان من استعمالها أداة من قبل ما يسمى “القوى الديمقراطية” في سعيها للضغط المحسوب على النظام، ومن متاجرة بيروقراطيات أخرى بنضالاتها لقاء امتيازات وفرص اغتناء زكمت فضائحها الأنوف. وها هي اليوم تسير إلى مزيد من التردي سيفضي بها إلى مسخ بين يدي الدولة ليس إلا، ما لم ينهض كافة المناضلين/ات بمختلف التنظيمات النقابية للتصدي لهذا المنحى المدمر، وإعادة النقابات إلى سكة النضال الوفي لمصالح الشغيلة الآنية وحتى التاريخية.
لم تكف جريدة المناضل-ة وانصارها بالساحة النقابية من التحذير من سياسات الدولة المدمرة ومن سياسة القيادات النقابية الخاضعة، وتحمل عدد من أولئك الأنصار ضريبة الطرد من النقابة دون أن يثنيهم ذلك عن مواصلة رفع راية النضال الديمقراطي الكفاحي، نضال التسيير الجماعي للنضالات ولأداوته وفق منطق طبقي صارم.
ليس اتفاق 14 يناير 2023 بقطاع التعليم غير تعميق للمنحى الاستسلامي لاتفاق 30 ابريل 2022 [+] في أحد قطاعات الحركة النقابية الأكثر أهمية، ما يضع الجميع بالساحة النقابية أمام مسؤولية تاريخية.
تردي الوضع النقابي يجري بسرعة مخيفة، ولا سبيل لوقفه إلا بعمل نقابي مكافح ، هذا العمل لن يقوم به من تلوثت منطلقاته بإرث مديد من ممارسات التعاون الطبقي والتعويل على “الحوار الاجتماعي”، بل هو مهمة البؤر النقابية الصامدة المتشبثة بعلة وجود النقابات، مضافا لهم الملتحقون/ات بالنضال النقابي وبالتنسيقيات المناضلة المؤمنون/ات بضرورة إنضاج شروط عكس السيرورة التراجعية الحالية، بالنقاش الهادئ والديمقراطي داخل النقابات العمالية وخارجها، ووضع خطة نضال تعيد للعمل النقابي مبرر وجوده: الدفاع المستميت على حقوق الشغيلة التعليمية ومكاسبها والعمل على توسيعها ومد الجسور نحو كل الحركة النقابية والعمالية لبناء الجسر الذي يوصل الأجراء للتحرر من أغلال العمل المأجور.