هل من ملامح أساسية تميز الوضع السياسي والاجتماعي الراهن في العراق ؟


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6991 - 2021 / 8 / 17 - 10:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

طبيعة النظام السياسي الحاكم في العراق
منذ 18 عاماً يواجه العراق أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية متفاقمة ومتشابكة ، أزمات ناتجة عن مجموعة من العوامل الأساسية المتداخلة والمتفاعلة فيما بينها والمعطلة لعملية التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والمعرقلة لأي تغيير منشود، يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
1) عواقب السياسات والحروب السابقة والاحتلال: السياسة التي مارستها قوى الاحتلال في فرض نظام سياسي واقتصادي واجتماعي أسس لقاعدة نشوء صراعات ونزاعات مستمرة ومتفاقمة بين مكونات بنية المجتمع العراقي القومية والدينية والمذهبية والفكرية بشكل خاص ؛
2) إقامة نظام سياسي طائفي محاصصي : عمل الاحتلال ، ومعه إيران وقوى محلية ، على إقامة نظام سياسي يعتمد الهويات الفرعية المتباينة على حساب هوية المواطنة الحرة والمشتركة والمتساوية ، هوية طائفية وأثنية متشابكة ومثيرة للصراعات والنزاعات داخلياً وإقليمياً ، والذي يجد تعبيره في توزيع سلطات الدولة الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضاء) ومؤسساتها وهيئاتها على أسس المحاصصة الطائفية والأثنية التي أفقدت المواطن المستقل والمواطنة ، وهم يشكلون أكثر من 99% من السكان حقوقهم المشروعة المنصوص عليها دستورياً ؛
3) الدولة العميقة : منذ إسقاط الدكتاتورية بدأت قوى الإسلام السياسي مع إيران وبدعم من حزب الله في لبنان ، على إقامة بنية تحتية واسعة جداً لدولة عميقة متعددة الجوانب والأغراض ، موازية للدولة الرسمية ومؤسساتها ومتشابكة معها وتابعة للدولة الإيرانية ، منها بشكل خاص : استخدام فعال (للحسينيات ومواكب العزاءات ومنظمات مجتمع مدني مشبوهة ومريبة ، وزيادة عدد أعياد ميلاد ووفيات "أهل بيت علي بن أب طالب" وشيوخ دين شيعة واعتبارها عطل رسمية ، وتشكيل ميليشيات طائفية إرهابية مسلحة ، أصبحوا فيما بعد أعضاء أساسيين في الحشد الشعبي ، مكاتب اقتصادية فاسدة وابتزازية ومستنزفة لموارد البلاد المالية ، فرق للاختطاف والتعذيب والقتل ، وأخرى للتهديد والاغتيالات ، أجهزة خاصة للدعاية وترويج الإشاعات والإساءة للسمعة عبر قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعة ، نشر قوى خاصة من فيلق القدس والحرس الثوري كجواسيس في مختلف مناطق العراق وفي وزارة الداخلية والدفاع ، وأغلبهم عراقي الجنسية أو مزدوج الجنسية عراقية-إيرانية).
4) اقتصاد ريعي وتخلف اقتصادي وحرمان العراق من التنمية : كما استهدفت قوى الاحتلال الخارجي (الأمريكي – البريطاني ، والقوى التي تسلمت سلطات الدولة الثلاث ، لاسيما البيت الشيعي وتحالفه التبعي لإيران ودورها المتقدم في العراق ، تكريس الاقتصاد الريعي النفطي ومنع أي تنمية اقتصادية واجتماعية ديمقراطية في البلاد ، مما أمن لهذه القوى : الهيمنة الكاملة على موارد البلاد المالية النفطية والنفط الخام ذاته ، والتحكم بموارد البلاد المالية ، ومنع عملية التنمية الاقتصادية والاعتماد الكامل تقريباً على الاستيراد من دول الجوار بشكل خاص.
5) إهمال كامل للبنية التحتية لاسيما الطاقة الكهربائية والماء والتعليم والصحة والسكن والنقل والمواصلات والاتصالات والاعتماد على إيران وتركيا في توفير جزء أساسي من احتياجات العراق للخدمات .
