الوضع الصحي بالمدن الصناعية (طنجة- الدار البيضاء) مقدمة لما يهدد المغرب. بقلم، أ-ح


المناضل-ة
الحوار المتمدن - العدد: 6630 - 2020 / 7 / 28 - 14:40
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

تعيش مدينة على وقع ارتفاع متواصل في أعداد المرضي بكوفيد- 19، الحالات المحتاجة لأَسِرَّةِ الإنعاش. باتت البنية الصحية عاجزة منذ الآن عن مواجهة تدفق المرضى، كما أن الاطقم الصحية نال منها الإنهاك بعد شهور من الجهد، وانكشف العجز الكبير في التجهيزات الطبية ووسائل الوقاية لحماية المرضي والجهاز الطبي. ما يحصل الآن بطنجة مشهد استباقي للحالة المرجح حصولها بعموم البلد مع حلول الشتاء القادم.
انتشار الفيروس جريمة ناتجة عن دفع العمال إلى التهلكة دون توفير شروط السلامة الصحية
انتشار الحالة الوبائية بمدينة طنجة كما بالمناطق العمالية الأخرى (الدار البيضاء وبرشيد) أمر متوقع لكل ذي بصيرة. قررت الدولة المغربية ألا تتوقف آلة الإنتاج عن الدوران، دون أن تفرض على مالكي المقاولات توفير شروط الصحة والسلامة التي توافق الوضعية الراهنة، بدليل أنها لم تسن تشريعات استثنائية عقابية ضد المشغلين الذين يتحايلون على تطبيق الإجراءات الصحية المقررة، ولم تشرع حق العمال القانوني في الاعتراض عن العمل في حالة ظهور خطر يهددهم في أماكن العمل وفي وسائل النقل المهنية. لجأت الدولة إلى النفاق المعهود حملات إعلامية ولجان مراقبة ظرفية وترك الأمور بيد أرباب العمل ليواصلوا استغلال العمال في شروط صحية خطيرة وتضرب بعرض الحائض اللغو الإعلامي للدولة الذي لا يعد إلا خداعا للجماهير. فأرباب العمل يرفضون تقليص أرباحهم لتوفير الحماية لصحة العمال وسيستمرون على نفس النهج ما لم يُجبَروا على عكس ذلك.
التركزات العمالية الصناعية والفلاحية والخدمات أوساطٌ ملائمة لانتشار المرض، وكلما كانت ظروف الصحة والسلامة متردية كلما أصبح ظهور البؤر الوبائية امرا حتميا. وهذا ما يهدد مجمل المراكز العمالية بالمغرب وعدم تفشي الإصابات في منطقة ما لحد الساعة يفسر بوتيرة انتشار الفيروس وشراسته بالدرجة الأولى.
نجدد التأكيد على ضرورة وقف القطاع الإنتاجي غير الضروري والتشدد بتوفير شروط الصحة والسلامة داخل مراكز الإنتاج ووسائل نقل العمال، مع إصدار تشريعات قانونية تحمل المسؤولية القانونية للمشغل في أي انتهاك تلك الشروط وتمكين العمال من مراقبة تطبيق تلك الشروط. يجب تحمل الكلفة الاقتصادية للإغلاق الجزئي لجزء من الاقتصاد والا فالمقامرة الحالية ستنتهي بكارثة صحية وبتداعيات اقتصادية واجتماعية وإنسانية هائلة.
القادم أسوأ علينا قلب الاتجاه
وتيرة انتشار الجائحة المرضية تتبع منحى تصاعديا عالميا، حيث ترتفع أعداد المصابين ونسب الوفيات بشكل مرعب، وحتى على صعيد القارة الإفريقية التي كانت تسجل نسبا ضعيفة من المرضي أصبحت بدورها تعرف أرقاما متسارعة من المصابين خصوصا بجنوب أفريقيا وبمنطقة شمال أفريقيا ما ينذر بمستقبل مخيف في قارتنا المنهكة.
احتفلت الدولة المغربية بانتصارها على المرض في معركة لم تخضها بتاتا، ونشرت الأوهام حول بروتوكول علاجي عجائبي ومارست خداعا تجاه الشعب وكررت الادعاء أن الوضع تحت السيطرة وحرضته على العودة إلى استئناف العمل، فتلاشى الحذر وانتهت الإجراءات الأولية من استعمال الكمامات والتباعد والتنقل بين المناطق وأبقت على عيد الأضحى أكبر مناسبة لتنقل السكان...
تريد الدولة تنفيس الأزمة الاقتصادية باستغلال فرصة الصيف لحفز استهلاك الأسر لعله يحدث انتعاشة ولو لبرهة خوفا من الخنق وبالأخص خطر استنفاد اقسام متضررة يهددها الإفلاس القدرة على التحمل وتحولها الي قوة احتجاج شعبي من عمال- ات فقدوا مناصب الشغل وصغار الفلاحين- ات وأصحاب المطاعم والتجار ومهني النقل.
