دار الخدمات النقابية والعمالية يدين إجراءات تصفية شركة الحديد والصلب المصرية ويحمل صاحب القرار مسئولية هذا إلاهدار لصرح من أهم صروح الصناعة الوطنية


تيار الكفاح العمالى - مصر
الحوار المتمدن - العدد: 6917 - 2021 / 6 / 3 - 22:07
المحور: الفساد الإداري والمالي     

في تحدي صارخ لإرادة الشعب المصري وطموحاته الوطنية التي كشف عنها رأي عام لا تخطئه العين، وكثير من المبادرات والمحاولات الشعبية ، تم أمس الأحد الموافق 30 من مايو 2021 اتخاذ قرار مؤسف بإغلاق شركة الحديد والصلب المصرية، وإيقاف العمل بها، ومنع العمال من الحضور تمهيداً لاستلام المصفي لها بدءاً من الغد.

كان وزير قطاع الأعمال العام ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية قد اتخذا- من خلال ما يطلق عليه الجمعية العمومية غير العادية لشركة الحديد والصلب المصرية المنعقدة يوم 11/1/2021- قراراً بتصفية شركة الحديد والصلب المصرية على سندٍ من القول بخسائرها الكبيرة وتعذر إصلاحها.. حيث أعقب ذلك رفضاً شعبياً كبيراً لتصفية الشركة ، وإقامة دعاوى قضائية من قبل العمال وحاملي الأسهم، وتقديم عروض من عدة جهات للاستثمار في عملية إصلاح الشركة .. غير أن ذلك كله كان يصطدم بإصرار غير مبرر وغير مفهوم على تصفية الشركة وكأنه غدا هدفاً في حد ذاته.

لقد كانت صناعة الحديد والصلب حلماً وأملاً يراود المصريين إلى أن أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 14 يونيو 1954 مرسوماً بتأسيس شركة الحديد والصلب كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في المنطقة العربية باستخدام تكنولوجيا الأفران العالية وبمعدات ألمانية للصهر من خامات الحديد المستخرجة من أسوان لتحتل الشركة مكانتها الرائدة في صناعة الحديد والصلب في المنطقة العربية

إلا أن الشركة رغم ريادتها أخذت تعاني خلال الأعوام الماضية بسبب تقادم الآلات والمعدات ، وازدياد نفقات التشغيل ، وضعف قدراتها التنافسية في السوق في ظل منافسة غير عادلة مع إغراق السوق بالحديد المستورد بأسعار تقل عن تكلفة إنتاجه على الأخص من تركيا وأوكرانيا والصين، ثم ازدادت الأمور سوءاً مع قرار الحكومة عام 2017 "بتعويم الجنيه المصري" حيث تزايدت نفقات التشغيل وتكرر انقطاع الغاز الطبيعي عن المصانع،وعدم انتظام توريد الفحم أضافة إلى مخالفته معايير التشغيل وانخافاض جودته فضلاً عن عدم وجود إدارة ذات كفاءة .

وواقع الحال أن تطوير شركة الحديد والصلب لم يكن مستحيلاً ، ولكنه عملية تتوقف على الإرادة ، كانت هناك أكثر من خطة للإصلاح غير أنها كانت دائماً تتعثر أو تتوقف لأسباب لا يعلمها إلا الله !! ربما كان آخرها خطة التطوير التي بدأ العمل بها فعلياً ، وكانت تشمل مصنع حديد التسليح ، وتطوير المصنع القديم ، وقامت الشركة بعمل تطوير في الغلايات، وكان مفترضاً أن تقوم بتشغيل فرن 3 خلال منتصف عام 2019 ، غير أن الشركة القابضة امتنعت عن تقديم أي دعم لشركة الحديد والصلب آنذاك لمدة سبعة أشهر، وربما يمكن القول أن غياب الشفافية وبعض شبهات الفساد كانت أحد الأسباب الهامة التي أعاقت تطوير الشركة وأهدرت طاقاتها ، وعناصر قوتها.. حيث كانت هناك فجوات كبيرة للغاية بين التقديرات المالية للعروض المقدمة والتوجه نحو شركات بعينها، وزاد الأمر تعقيداً أن اللجان التي تم تشكيلها قدمت عدة تقارير متضاربة ، انتهت إلى اتخاذ مجلس إدارة الشركة في 18 أغسطس 2018 قراراً بإلغاء مناقصة التطوير بصورة بدت متعسفة.

وبعد .. تم اتخاذ القرار المشئوم بتصفية شركة الحديد والصلب المصرية حيث أصيب المجتمع المصري بصدمة موجعة ، وتوالت ردود الأفعال، ولفت الأوساط العمالية- على الأخص- مشاعر الأسى والإحباط، فشركة الحديد والصلب المصرية ليست فقط أبرز صروح الصناعة المصرية ، وواحدة من أهم قلاعها ، ولكنها أيضاً رمزاً وطنياً له مكانته الخاصة في وجدان الشعب المصري، الحديد والصلب بالنسبة لآلاف العمال وملايين الأسر والأبناء قصة كفاح اختلط فيه العرق بالدم.. هنا عاش الكثيرون حياتهم وقضوا أيامهم وسنوات عمرهم ، هنا أصيب البعض ، وشاخ الشباب، هنا كان مورد الرزق ، وأحلام الترقي، وشغف التعلم والتدريب، هنا كان إضراب 1971، وإضراب 1989 التاريخي، وهنا سقط الشهيد عبد الحي سيد سليمان, وهنا تصدى العمال لزيارة نافون رئيس الكيان الصهيوني لمصنعهم.

