هيمنة الحشد الشعبي على القوات المسلحة العراقية ، هذا ما تسعى إليه إيران ، فما العمل ؟


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6981 - 2021 / 8 / 7 - 13:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كنت أتابع دوماً وأتوقع بما يريده ويسعى إليه قادة الحشد الشعبي ، وهم في الواقع قادة الميليشيات الشيعية الطائفية المسلحة ، ومنها فيلق بدر وحزب الله والنجباء وعصائب أهل الحق ، ومعها ميليشيات جيش المهدي وسرايا السلام وغيرها ، وكذلك الأحزاب السياسية التابعة لولاية الفقيه ، وهي جميع الأحزاب الشيعية ، لاسيما حزب الدعوة الإسلامية وتيار الحكمة الوطني والمجلس الإسلامي الأعلى والفضيلة ومن لف لفها .. إلخ ، إضافة إلى الكتل الانتخابية الزائفة مثل دولة القانون وفتح والنصر وسائرون وغيرها كثير. لقد بدا هذا واضحاً منذ اليوم الأول لتأسيس الحشد الشعبي حين أعلن الطائفي المتشدد بامتياز رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ذلك ، مستفيداً ومستخدما فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع الشيعي الديني والمذهبي السيد علي السيستاني ، لمواجهة اجتياح داعش للموصل ومحافظة نينوى واقترابها من بغداد ومدن إقليم كردستان ، إضافة إلى وجود داعش المكثف في الأنبار وصلاح الدين وهيمنتها على مناطق واسعة من ديالى وكركوك وتحركها في مدن عراقية أخرى. لقد كانت سياسات نوري المالكي ، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ، ومعه كل "البيت الشيعي" والمرجعيات الشيعية ، هي السبب وراء ما حصل للعراق منذ عام 2003/2004-2014 من اجتياح واحتلال وقتل وتهجير للسكان المسيحيين من الموصل أولاً ، ومن ثم لهم وللإيزيديين والتركمان والشبك في كامل محافظة نينوى حينذاك. لقد كرَّس نوري المالكي سياسة خطيرة ومدمرة للوحدة الوطنية في القوات المسلحة العراقية عموماً ومن كان يعمل منها في الموصل وعموم محافظة نينوى ، ذات أربعة أبعاد هي :
** نفي العقيدة الوطنية العراقية للقوات المسلحة واعتمادها الكامل على العقيدة الفرعية الطائفية الشيعية المتطرفة ، كما وضع أشد المتطرفين الشيعة على رأس عدد كبيرٍ من الألوية والوحدات العسكرية ، لاسيما في الموصل وعموم محافظة نينوى ، بهدف إذلال أهل الموصل السنة بسلوكيات شائنة ضدهم !
** نشر الفساد التام من أعلى مستوى للقادة العسكريين إلى أدنى مستوى من الضباط وضباط الصف والجنود في عموم القوات المسلحة . وقد ابتلت الموصل ومحافظة نينوى بأشرس الفاسدين وأكثرهم رغبة في نهب أقصى ما يمكن من الموارد المالية وأموال الناس دون اهتمام بما كان يحل بالناس والمدن والبلدات ؛
** توسيع عديد القوات المسلحة بالجنود الشيعة وإشراكهم بشكل خاص في الدورات المختلفة بما يسهم في جعلها قاعدة أساسية للأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية ، كما لوحظ ذلك بوضوح في المجزرة التي قتل فيها المتدربون ، وكلهم من الشيعة ، على أيدي المجرمين الداعشيين في معسكر سپايكر ؛
** توجيه الدعاية في صفوف القوات المسلحة بكل صنوفها في محافظة نينوى وبشكل عام بأن المهمة (حينذاك2011-2014) تكمن في مواجهة من يريد إلحاق الضرر بالشيعة ، بالنظام العراقي الذي يقوده الشيعة ، أي ضد أهل السنة في مناطق سكناهم الأساسية ، الموصل والأنبار وصلاح الدين وبغداد بشكل خاص ، وكذلك ضد الكرد والبيشمركة الكردستانية ، وهم في غالبتهم سنة أيضاً ، عدا الكرد الفيلية ، أي في محاربة سكان مدينة الموصل وإذلالهم ، وكذلك ضد الكرد والتهيؤ لاحتمال الدخول في معارك مع البيشمركة الكردستانية وليس ضد عدو خارجي كان يقترب من حدود محافظة نينوى ويهيمن عملياً في الليل على الوضع الداخلي في مدينة الموصل بعلم ومعرفة تامة من نوري المالكي . ونتيجة لهذا الاتجاه السياسي الحاقد ، لم يدر في خلد القادة العسكريين الفاسدين الذي عينهم رئيس الوزراء والقائد العام ، سوى الهروب المخزي أمام بضعة مئات من الدواعش الغزاة ليمارسوا أبشع المجازر الدموية والإبادة الجماعية في الموصل والمحافظة ، لاسيما ضد أبناء وبنات الديانات الإيزيدية والمسيحية ، وضد التركمان والشبك الشيعة .