6) الفساد كنظام سائد في العراق : ترويج الفساد وعمليات الإفساد وتحويله إلى نظام قائم بذاته ومقبول ومعمول به في سلطات الدولة الثلاث وأجهزتها ومؤسساتها وهيئاتها المستقلة وبالمستويات كافة . الفضائيون والمشاريع الوهمية ومزاد العملة والرواتب والامتيازات والحمايات والرشوات في دوائر الدولة وعقود المقاولات والاستيراد ونهب النفط الخام هي بعض أوجه هذا الفساد البارزة ؛
7) التحكم المالي والاستبدادي بحياة نسبة عالية جداً من موظفي الدولة الذين يعتمدون على الدولة في رواتبهم ومعيشتهم ، ومن خلالهم التأثير الفعلي على نسبة عالية من السكان الذي يرتبطون بهم عبر حركة السوق الداخلية ؛
8) كما أسس هذا النظام الجديد الأرضية التي تنشأ عنها وتتجدد صراعات ونزاعات شديدة فعلية ، كما يلاحظ الآن ، على الساحة السياسية والاقتصادية العراقية بين دول المنطقة في محاولة كل منها جعل العراق جزءاً من مصالحها الحيوية وتحالفاتها الإقليمية والدولية ، وبشكل ملموس بين إيران وتركية ، بين إيران والسعود ودول خليجية ، وبين إيران والولايات المتحدة الأمريكية .
9) القبول بنظام المحاصصة واعتماد المساومات غير المبدئية وغير المشروعة بين الأحزاب والقوى الكردية من جهة ، والأحزاب والقوى الشيعية على نحو خاص من جهة أخرى ، على مستوى الحكم والسياسة المجتمعية ، قد أمكن تحقيق مكاسب مؤقتة للكرد ، لكن سرعان ما تحولت إلى صراعات مريرة وإيذاء مستمر بين الطرفين وعلى مستوى الحكم ، لا للشعب الكردي فحسب ، بل ولبقية سكان العراق .
العواقب الناجمة عن هذا الواقع المزري
لقد أدى كل ذلك إلى عواقب وخيمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافة والبيئية ، نشير إلى أبرزها فيما يلي :
** نشوء أحزاب وتكتلات وتحالفات سياسية مشوهة قائمة على أساس ديني وطائفي وأثني ضيق وبعيد كل البعد عن مفهوم المجتمع المدني الديمقراطي العلماني الذي حدده الدستور عام 2005 رغم كل نواقصه ومثالبه ، قوى متصارعة جداً قادت إلى القتل على الهوية واشعال الحرائق في الدور والكنائس ودور عبادة أخرى ، ومصادرة دور الناس وعقارات الدولة وتهجير قسري حتى وصل الأمر باجتياح الموصل ومحافظة نينوى .
** غياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية أدى إلى تفاقم التضخم في أجهزة الدولة عبر التوظيف الزائد ونشوء بطالة مقنعة هائلة ، إضافة إلى تعاظم حجم البطالة المكشوفة وعجز القطاع الخاص عن استخدام العاطلين عن العمل .
** سرقة ما يزيد عن 60% من إيرادات النفط العراقي من جهة ، وإساءة استخدام والتفريط المفجع بما تبقى من موارد النفط المالية من جهة أخرى ، بتسجيل مشاريع وهمية أو متلكئة كما في مشاريع الطاقة والماء والصحة والتعليم والسكن والنقل والمقاولات وإقامة المشاريع ، إضافة إلى النهب المكشوف في مزاد العملة الصعبة للبنك المركزي العراقي والتجارة الخارجية ، لاسيما استيراد السلاح والسلع الأخرى ، دع عنك الرواتب والامتيازات الضخمة المفسدة التي لا تجد مثيلاً لها في العالم كله ، مع منح مخصصات ورواتب حمايات وعربات ... الخ .
** تفاقم مستوى الفقر وعدد الفقراء في البلاد وزيادة نسبتهم إلى مجموع السكان ، حيث تقدر اليوم بما يقرب من 60% من السكان رغم ادعاء الحكومة بغير ذلك. مع زيادة كبيرة في عدد أصحاب المليارات والملايين من الدولارات الأمريكية في البلاد ، مما عمق التفاوت الاجتماعي وبلور التناقض الاجتماعي والصراعات الطبقية الملموسة .
