القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٦


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7524 - 2023 / 2 / 16 - 04:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٥٦
إِنّا أَوحَينا إِلَيكَ كَما أَوحَينا إِلى نوحٍ وَّالنَّبِيّينَ مِن مبَعدِهِ وَأَوحَينا إِلى إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطِ وَعيسى وَأَيّوبَ وَيونُسَ وَهارونَ وَسُلَيمانَ وَآتَينا داوودَ زَبورًا (١٦٣)
الله هنا هو المتكلم، وذلك بضمير الجمع، بلا مبرر معقول، ومحمد هو المخاطَب بكلام الله المفترض، ولا غرابة في أن القرآن يشهد لمحمد بصدق أن ما يتلوه هو من وحي الله، لكن الغرابة في أنه يخبرنا عما أوحى الله به إلى بقية رسله المفترضين، ويذكر أمثلة منهم، هم نوحٍ وَإِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطِ الاثني عشر وَعيسى وَأَيّوبَ وَيونُسَ وَهارونَ وَسُلَيمانَ وَداوودَ. أما كان يجدر بالله الذي هو على كل شيء قدير، أن يحفظ لنا ما أوحاه إلى هؤلاء، كي يؤيد السابق اللاحق واللاحق السابق، فيكون ذلك حجة على الأكثرية الساحقة الكافرة من البشرية على طول التاريخ؟
وَرُسُلًا قَد قَصَصناهُم عَلَيكَ مِن قَبلُ وَرُسُلًا لَّم نَقصُصهُم عَلَيكَ وَكَلَّمَ اللهُ موسى تَكليمًا (١٦٤)
هنا تدارك ذكي، فمؤلف القرآن يبدو احتمل أن يأتي من يُشْكِلُ عليه أنه نسي رسولا أو أكثر من الرسل، فهنا سيقول، نعم ولذا فإن الله أخبرني بأن هناك رسلا لم يقصصهم عليّ. أما كون موسى قد خصه الله بجعله الوحيد من رسله كليمه، يكلمه الله، ويتكلم هو إلى الله، ولم يخبرنا القرآن ولا العهد القديم عن كيفية تبادل الكلام بين الله وموسى. ولذا لا يلام من لا يصدق ذلك.
رُّسُلًا مُّبَشِّرين وَّمُنذِرينَ لِئَلّا يَكونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزيزًا حَكيمًا (١٦٥)
ثم تأتي هذه الآية لتبين العبرة من إرسال الله لرسله إلى الناس. أهمُّ مهمتين بعد وجوب عبادة الناس لله، ولله وحده دون غيره، هما التبشير والإنذار، ولا نعلم لماذا جاءت الواحدة على وزن (تفعيل) والأخرى على وزن (إفعال)، بينما كان يمكن الإتيان بهما على أحد الوزنين، أو تارة على هذا، وأخرى على ذاك، كما استعمل الإنزال تارة والتنزيل تارة أخرى، بحيث يكون الكلام عن التبشير والتنذير، وبالتالي عن المُبَشِّرينَ وَالمُنَذِّرينَ، أو عن الإبشار والإنذار، وبالتالي عن المُبْشِرينَ والمُنْذرِينَ. وإلا فلا معنى لأن يقال إن التبشير يجري بدَفَعاتٍ عِدّة، بينما يأتي الإنذار دفعة واحدة. أم هو اجتهاد جبريل الذي اجتهد فأخطأ، فكانت له حسنة واحدة؟
لـاـكِنِ اللهُ يَشهَدُ بِما أَنزَلَ إِلَيكَ أَنزَلَهُ بِعِلمِهِ وَالمَلائِكَةُ يَشهَدونَ وَّكَفى بِاللهِ شَهيدًا (١٦٦)
هنا تقام علينا البشر الحجة الدامغة، بشهادة الله، وشهادة ملائكته. لكننا لم نشهد لا شهادة الله، ولا شهادة ملائكته، ومن غير المعقول إن الله يلزمنا بشهادته وشهادة ملائكته، اللتين لم نشهدهما. أما إذا كانت هاتان الشهادتان سيدلى بها يوم القيامة، فسيكون قد فات الأوان، كمن يدان بجريمة يستحق عليها عقوبة الإعدام، ثم يؤتى بشهود على براءته بعد تنفيذ حكم الإعدام عليه. فما ستنفع الشهادة، عندما يكون قد حكم على غير المقتنعين بالدين في الحياة الدنيا بولوج جهنم خالدين فيها أبدا لا يخفف عنهم العذاب؟