لقد نشأ العيب في المؤسسات العسكرية العراقية نتيجة هيمنة الفكر القومي الشوفيني وابتعاده عن مهمات الدفاع عن الوطن وتدخله في الشؤون السياسية الداخلية ، لاسيما ضرب الاحتجاجات والمظاهرات وتنظيم الانقلابات العسكرية ، لاسيما رفض عبد الكريم قاسم تسليم السلطة للمدنيين بعد مرور 5 سنوات على ثورة تموز 1958 ، ومن ثم وبشكل خاص ، في الفترة التي بدأت مع انقلاب شباط 1963 أولاً ، وهيمنة قوى الإسلام السياسي الشيعية والفكر الديني الشيعي الطائفي المتشدد ثانياً ، وكلاهما ابتعد عن غرس العقيدة الوطنية العراقية خلال ما يزيد عن ستة عقود عجفاء منصرمة ، إضافة إلى عمليات الفساد والإفساد الكبيرة ، وبالتالي فقد أُبعد الجيش وأبتعد عن مهماته الوطنية الأساسية ، والمسؤولية يجب أن توجه لمن مارس تلك السياسة وغرس في المؤسسة العسكرية الشوفينية مرة ، والطائفية مرة أخرى ، والابتعاد عن نهج وهوية الوطن والمواطنة العراقية وترويج ونشر الفساد على أوسع نطاق.
أما الحشد الشعبي ، الذي تشكل عام 2014 ، فلم يكن سوى منظمة هجينة مكونة من مجموعة متكاثرة من الميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة الفاسدة التي أقامتها إيران في العراق ، أو جاءت بها من إيران إلى العراق ، في أعقاب إسقاط الدكتاتورية البعثة عبر قوات التحالف الدولي خارج أطر الشرعية الدولية ، كما هو حال فيلق بدر لهادي العامري . وهذه الميليشيات تشكل اليوم العمود الفقري "للحشد الشعبي" ، وثم من التحق به من المتطوعين بناءً على فتوى "الجهاد الكفائي" للدفاع عن العراق . وحين انتهت مهمة الدفاع المباشرة وتم طرد الغزاة الدواعش من أرض العراق ، كان ، ومازال ، واجب المرجعية الدينية الشيعية والحكومة العراقية حل هذه المنظمة الهجينة والتابعة فعلياً لإيران وليس للعراق ، رغم وجود قانون عراقي ينظمها شكلياً. فكما جاء في مقال للكاتب جواد علي فأن : " "الحشد الشعبي" مؤسسة تتبع القوات المسلحة، وترتبط مباشرة بالكاظمي، لكن مراقبين يرون أن نفوذها زاد على نطاق واسع وبات أقوى من مؤسسات الدولة ولا يخضع قادتها لأوامر الحكومة بل لقادتها المقربين من إيران.". (أنظر: على جواد ، موقع AA ، الكاظمي: ثبتنا منطق الدولة وآليات إنفاذ القانون في العراق ، في 01/06/2021) . وهو عين الصواب ولا يعتبر قادة الحشد الشعب مصطفى الكاظمي سوى "خراعة أو فزاعة خضرة" ، أو "خيال المآته" !
