التجنيد وإمكانية القطع مع تنسيء الأنثى


يامنة كريمي
الحوار المتمدن - العدد: 5977 - 2018 / 8 / 28 - 23:28
المحور: حقوق الانسان     


شغل قانون التجنيد الإجباري بصيغته الجديدة، التي تشمل الإناث والذكور، حيزا هاما من وسائل الإعلام والتواصل، نظرا لما خلقه من هواجس لدى المغاربة.
وقد تم تناول الموضوع من جوانب عديدة، لكن الجديد في الموضوع، وهو تجنيد الأنثى، لم يتم توضيحه وإجلاء الغموض من حوله خاصة فيما يتعلق بنقطتين أساسيتين وهما:
أولا، عدم وضوح طبيعة السياق الذي وضع فيه قانون التجنيد، ومدى احترامه لمبدأ الحق والواجب.
لقد كان على السلطات المغربية المعنية أن تقدم للمغربيات والمغاربة ما يكفي من التوضيحات حول أسباب إرجاع قانون التجنيد الإجباري والظروف التي سيمر فيها وما هي الفائدة التي سيعود بها على المجندات والمجندين... ودلك بكل نزاهة وشفافية للقطع مع الشكوك التي انتابت الجميع إثر صدور قانون التجنيد. تلك الشكوك التي منعت معظم المغاربة من النظر إلى قانون التجنيد على أنه وسيلة للدفاع عن الوطن وتحقيق التنمية وتعزيز الثروة البشرية.
أما تكليف الأنثى بالتجنيد، وانطلاقا مما جاء في الاستجوابات الصحافية، لم تخطر على بال معظم المغاربة، ولو للحظة، فرضية أن يكون قانون تجنيد الفتاة يمثل رغبة سياسية صادقة وجادة في تفعيل قانون المساواة بين الجنسين والقضاء على جميع أشكال التمييز في حق المرأة بما فيها واجب الدفاع عن الوطن وحمايته.
إن كل ما تبين للطبقة الشعبية المغربية هو أن الغرض الوحيد من قانون التجنيد الإجباري، هو الرغبة في التقليل من حدة الاحتجاجات الشعبية التي عرفها المغرب مؤخرا وامتصاص غضب المحتجين والمحتجات. وذلك بإلهاء شباب الطبقات الشعبية إناثا وذكورا وتعريضهم لشظف العيش وللأعمال الشاقة التي يمكن أن تكون بعيدة كل البعد عن التداريب العسكرية (العمل في البناء) والزيادة في تأزم وهشاشة وضعيتهم الاجتماعية، وهو ما سيرفضونه لأنه يتنافى مع قيم حقوق الإنسان التي ينص عليها الدستور.
ثانيا، جهل المغاربة بظروف تجنيد وتدريب الإناث:
إن الجهات المعنية لم تقدم أي بيان دقيق وواضح عن الظروف التي سيتم فيها تجنيد الفتيات وما يجب أن يرافق دلك من قوانين وآليات حماية المجندات حتى لا يتحولن لجواري في المعسكرات عوض تعزيزهن نفسيا وجسميا. دلك التعزيز الذي يجب أن يبدأ بتوعية الفتيات وكدلك الفتيان، بدقة المرحلة الانتقالية التي يعيشها المغرب، والتي على أهميتها، يمكن أن تؤدي إلى انحرافات ومشاكل اجتماعية، إذا لم يتم استيعابها بالشكل الصحيح.
ومن الواجب المؤكد كدلك، تحسيس الجميع بأن النضال من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ومساواتها بالذكر في الحقوق والواجبات، لا يعني الدعوة للانحراف وفتح أبواب التسيب وإلحاق الأذى بالذات والأسرة والمجتمع. فالحقوق كما يعرفها أصحاب الاختصاص هي تلبية حاجيات الإنسان الضرورية من أجل العيش بكرامة في إطار مبدأ الحق والواجب. وأول واجب هو احترام القانون. والقانون هو الذي يحمي الإنسان من الأذى. وبالتالي فكل ما يمكن أن يلحق الأذى بالإنسان هو خروج عن القانون.
وخلاصته هي، أن الإعلان عن التجنيد قد أغفل مسألة التوعية والتحسيس من أجل تقريب المجتمع واطلاعه على سلامة طبيعة سياق قانون التجنيد الإجباري وملاءمة ظروف التجنيد حتى يحظى دلك القانون بالقبول والتثمين. بل كان الأمر سيكون أفضل لو أدركت فئة واسعة من المغربيات والمغاربة بأن تجنيد الأنثى هو خطوة جريئة في مسلسل الإصلاح والتنمية التي يخوضها المغرب. وأن طرحه في هذا الوقت بالذات سيكون له وقع جيد على المجتمع المغربي لأن آراءهم حول مجموعة من النقط التي كانت موضوع خلاف فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين ستتقارب.
ودون أن ننسى، لا بد وأن يعرف المغاربة، أن إعفاء المرأة من التجنيد سابقا، كان ورقة ضغط قوية يلوح بها معارضو المساواة ويتخذونها ذريعة لطمس كل ما تقوم به الأنثى من مهام ومسؤوليات تفوق أحيانا مسؤوليات الجيش ومشقتها وخطورتها، بغرض حرمانها من مجموعة من الحقوق بدعوى أنها ضعيفة وجبانة ولا تقوم بالمهام العسكرية سندا للقولة المأثورة عن فئة من المحاربين عهد الرسول (ص): (كيف ترث من لا تركب الفرس ولا تحمل السلاح ولا تحرز على الغنيمة؟).
وأفضل ما يمكن أن نختم به هي شهادة، ربما يجهلها أو يتجاهلها مرابطو الأبراج العالية، بأن المرأة المغربية الشعبية تتربى على حياة أكثر قساوة وانضباطا من الجندية. فلا خوف عليها من مشقة الجندية مثلها مثل شقيقها الذكر، فقط أن تكون شروط التجنيد تحترم مبدأ الكرامة وتراعي مستقبل المجندات والمجندين معا.
إضافة إلى أن المشقة والعناء في العمل –بمقدار- والانضباط والجدية والكفاءة في القيام بالمهام والمسؤوليات، هي أمور تعود بالخير على صحة وسلامة الإنسان وعلى نمو وتقدم البلدان ولنا في اليابان والصين عبرة.
فلتكن هده القيم مشتركة بيننا جميعا دون أي تمييز. ولنسيد القانون ونحارب كل الأمراض الاجتماعية من أجل مغرب سليم وآمن وقوي.