إِنَّ الَّذينَ كَفَروا وَصَدّوا عَن سَبيلِ اللهِ قَد ضَلّوا ضَلالًا بَعيدًا (١٦٧) إِنَّ الَّذينَ كَفَروا وَظَلَموا لَم يَكُنِ اللهُ لِيَغفِرَ لَهُم وَلا لِيَهدِيَهُم طَريقًا (١٦٨) إِلّا طَريقَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أَبَدًا وَّكانَ ذالِكَ عَلَى اللهِ يَسيرًا (١٦٩)
الذين كفروا هم الذين لم يؤمنوا بالإسلام، حتى لو آمنوا بالله ووحدوه وعبدوه على دين غير الإسلام، كما ثبت من خلال مسح تام لكل الآيات التي ورد فيها المصطلحان القرآنيان «الَّذينَ آمَنوا» و«الَّذينَ كَفَروا»، أما الصد عن سبيل الله الذي يعنيه القرآن، فهو الصد عن الإسلام، سواء بالعنف المدان، أو بالنقد الفكري ومواجهة الحجة بالحجة، مما يجب أن يكون مسموحا به عند العقلاء، وبالتالي عند الله سيد العقلاء، وبما يوجبه عدله المطلق. فهؤلاء قد ضلوا ضلالا بعيدا عن جادة الحق والصراط المستقيم، وبالتالي فهم مستحقون للعقاب الأخروي. حتى لو افترضنا أن الإسلام يمثل الحق، ولم يكن عدم إيمانهم به إلا بسبب عدم قدرتهم على الاقتناع به، لقصور منهم، أو لأي سبب يكونون معذورين بسببه عند الله، فهم لا يستحقون العقاب، خلاف ما يقررر القرآن. لكن الآية التالية والتي تليها، تتكلمان عن عدم الإيمان المقترن بالظلم، وإن الظلم فعلا لقبيح ويستحق مزاوله العقاب. لكن هنا تسجل ثلاثة إشكالات، الأول إن من الممارسين للظلم من هم بعلم الله مجبرون غير مخيَّرين، ولذا فيستحيل على عدل الله أن ينزل عليهم عقوبته، لكن عدله يوجب تعويض ضحايا الظلم والإجرام أجزل التعويض. والثاني إن القرآن قد نعت في العديد من آياته الذين لم يؤمنوا، أي الكافرين حسب ما اصطلح عليهم؛ نعتهم بالظالمين أو المجرمين أو المفسدين، لمجرد أنهم لم يؤمنوا. والثالث، حتى مع التسليم بوجوب معاقبة البعض المستحق للعقاب الأخروي من الله، فيستحيل أن يكون بالصور التي صورها القرآن، ولا بالخلود الأبدي. ثم من الغريب إن الآية تقرر في الختام إن إدخال الله المستحقين للعقاب، أي كما تعبر الآية هدايته إياهم إلى جهنم، هو أمر ميسور ومقدور عليه. فقدرته المطلقة بديهية، لكن عدله يأبى حشر الناس، بما يكاد يشملهم أجمعين، باستثناء قلة ضئية في نار جهنم خالدين فيها أبدا.
يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَكُمُ الرَّسولُ بِالحَقِّ مِن رَّبِّكُم فَآمِنوا خَيرًا لَّكُم وَإِن تَكفُروا فَإِنَّ للهِ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَكانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا (١٧٠)
وتأتي هذه الآية لتخاطب الناس كلهم، وتأمرهم بالإيمان برسول الإسلام، وكأن الإيمان يجري بالأمر أو الطلب، وليس هو قضية اقتناع أو عدم اقتناع. ماذا لو جاء معلم أو معلمة ليطلبا من تلاميذ وتلميذات الصف الأول الابتدائي أن يؤمنوا بنظرية آينشتاين، وإلا فالويل كل الويل لمن لا يستوعب نظرية آينشتاين من هذه الصغيرات وهؤلاء الصغار. وهذه الآية لو أخذت بمعزل عن بقية آيات القرآن، تعد متسامحة جدا، فكم كان جميلا، لو كان القرآن قد سار من «الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ» من السورة الأولى، ولغاية «مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ» من السورة الرابعة عشر بعد المئة، على هذا المنوال، فهي تعتبر الإيمان أفضل لمن يؤمن من الناس، ثم في حالة عدم الاقتناع وعدم الإيمان، تكتفي بقول أن «للهِ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ»، دون الوعيد والتهديد بالخلود في النار، كما عودنا القرآن.