لم يعد قادة الميليشيات والأحزاب والكتل الطائفية يخشون أحداً أو يتورعون عن أي شيء ، فهم اليوم يمتلكون القوة والوقاحة للتصريح بأنهم القوة الفعلية في العراق وليس القوات المسلحة العراقية ، وأن على هذه القوات أن تكون جزءاً من الحشد الشعبي وتنضم إليه وتحت قيادته ، وليس أن يكون الحشد الشعبي جزءاً تابعاً للقوات المسلحة وخاضعا لمسؤول في اللادولة ، على حسب تعبير القياد في فتح "أبو ميثاق المساري" . ففي أكثر من لقاء وحوار صحفي تلفزيوني شارك فيه هذا القيادي في كتلة فتح وأحد قادة الميليشيات الشيعية الطائفية المتطرفة المدعو "أبو ميثاق المساري" أكد ملء فمه ، بما لا يقبل الشك ،استهانته التامة وسخريته الشديدة برئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية مصطفى الكاظمي. فبعد اعتقال المتهم بقتل نشطاء مدنيين قاسم المصلح من قبل القوات العراقية ، تم أطلاق سراحه بـ "قرار!" من القضاء العراقي ، قال المساري : إن "اعتقال قاسم مصلح كان ضربا تحت الحزام من قبل قوى اللادولة ضد قوى الدولة" ، وحين استفسر المحاور الدكتور سالم هل القائد العام للقوات المسلحة هو اللادولة ، أجاب المساري نعم أكبر مسؤول في الحكومة العراقية قد تجاوز على الدولة ، وهو اللادولة الذي ضرب الدولة وهو الحشد الشعبي!!! ولم يكتف بذلك، بل في لقاء جديد أكد هذا القائد "الفتحاوي" المساري ، ما يلي :
" يسألوني : يا إلهي انت ليش ما تنظم لوزارة الدفاع ، أنت ليش ما تنظم لوزارة الداخلية ، يا جماعة هي هذي وزارة الدفاع اللي عافوا الموصل للدواعش وسوا حرب ضد إيران .. ، مو (ليس) الحشد الشعبي من ينضم إلى وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ، بل "أنا!" أضم وزارة الدفاع ووزارة الداخلية والأمن الوطني والمخابرات ، كلها أضمها للحشد الشعبي .. . وحين استفسر منه المحاور: هل يمتلك الشجاعة قول ذاك ، أجاب المساري بكل عنجهية: نحن نمتلك الشجاعة بالحديث أكثر وأعلى من هذا الصوت يا دكتور سالم ... أنا أقدر أزرع في مدينة الصدر والكاظمية في كل شارع وزقاق وعكد .. الحشد الشعبي .." . (أنظر: مقابلة صحفية مع الدكتور سالم) .
هذا هو ما تريده وتسعى إليه إيران : إنها بحاجة إلى مثل هؤلاء الأشرار الوقحين ، إذ بهم تريد تحويل الحشد الشعبي إلى قوة مماثلة لقوات حزب الله في لبنان ، وجعل الجيش العراقي عاجزا كالجيش اللبناني عن عمل أي شيء مقابل تدخل إيران في كل الحياة والشؤون العراقية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والعسكرية الداخلية منها والخارجية ، كما يلاحظ اليوم في لبنان حيث تحرك إيران حزب الله لمقارعة مضرة للشعب اللبناني مع إسرائيل !
أما مصطفى الكاظمي ، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ، فهو يسمع كل ذلك ، ويهان يومياً بتصريحات ممعنة بقهره من هؤلاء الأوباش ، ويتابع هيمنة هذه القوى على أجهزة الإدارة الحكومية كلها تقريباً ، ولكنه يستمر بالضحك على ذقون الشعب والادعاء بأنه القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء والمسؤول عن الحشد الشعبي ..!! اسمع قهقهات من يجلد يومياً الشعب العراقي ، أسمع قهقهات أبو ميثاق المساري وهادي العامري وقيس الخزعلي ومن لفهم من حزب الله والنجباء والخبثاء والعصائب وهم يقولون : قل ما تشاء يا الكاظمي ، ولكنك لن تجرأ على القيام بأي شيء يمكنه تغيير المعادلة المطلوبة لإجراء الانتخابات المبكرة ، فلا يمكنك اعتقال الفاسدين الكبار ، ولا في مقدورك اعتقال قتلة المتظاهرين واعتقال فرق القتل أو محاكمتهم ولا تغيير في قواعد اللعبة الانتخابية التي حددنا أسسها ومساراتها في الانتخابات السابقة ، وسنحتل مواقعنا بالتمام والكمال في مجلس النواب بالرغم من إرادة الشعب ومصالح الشعب ...
ليس أمام قوى الشعب الحيَّة ، ليس أمام القوى المدنية والديمقراطية ، غير ممارسة العمل والنضال الدؤوبين لفضح نهج أعداء الشعب والغارقين في غيهم ضد الشعب والماسكين بزمام الأمور كلها لصالح إيران ، ليس أمام الشعب غير فضح ما جرى وسيجري في الانتخابات القادمة من استعمال مخزٍ للمال الحرام ، لشراء الذمم والتهديد بالقتل والقتل الفعلي ، لا بد من تشديد الدعوة لمقاطعة الانتخابات المخزية التي ستجري بهذا الوضع المأساوي الذي يمر به العراق .. لتلتقي قوى الشعب في مواجهة قوى الشر واغتصاب إرادة الشعب ومستقبل أبناءه وبناته.. العمل من أجل تعبئة الشعب .. ولتنتصر إرادة التغيير الجذري لنظام الحكم الطائفي المحاصصي الفاسد في العراق ، فليس هناك من حل غير التغيير .. فلتنتصر إراد الشعب في التغيير ، لترتفع مجدداً تلك الشعارات الناطقة التي نادى بها منتفضو تشرين الأول 2019 الباسلة من النساء والرجال : "أريد وطناً حراً ومستقلاً" ، و "نازل أخذ حقي من مغتصبيه الأراذل " .. .