** وبسبب إهمال الدولة للخدمات الاجتماعية بدأت الفئات الاجتماعية الواسعة ، لاسيما في المناطق الشعبية والعشوائية ، تعاني من نقص هائل في الطاقة الكهربائية ، سواء أكان في عز الصيف أم في برد الشتاء القارس ، أو نقص الماء الصالح للشرب ، أم في انتشار الأمراض والأوبئة والرثاثة والقمامة في كل مكان من العراق وتلوث المياه وتدهور الشوارع والطرق والأزقة والمدارس وتخلف التربية والتعليم والصحة وعموم البنية التحتية .
** لقد وافقت القوى والأحزاب السياسية الكردية على المساومة مع القوى والأحزاب الشيعية حتى قبل إسقاط الدكتاتورية في حرب عام 2003 ، وخلال فترة المعارضة وابتداءً من مؤتمر بيروت عام 1991 ، وعلى إقامة نظام سياسي طائفي واثني في العراق تحت عنوان "المظلومية الكردية والمظلومية الشيعية" ، التي نفذت بالاتفاق مع الولايات المتحدة التي كانت تقود قوى المعارضة العراقية بغالبيتها وعبر لقاءات واشنطن ومؤتمرات فيينا وصلاح الدين ولندن ، وبموافقة إيران على الحرب فيما بعد ، وعلى ما جرى بعد ذلك من تشكيل مجلس الحكم الانتقالي على أسس أثنية ودينية وطائفية متناقضة مع الديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان . ومن المؤسف حقاً موافقة جميع القوى السياسية العراقية ، وبعضها على مضض ، قد وافقت على هذه التشكيلة وأيدت أسس توزيع الحكم الطائفي في العراق ، ومن رفض ذلك كان في المعارضة المسلحة التي اختلطت مع قوى البعث التي تسببت في كل ما حصل للعراق حتى الآن. لم يستمر هذا التحالف الكردي الشيعي طويلاً ، لأن القوى الشيعية أصلاً كانت وما تزال ضد الحكم الفيدرالي لكردستان العراق أولاً ، ولأنها قوى شوفينية ، إضافة إلى تعصبها المذهبي ضد السنة ، وبالأساس تقودها مصالحها الذاتية وتحالفها الأساسي مع الدولة الفارسية والقيادة الإيرانية الثيوقراطية المستبدة. كما تخلت قوى أخرى بعد فوات الأوان عن أسس المحاصصة الطائفية . ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المشكلات التي يعاني منها شعب كردستان منذ سنوات ما بعد إسقاط الدكتاتورية ليست حصيلة أخطاء فاحشة وسوءات سياسات وإدارية وإجراءات الحكومات العراقية الاتحادية المتعاقبة فحسب ، بل وكذلك أخطاء في سياسات وإجراءات الحكومات الكردستانية المتعاقبة وإدارتها للأزمات . وأشير هنا إلى أني كمواطن عراقي وصديق للشعب الكردي ، لم أترك فرصة سنحت لي ، إلا وأشرت إليها لصالح الكرد وكردستان العراق والعراق عموماً ، لاسيما في أحاديثي العامة والشخصية مع المسؤولين الكرد في الحزبين الرئيسيين ، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وبعض قادة حزب التغيير الذي كان يقوده نوشيروان مصطفى أمين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتحالفات وقضايا التنمية والنفط الخام ، إضافة إلى ما نشرته من مقالات ودراسات في هذا الصدد .
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن الوضع المالي بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم يمكن معالجته لو توفرت النية الصادقة والإرادة السياسية في المعالجة . ويبدو لي بوضوح إن التحالف الشيعي يسعى إلى تعقيد الوضع المالي في كردستان ليثير الشعب ضد حكامه من جهة ، ويعمق الهوة ويكرس كراهية مقيتة بين العرب والكرد من جهة ثانية ، كما أن الخلافات في الأوساط والأحزاب الحاكمة في كردستان العراق متفاقمة حقاً ، وتجلب المزيد من الأضرار على الشعب الكردي بشكل خاص ، وتنصب بشكل ملموس على توزيع الموارد المالية المتحققة من الميزانية العامة العراقية للإقليم ، ومن مدخولات الجمارك الحدودية الكردستانية مع إيران وتركيا وسوريا ، إضافة إلى توزيع مقاعد الحكم والهيمنة في المحافظات والأقضية الكردستانية .
