البحرين التي كانت

لو خير البحريني اليوم بين أن يحصل على أرض سكنية أو الحفاظ على المناطق الخضراء وتنميتها أو توسعة رقعة مناطق الآثار وتسويرها والحفاظ عليها في موقعها الأصلي، لختار الأول بلا شك ودون تردد. ولا يلام في ذلك.
وضع المواطن في هذه الخيارات القاصرة لن تؤدي على المدى البعيد لنتائج يحمد عقاباها، حالياً تحولت البلد إلى رقعة كبيرة من الاسمنت والاسفلت والمساحات الخضراء والواجهات المائية لم تعد في غالبيتها متاحاً عاماً. المزارع الخضراء على جانبي شارع البديع الشهيرة وغيرها من المساحات الخضراء هنا وهناك لم تنل الدعم الملائم من الجهات الرسمية في الدولة، دون الالتفات إلى ما تم في السنوات الأخيرة من تخصيص سوق للمزارعين لبيع منتجاتهم، هذه مبادرات شكلية ولا تساعد المزارع البحريني في تفاصيل يومه.
مؤخراً، بعد تعديل تصنيف الأراضي في البلد وتقليص نسبة الرقعة الخضراء في بعض المناطق تحولت المزارع المهجورة إلى مغارة علي بابا تدر الملايين على صاحبها، بالطبع لن يمانع المزارع في بيع الأرض الميته أصلا زراعياً، ولا يمكن ان نقنع المزارع برفض هذه الأموال لأنه لن يتمكن من انعاش زراعته فليس من جهة توفر الدعم المادي والمعنوي للمزارع، وان حصل على الدعم لن توفر له الزراعة ربع ما سيحققه من البيع.
إذا، أصبحت البلد بدون جوانب جمالية خضراء ولا مزارع، وقد ابتعد عن ناظرنا البحر منذ مدة حتى نسينا رائحته. يبقى المناطق الأثرية في البلد، تخرج بين فترة وأخرى دعوات غريبة تقول بطمر هذه المناطق الأثرية والبناء فوقها طبعاً يتم الترويج لهذه الدعوات لتوفير مناطق ومدن سكنية للمواطن وتقليص قائمة الانتظار الاسكاني ذات الازدياد المطرد.
إنها ليست غلطة المواطن بأن يفكر في نفسه أولاً دون الالتفات إلى ما يضحي به في المقابل فلا خيار له، الخطأ كل الخطأ على من وضع المواطن يختار بين عائلته وبين بحره وخضرته وآثاره، هناك من الحلول الكثير والمساحات غير المعمرة في البلد كبيرة ومعلومة.
البحرين التي كانت شواطئ ورائحة الماء والتراب ولون الأخضر، تحولت إلى جمود وعلب طولية لامعة باردة، ليس فيها دفء المكان.