ينم خيار الدولة عن مقامرة محفوفة بالخطر قد تنتج عنها كوارث غير قابلة للتدارك، سينتهي الصيف والعيد بارتفاع الإصابات وبتوسع رقعة الانتشار وسيحل الخريف المرجح ان يشهد بداية الموجة الثانية من الجائحة وستكون المنظومة الصحية في عين الإعصار بقوى منهكة وعجز بنية الاستقبال وسنرى حينها حقيقة ما تدعيه الدولة من توفر الوسائل الطبية وغيرها.
الشهور الماضية كانت فرصة ثمينة للتحضير الجيد لمعركة حقيقية ضد الجائحة بتدريب الأطقم الطبية وتعزيزها بحملة توظيف كثيفة وتخزين التجهيزات الضرورية وتوفير بنية الاستقبال ومواجهة الخصاص في كل جهات البلد... وجاء قانون المالية التعديلي ليقر نفس السياسة القائمة على التقشف الليبرالي في تجهيز قطاع الصحة وتعميم التعاقد على توظيف أطره.
خطر الجائحة قائم أكثر من الشهور الماضية ويجب عدم الاستسلام النفسي لخدر أكاذيب الاعلام الرسمي وما ينشره من تطمينات الدولة بأن الوضع تحت السيطرة، فلن يترددوا غدا في التهرب من المسؤولية بإلقائها على عاتق الشعب الذي "انتهك قواعد الحيطة والسلامة وعليه أن يتحمل نتائج استهتاره".
إجراءات ضرورية لتجنب الكارثة
تتحمل الدولة المغربية مسؤولية ثابتة عن تطورات الأوضاع الصحية بالبلد فقد أبانت عن استخفاف خطير بتحريضها الكثيف للجماهير بعدم التردد في العودة لممارسة حياتها بادعائها أنها تسيطر على الوضع وأن البلد تجاوز مرحلة الخطر والحقيقة أن المعطيات الوطنية والعالمية تشير على العكس إن التحدي الخطير سيحل في الشهور القادمة.
لن يحرص على حياة وسلامة الطبقة العاملة الا الطبقة العاملة نفسها، ومن يراهن على أرباب العمل ودولتهم إنما يخادع نفسه ويتهرب من حقائق جلية. هم أرباب العمل ودولتهم الأساس هو تأمين الأرباح ولو بالتضحية بحياة الشغيلة.
لتجنب حصول كارثة صحية يجب النضال من أجل:
- فرض أقصى شروط الصحة والسلامة خاصة بالجائحة الراهنة وتحميل مسؤولية تنفيذها للمشغل، مع تعزيز صلاحيات العمال في مراقبة تنفيذها الحرفي تشمل أماكن الإنتاج ووسائل نقل العمال.
- تمكين جميع العمال- ات المتوقفين- ات عن العمل والأسر المعوزة وضحايا البطالة من حد أدنى من الدخل يُمَوَّلُ بضرائب عن الأرباح والثروة.
- تشغيل فوري لإعداد كبيرة من أطر الطب والتمريض والإسعاف (في إطار الوظيفة العمومية وليس التعاقد) وتخزين المعدات التقنية الضرورية تهيئا للخريف والشتاء القادمين، مع إعداد البنيات الصحية لاستيعاب تدفق كثيف للمرضي ووضع كل المصحات الخاصة رهن إشارة الصحة العمومية.
ضرورة هز الرأي الشعبي والقطع مع تبخيس الخطر الذي يتربص بحياة الناس والتأكيد على أن حياة البشر على المحك ودور منظمات النضال في نشر الحقيقة عن الوضعية الصحية وبلورة برامج النضال لمواجهة تداعيات الجائح اقتصاديا واجتماعيا وسبل النضال. إن الزامية ارتداء الكمامات خارج البيت واحترام التباعد الجسدي في الشارع والمتاجر ووسائل النقل وبالشواطئ والحدائق مع توفير وسائل النظافة والكمامات للجميع مسألة ضرورية وليست اختيارا فرديا بل واجب جماعي.
أظهرت الجائحة الحالية الأهمية القصوى للصحة العمومية خصوصا وأن العالم سيعرف توالي موجات انتشار جوائح مرضية من الصنف ذاته، ما يجعل الدفاع عن تقوية الصحة العمومية مسألة نضال عمالي حاسم. علينا في المنظمات العمالية والشعبية النضال لإجبار الدولة على رفع ميزانية الصحة العمومية إلى الضعف بشكل فوري لتقليص العجز الخطير المسجل والتراجع عن كل ما يمس جودة ومجانتيها.
يجب التضامن مع شغيلة الصحة بالمدينة ومع الضحايا من العمال- ات وساكنة الأحياء الشعبية التي تؤدي ثمن تدهور الأوضاع الصحية والمعيشية بسبب سياسة طبقية حريصة على تهيئ كل الظروف لنمو الرأسمال مقابل أوضاع شغل وظروف عيش كارثية للكادحين- ات، يجب أن يكون ما يحصل بطنجة جرس إنذار لما يهدد عموم البلد ومرآة تفضح حقيقة التحكم في الوضع الذي تدعيه الدولة بزهو كاذب.