القرآن محاولة لقراءة مغايرة 110


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7394 - 2022 / 10 / 7 - 14:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

وَلَقَد نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدرٍ وَّأَنتُم أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ (123)
وكما هو معروف إن المسلمين خسروا المعركة في أحد رغم كثرتهم، بينما كانوا قد ربحوا معركتهم الأولى في بدر رغم قلتهم آنذاك، لأنهم كانوا قد شنوا المعركة على نحو المباغتة والمفاجأة لقافلة تجارية خرجت من قريش.
إِذ تَقولُ لِلمُؤمِنينَ أَلَن يَّكفِيَكُم أَن يُّمِدَّكُم رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُنزَلينَ (124) بَلى إِن تَصبِروا وَتَتَّقوا وَيَأتوكُم مِّن فَورِهِم هاذا يُمدِدكُم رَبُّكُم بِخَمسَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمينَ (125)
هنا يدخل العامل الغيبي في المعركة، وهذا يشبه معارك موسى ومن بعده من أنبياء وملوك بني إسرائيل، عندما كان ينزل الله ليقاتل معهم، بينما تواضع الإسلام عما ادعى العهد القديم فاستنزل ملائكة الله، بدلا من أن يستنزل الله نفسه. هنا تنزل آلاف من الملائكة، تارة ثلاثة آلاف، وأخرى خمسة آلاف، ويوصف الملائكة المقاتلون تارة بأنهم منزلين، أي إن الله أنزلهم لينصروا المسلمين، وتارة أنهم مُسَوِّمين أو ربما حسب قراءة أخرى مُسَوَّمين، ذلك أنهم كانوا قد سوموا أنفسهم أو سومهم الله أي علّموا أنفسهم أو علّمهم الله بسمات أو علامات
وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلّا بُشرى لَكُم وَلِتَطمَئِنَّ قُلوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصرُ إِلّا مِن عِندِ اللهِ العَزيزِ الحَكيمِ (126)
يا ترى هل كان الوعد بإنزال آلاف الملائكة المسوّمين مجرد لطمأنة قلوب المسلمين الذين أصابهم الهلع والخوف من خسران المعركة، كي تمدهم الآية بقوة معنوية من خلال تصديقهم أنهم لا يقاتلون لوحدهم، بل يقاتل معهم مقاتلو السماء الذين أنزلهم الله خصيصا لنصرتهم؟ فالآية تقول «وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلّا بُشرى لَكُم وَلِتَطمَئِنَّ قُلوبُكُم بِهِ»، مما يعني ربما أن نزول الملائكة لم يكن حقيقيا، بل كان فقط لتقوية قلوب ومعنويات المسلمين ومنحهم الثقة بالنصر، بمعنى أن الله خدعهم. والنصر الذي يحققه المسلمون، إذا ما حققوه، فهو بالنتيجة ليس منهم، بل من الله، إذ «وَمَا النَّصرُ إِلّا مِن عِندِ اللهِ العَزيزِ الحَكيمِ»، وهذا المعنى يتكرر في مكان آخر بقول «فَلَم تَقتُلوهُم وَلاكِنَّ اللهَ قَتَلَهُم، وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلاكِنَّ اللهَ رَمى». غريب هذا الإله، يزجّ عباده في حروب مقدسة ليَقتُلوا ويُقتَلوا من أجل قضيته ولنصرة دينه وفي سبيله، فإذا انتصروا فلا فضل لهم في ذلك، بل هو المتفضل عليهم، وإذا خسروا فهم المُقصِّرون والمُلامون.
لِيَقطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذينَ كَفَروا أَو يَكبِتَهُم فَيَنقَلِبوا خائِبينَ (127)
أي من أجل أن يهلك فريقا من الذين لم يؤمنوا بالإسلام أو يخزيهم بنصره المسلمين عليهم، فيرجعوا بخيبة أمل، مما خططوا له.
لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ (128)
أي إن النبي ومن معه من المسلمين لا شيء بأيديهم، بل كل شيء بيد الله وحده، أما الذين لم يقتنعوا بالإسلام ولذا لم يؤمنوا به فيعنتقوه، فالأمر أيضا لله، إما أن يتوب عليهم، وإما أن يعذبهم. ولكن حسب المفسرين، بل حسب سياقات القرآن وموقفه من الذين كفروا، أي الذين لم يؤمنوا بالإسلام، إن التوبة إنما تعني أن يهدي الله بعضا منهم، فيتوب عليهم بعد إسلامهم، لأن الإسلام كما هو معروف في حديث نبوي يَجُبُّ أي يمحو ما قبله، وإلا فمن بقي على غير الإسلام، فهم المعنيون بقول الآية «أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ».
وَللهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ يَغفِرُ لِمَن يَّشاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَّشاءُ وَاللهُ غَفورٌ رَّحيمٌ (129)
وهذه الآية تعلل كون الله حسب القرآن هو وحده الذي يتخذ قرار المغفرة لمن يشاء، وتعذيب من يشاء. طبعا يرد على الاعتراض على هذا القول وعلى قول «يُضِلُّ مَن يَّشاءُ وَيَهدي مَن يَّشاءُ»، بأن ذلك لا يجري جزافا، فالله يتعالى عن أن يتصرف بمزاجه، بل يكون ذلك وفق معايير العدل الإلهي ذلك «إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّةٍ»، ولكننا وجدنا في القرآن الكثير مما ينقض هذه القاعدة الفلسفية التي تعد عند الإلهيين العقليين من ضرورات العقل.
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَأكُلُوا الرِّبا أَضعافًا مُّضاعَفَةً وَّاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ (130) وَاتَّقُوا النّارَ الَّتي أُعِدَّت لِلكافِرينَ (131)
وفي هذه الآية يجري الانتقال إلى موضوع جديد، ألا هو النهي عن الربا. والربا هو أيضا من محرمات الأديان السابقة كاليهودية، وهذا التحريم له بعد إنساني متعلق بالعدالة الاجتماعية، ونهي الأغنياء عن استغلال حاجة الفقراء، حيث كما تدل الآية من خلال عبارة «لا تَأكُلُوا الرِّبا أَضعافًا مُّضاعَفَةً»، أن الفوائد التي كان يفرضها الأغنياء على الذين يقترضون منهم قرضا، كانت مجحفة ومبالغا بها كثيرا. ولكن فقهاء المسلمين من كل المذاهب، حسب الآراء الفقهية المشهورة، لم يميزوا بين تلك المعاملة الربوية المجحفة والمرهقة وغير العادلة، المعبر عنها بأكل الربا أضعافا مضاعفة، وبين المعاملات المصرفية المعاصرة، فاعتبروا الفوائد المصرفية سواء التي تحسب على زبون المصرف المقترض من البنك، أو تلك التي تمنح للزبون من البنك عندما يودع مبالغ في حساب التوفير، أو يودع مبالغ بالإيداع الثابت لمدة متفق عليها حسب عقد مصرفي؛ كل ذلك يعتبرونه من الربا، بينما هي معاملات لا تقوم على أساس الاستغلال والإجحاف، بل وفق حسابات السوق، وتشغيل الأموال، وتغير القوة الشرائية للمال المُقرَض أو المُقتَرَض. على أي حال كان تحريم الربا من الأحكام العادلة التي فرضها الإسلام، وتوعد المخالفين لها بـ«النّار»، وكي لا يتصورا أنها نار أخف تعذيبا وإيلاما من النار «الَّتي أُعِدَّت لِلكافِرينَ»، باعتبار أن الإسلام يشفع لهم، جاءت الآية لتؤكد أنها نفس النار ونفس العذاب. مع إن هناك ما استوحى منه المفسرون وعلماء الكلام أو اللاهوتيون ما فهموا منه أن المسلم لا يؤبد مكوثه في النار، فالخلود الأبدي للكافر أي لغير المسلم فقط. ولكن قد يكون هناك مكوث عُبِّر عنه بالخلود دون قرنه بالأبدية، بمعنى المكوث الطويل جدا، والذي لا يعرف أحد مداه وأمده، كما هناك المكوث لأحقاب كما في سورة النبأ، دون معرفة مدة الحقبة الواحدة، أمئة سنة هي، أم ألف سنة، أم مليون سنة، وبدون معرفة عدد الحقبات، أعشرات أم مئات أم آلاف أم ملايين، فالإبهام سمة القرآن في العديد من الحالات.