إننا إذ نؤكد مجدداً رفضنا لقرار تصفية شركة الحديد والمصرية، نعرب عن إدانتنا الشديدة للإصرار على البدء في إجراءات التصفية الذي يتجاهل اتجاهات الرأي العام المصري والموقف المجتمعي الواضح الرافض لقرار التصفية ، كما نؤكد أن إصرار وزارة قطاع الأعمال العام على تنفيذ القرار المرفوض لا ينطوي فقط على تحدي الإرادة الشعبية ، وإنما يتغافل أيضاً عن اعتبارات شديدة الأهمية.. ذلك أن

الاختيار بين تصفية شركة الحديد والصلب المصرية ، أو استمرارها وتطويرها هو في المحل الأول قرار سياسي: هل نرغب في أن تكون لدينا صناعة الحديد والصلب الإستراتيجية أم أننا يعوزنا الطموح إلى ذلك؟.. ليس خافياً على أحد أن الحديد والصلب صناعة مغذية لصناعات كثيرة تتكامل معها، وليس هناك من ينكر أن الشركة الكبيرة كانت ولم تزل صرحاً من صروح الصناعة الوطنية ، و قلعة من قلاعها، وأنها لبت احتياجات بالغة الأهمية في لحظات فارقة بدءاً من الصناعات الحربية، وانتهاءً باسطوانات الأكسجين في ظل أزمة كورونا الخانقة.

إن الاختيار بين تصفية شركة الحديد والصلب المصرية أو استمرارها لا يمكن أن يستند فقط إلى حسابات الربح والخسارة الآنية الضيقة بمعزل عن دورها وموقعها في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وفي يناء صناعة وطنية متكاملة على أسس قوية من الصناعات الثقيلة.

ورغم ذلك.. وحتى بحسابات الربح والخسارة .. تترتب على التصفية الكثير من الخسائر .. فشركة المناجم والمحاجر التي تم فصلها عن الشركة الأم وتأسيسها تستند فقط إلى إمكانية تصنيع مكورات الحديد ، غير أن الأبحاث الكثيرة التي سبق إجراؤها أثبتت أنه يكاد يكون مستحيلاً صناعة مكورات الحديد من الخام المصري ، وأن الطريقة الوحيدة لتصنيع هذا الخام هي أفران شركة الحديد والصلب المصرية التي تم بناؤها وإعدادها خصيصاً لكي تناسب هذا الخام.. نحن إذاً أمام مخاطر إغلاق هذه الشركة المنقسمة وإهدار الخام المصري .

كما أن شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية التي أنشئت خصيصاً لكي تتكامل مع شركة الحديد والصلب المصرية وتمدها بالفحم اللازم لها مهددة هي الأخرى بالتوقف والتصفية، إيقاف الفرن الرابع الذي يعمل في الشركة الآن يعني خسارة قدرها مباشرة قدرها نصف مليار جنيه تقريباً، تصفية البنية التحتية لشركة الحديد والصلب المصرية بما تحتويه من محطات غاز، وكهرباء ، مياه , وسكك حديدية، والوحدات الانتاجية المساعدة (محطات انتاج الأكسجين والغازات الصناعية وورش إنتاج قطع الغيار والهياكل المعدنية وورش الصيانة المركزية ) يمثل أيضاً خسارة كبيرة، كما أن الكثير من هذه المحطات والشبكات يمتد إلى أعماق بعيدة تحت الأرض الأمر الذي يجعل الاستفادة من هذه الأرض لغير الغرض الذي أُعدت له أمراً شديد الصعوبة .. هذا فضلاً عن الصناعات التي تتكامل مع شركة الحديد والصلب والتي تتضرر بالقطع من تصفية هذه الشركة.

لقد دعت دار الخدمات النقابية والعمالية- مراراً وتكراراً- كافة الأطراف الحكومية المعنية إلى مراجعة هذا القرار بما يترتب عليه من آثار وتداعيات اقتصادية، وهي إذ ترى الإصرار الحكومي على التصفية قد بلغ نهاية الطريق فلم يُبقِ ، ولم يذر، تؤكد إدانتها إجراءات التصفية، وتحمل متخذيها مسئوليةإهدار صرح من أهم صروح الصناعة الوطنية، وتبديد طموحات الشعب المصري إلى امتلاك صناعة الحديد والصلب الإستراتيجية.

دار الخدمات النقابية والعمالية

القاهرة الأثنين 31/5/2021