نشوء وتطور الحركة المدنية الاحتجاجية
** كل ذلك وغيره أدى إلى نشوء حركة احتجاجية مدنية في جميع محافظات العراق دون استثناء ، وأن اختلفت في حجمها وقدرتها على تعبئة المزيد من الناس. وقد قادت السياسات الفاشلة والمؤذية التي مارستها وما تزال تمارسها الفئات الحاكمة ، التي تحولت لتحط في مواقع طبقية جديدة بعد أن كانت ، وما تزال تعمل في قيادات أحزاب دينية ومذهبية طائفية ، إلى مواقع البرجوازية الكبيرة : البرجوازية التجارية الكومبرادورية ، والبرجوازية العقارية والمقاولة ، والبرجوازية المصرفية وكذلك البرجوازية البيروقراطية ، التي بيدها سلطات الدولة الثلاث وتهيمن على القرارات في القوات المسلحة وجيش جرار من الموظفين المنديين ، إلى نهوض ثوري عارم في تلك المناطق التي انحدرت منها النخب الحاكمة والمنتمية للأحزاب الشيعية الطائفية الفاسدة ، إلى انتفاضة تشرين الأول 2019، والتي هددت كيان هذا النظام الفاسد ، مما شدد الصراع ودفع بالقوى الحاكمة إلى استخدم كل أشكال العنف ومختلف الأساليب غير الشرعية ضد الحركة المدنية والديمقراطية الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح أولاً , من ثم بالتغيير الجذري ثانياً ، دفاعاً عن نظامها المتهرئ والمناهض لإرادة وحقوق ومصالح الشعب . وكانت حصيلة العنف الحكومي والدولة العميقة المشتركة (الميليشيات وفرق الاختطاف والاغتيال) سقوط أكثر من 700 شهيد من المتظاهرين وأكثر من 20 ألف جريح ومعوق خلال السنة الأولى من الانتفاضة ، إضافة إلى استمرار عمليات الاختطاف والاغتيالات لمزيد من ناشطات ونشطاء الحركة المدنية الديمقراطية والانتفاضة الشبابية حتى اليوم .
لم تتوقف الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات الشعبية رغم وصول رئيس حكومة جديد، وافقت على منحه تأييدها المشروط ، تحددت مهمته بتخدير الأعصاب واستعادة سمعة الفئات والأحزاب الإسلامية الشيعية الحاكمة واستعادة الثقة بها ، وتفكيك وتمزيق وحدة قوى الانتفاضة الشبابية والشعبية ، وتوفير مستلزمات إعادة إنتاج القوى والفئات المهيمنة الراهنة لتستمر في سيطرتها على مجلس النواب والحكومة الجديدة القادمة وفرض إرادتها على الشعب العراقي وضد مصالحه الوطنية.
ولا شك في أن الصراعات الجارية في العراق مرتبطة عضوياً بالصراعات الجارية على الصعيدين الإقليمي والعالمي لوجود قوى مرتبطة بدول المنطقة بشكل خاص وببعض الدول الكبرى . فالصراع بين السعودية وإيران من جهة ، وتركيا وإيران من جهة أخرى ، وفي ما بين الدول الخليجية من جهة ثالثة ، والصراع الإيراني – الإسرائيلي ، والصراع الإيراني-الأمريكي (لاسيما النووي) من جهة رابعة ، إضافة إلى الصراع الروسي-الأمريكي في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً ، يجد فعله المباشر وتأثيره الفعال على حركة ودور وتحالفات ونشاط القوى السياسية في العراق ، سواء أكان بالنسبة إلى القوى والأحزاب الإسلامية السياسية ، أم القوى والأحزاب القومية ، بمن فيها القوى والأحزاب القومية العربية والكردية ، والتي ترتسم عواقبها على الصراعات الدائرة في البلاد والتي تعيق عملية التغيير المنشودة ، لاسيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية تتحرى دوماً عن عملية مساومة مع إيران على الوضع في العراق ليس في صالح العراق ، كما حصل من مساومة مع حركة طالبان في غير صالح شعب أفغانستان وعموم المنطقة .
إن الوضع في العراق عموماً يتدهور باستمرار ويتخذ أبعاداً جديدة وخطرة ، إذ تهدد بهيمنة القوى الحاكمة في أعقاب الانتخابات القادمة إن جرت فعلاً ، وبالتالي فالعوامل التي فجرت الانتفاضة الشبابية التشرينية ما تزال قائمة ومتفاقمة ، ولذلك يمكن القول بأن العوامل المحركة لنهوض ثوري جديد قائمة ودافعة بقوة ، ويمكن أن تفاجئ الانتفاضة المحتملة من هم معزولون فقط عن التفاعلات الجارية في عمق الحركة الشعبية . وعلى القوى المدنية والديمقراطية أن تتوقع معركة قاسية بين معسكر الشعب ، دفاعاً عن وطنه ومصالحه ويريدها سلمية ، وبين معسكر القوى والأحزاب الحاكمة ، أعداء الشعب ، دفاعاً عن نظامها السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد والفاشل والمدمر لوحدة العراق واستقلاله بشراسة كبيرة وعنف لا يحتمل ، مما يمكن أن يقود إلى حرب أهلية طاحنة فعلية ، يمكن أن يحسمها موقف القوات المسلحة ، لاسيما تلك العناصر التي عاشت تجربة الخيانة في الموصل ونينوى وذاقت مع الشعب العراقي كله طعم الهزيمة أمام عصابات داعش المجرمة والتي يتحملها من كان على رأس السلطة في طيلة الفترة المنصرمة لاسيما بين 2006-2014 مباشرة ودون أدنى شك .
وجهة تطور الصراع الجاري في العراق
نؤكد من جديد بأن الصراع الجاري في العراق أصبح في واقع الحال صراعاً وطنياً وطبقياً في آن واحد ، تلتقي فيه قوى الشعب بمختلف فئاته الوطنية من عمال وفلاحين وكسبة وحرفيين وطلبة ومثقفين وبرجوازية صغير وبرجوازية وطنية ، من كادحين وفقراء ومعوزين معدين ومهمشين اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً وبيئياً من جهة ، وبين نسبة ضئيلة جداً جداً من الفئات الاجتماعية ، لاسيما حديثة النعمة ، وهي نعمة مسروقة من أموال الشعب ولقمة عيشه ، والمتمثلة بالبرجوازية الكومبرادورية والعقارية والمقاولة والبيروقراطية ، ومعهم شيوخ العشائر والمهيمنين الجدد خارج القانون على الأرض الزراعية وحفنة من شيوخ الدين الدجالين المتواطئين معهم ، وليس كل شيوخ الدين ، ليس المتنورين منهم .
المعركة السياسية قادمة لا محالة وما سيميز طبيعتها ليس موقف الحركة المدنية والديمقراطية الداعية للتغيير السياسي الديمقراطي ، بل موقف الفئات والقوى الحاكمة التي بدأت منذ عقد ونيف تنزع إلى ممارسة أقسى صيغ العنف المفرط واستخدام خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع والسلاح والرصاص الحيّ في مواجهة المتظاهرين السلميين وسقوط الآلاف منهم في بغداد والبصرة والناصرية والعمارة والديوانية وكربلاء والحلة والكوت وبقية المدن في وسط وجنوب البلاد ، وكذلك في الأنبار وصلاح الدين وغيرها . وتشارك في هذه العملية المناهضة للحركة المطالبة بالتغيير أجهزة الدولة الرسمية وأجهزة الدولة العميقة المصاحبة لها والمتشابكة معها . والأسئلة التي ستبقى تتحرك في الساحة السياسية العراقية هي: كيف سيكون موقف الجيش العراقي حين تغوص القوى الحاكمة في مستنقع الدناءة والخسة والتبعية وتصر على مواجهة مطالب الشعب بالحديد والنار؟ وكيف سيتقبل أبناء الشعب من الكادحين والفقراء والمعدمين المنخرطين في صفوف القوات المسلحة العراقية هذا العنف الذي يراد له كسر شوكة الشعب وتحطيم إرادته الوطنية وإخضاعه لإرادة المرشد الإيراني علي خامنئي ، وقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني ، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي ، ومسؤول المخابرات الإيرانية في الداخل والخارج (اطلاعات) محمود علوي . وهؤلاء هم الذين يشرفون ويديرون بمستشارين وخبراء إيرانيين ومسؤولين عراقيين جهاز الدولة العميقة والميليشيات الطائفية المسلحة ومواقعها في الحشد الشعبي ، والمكاتب الاقتصادية وفرق الاختطاف والاغتيال وغيرها ) في العراق ، إضافة لما لهم من مراكز قوة قوية وواسعة ومتشابكة في الجهازين المدني والعسكري والمرجعيات الدينية وما لديها من منظمات "مجتمع مدني!" في العراق .
الأسئلة المشروعة التي يثيرها الوضع الراهن
الشعب العراقي ، ومعه قواه المدنية والديمقراطية ، يفترض أن يكون على وعي تام بما يراد للعراق وشعبه في الفترة الراهنة والقادمة وما يرسم له عبر تصريحات الرئاسات الثلاث الداعية للمشاركة في الانتخابات دون أن تتحدث عن شروط قوى الانتفاضة لتوفير مستلزمات إجراء انتخابات لتكون حرة ونزيهة وعادلة ، بل تتحدث عن رقابة دولية لا تغني ولا تشبع بأي حال دون توفير تلك الشروط التي طالبت بها الانتفاضة التشرينية ورَفَضها البيت الشيعي وكل القوى المشاركة في الحكم عملياً. لقد فرضت قوى البيت الشيعي ، وبموافقة بقية القوى الحاكمة ، على رئيس مجلس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي شروطاً تتعارض مع مطالب الشعب وانتفاضته ، وقبل بها الكاظمي والتزم بتنفيذها حرفياً ، وهو الحاصل فعلياً في الأشهر الـ 15 المنصرمة من وجوده على رأس السلطة التنفيذية .
والأسئلة الجوهرية المطروحة حالياً في الساحة السياسية العراقية كثيرة ، منها مثلاً :
• كيف ستتحرك القوى المدنية والديمقراطية ، قوى الانتفاضة والتغيير ، القوى والأحزاب والشخصيات التقدمية ، في عمل دؤوب وجدي لرص الصفوف وتشكيل جبهة اتحاد تجمع كل القوى الساعية للتغيير والمستعدة لخوض النضال ، والقادرة عبر وحدتها ووحدة أساليب نضالها تعبئة المزيد من الأوساط الشعبية ضد الانتخابات القادمة ، وممارسة المزي من الفعاليات الاحتجاجية والإضرابات المطالبة بالحقوق والحريات ولصالح التغيير ، بهدف تغيير ميزان القوى لصالحها في المعارك السياسية القادمة حتماً؟ كما لا بد من متابعة كيف ستتفاعل غالبية الشعب ، لاسيما شبيبته من الإناث والذكور ، لحسم هذه المعركة لصالحها ؟
• كيف ستتعامل القوى والأحزاب الحاكمة في مواجهة حركة الشعب المطالبة بالتغيير ، ومواجهة الانتخابات بالرفض لأنها عملية فاسدة ابتداءً ؟
• وكيف ستتحرك قوى الشعب الكردي من جهة ، والقوى والأحزاب الحاكمة من جهة أخرى ، في خضم هذا الصراع المتعاظم بين المعسكرين ، وأين ستقف من كل ذلك ؟
• كيف سيكون تحرك إيران والدول العربية المناهضة لها ، ومدى تأييد كل منها للمعسكرين المتصارعين في العراق ؟
• وكيف سيكون موقف الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي المتزايد ضعفاً على الصعيد العالمي وفي المنطقة لصالح إيران والقوى التابعة لها في العراق ، لاسيما بعد سقوط أفغانستان بيد قوى التطرف والتكفير طالبان بعد عشرين عاماً من الحرب والوجود والنشاط العسكري والمدني لأكثر من 24 دولة غربية في أفغانستان ؟
هذا ما ستجيب عنه الأسابيع والأشهر القادمة ..