مسار التمييز الجندري وموقف الأنثى، المغرب نموذجا.


يامنة كريمي
الحوار المتمدن - العدد: 4980 - 2015 / 11 / 9 - 01:26
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

مسار التمييز الجندري وموقف الأنثى، المغرب نموذجا.
21 juin 2012, 13:20

إذا ما تتبع الدارس مسار حياة امرأة عادية في مجتمع ذكوري كالمغرب، من طفولتها إلى شيخوختها سيفاجأ لكثرة عدد محطات الرفض والاحتجاج والتمرد التي تغطي ذلك المسار. و ليتصور كم سيصبح ذلك العدد على مدى التاريخ الذكوري الذي يربطه العارفون ببداية الحضارة. ولكي نقرب القارئ من هذه الحقيقة الاجتماعية التاريخية سوف نحاول التوقف عند بعض هذه المحطات التي تعتبر شواهد حية على تجدر التمييز الجندري في المجتمع المغربي.

يبدأ التمييز الجندري منذ العلم بطبيعة الجنس وبداية الاستعداد لاستقباله. لكن لكون الموضوع يرتبط بوعي المرأة بذلك التمييز ورد فعلها, سنبدأ من مرحلة الطفولة كمحطة أولى, حيث سنأخذ الملابس واللعب وطبيعة تصرف الآباء وتواصلهم مع الأبناء- طفل/طفلة, كمعايير لدراسة وتفسير ظاهرة التمييز الجندري ورفض الطلفة لذلك.

فبالنسبة للملابس, تخصص الفساتين من القماش الحريري أو ما شابه للفتاة, وتكون ذات ألوان زاهية ومشرقة. وتخصص السراويل و"الشورطات" للأطفال, وتكون من القماش القوي وذات ألوان داكنة.... ومن الملاحظة الأولى يمكن أن نعرف بأن ملابس الطفل تسهل عملية الحركة وتتحمل الأوساخ ولا تتمزق بسهولة على عكس ملابس البنت. أما فيما يتعلق باللعب, فإن الطفلة تكون لعبها على شكل بيت صغير ودمية أو دمى ومطبخ وأواني وأدوات الزينة وآلة خياطة... في حين تكون لعب الطفل على شكل كرة ومسدس ودراجة وسيف وسيارة وطائرة ودمى للأبطال الأسطوريين ... وبالتالي فلعب البنت لا تتطلب أكثر من ركن صغير من البيت ومهمتها هي تزيين الدمى أو العرائس استعدادا للعرس وتنظيف وترتيب البيت والمطبخ وإعداد الأكل والحلويات... وذلك تحت مراقبة أمها وتوجيهها بل ضبطها. و هي غالبا ما تمنع من اللعب خارج البيت بدعوى عيب وحشومة... أما الطفل فإنه يلعب في كل أرجاء البيت و حتى الأماكن المحرمة مثل غرفة الضيوف...ويجري ويقفز ويصدم ويكسر ويلطخ ويصرخ ويتصارع مع أبطاله الخياليين...لكن نادرا ما يتم التدخل من طرف الأم من أجل تحديد مجال اللعب، لأن ذلك في اعتبارها يدخل في إطار لعب الأولاد الذين هم صعاب المراس بالفطرة. وبعد تجاوز السنوات الأربع الأولى يسمح له بالانفتاح على العالم الخارجي, فيبدأ باللعب في باب البيت ثم يوسع مجاله ليشمل ساحة الحي وبعد ذلك ساحة الحي المجاور.

فإذا تمعنا في هذه المعطيات سنلاحظ بأن طبيعة لعب الطفل تدفعه للتنقل والحركة وتمكنه من مجال واسع وغير محدود للعب يساعده على ذلك طبيعة ملابسه وتسامح وتساهل الآباء معه ... أما طبيعة لعب الطفلة فتدفعها للجلوس في مكان ضيق ومحدود في جو من الركود والخمول تقلد أمها في كل حركاتها وسكناتها. ومن تمة يكون توجيه الطفل للحرية والانطلاق ويتم تمكينه من كل الوسائل والامكانيات لتحقيق ذلك. بينما تدرب الطفلة على الثبات في المكان الضيق وتتعود على التطلع للزواج على أنه مشروع العمر وتنشأ على كل أساليب الطاعة والامتثال. لكن الطفلة ورغم صغر سنها فبحكم الفطرة ترفض تلك الوضعية وتحتج عليها بما لديها من إمكانيات. فلا يوجد أحد في المجتمع الذكوري لم يسمع ابنته أو أخته في سن مبكر جدا, تقول صارخة وباكية: لماذا هو له الحق في أن يلعب بكذا وكذا وأنا لا؟ لماذا تسمحون له بالخروج وأحرم أنا؟ لماذا تعاقبونني على فعل كذا وكذا وهو لا؟ لماذا هو الذي يرافق أبي وحتى أمي إلى مكان كذا وكذا وأنا لا؟ إنها أسئلة واحتجاجات سمعناها جميعا لكن نادرا ما فكرنا في أسبابها وعواقبها. لأن الكل يعتبرها كلام صبيات مجبولات على البكاء في كل المواقف والحالات. فلا صراخ الطفلة ولا بكائها يجدي نفعا. بل بالعكس الهوة بين طبيعة التعامل مع الصبي وطبيعة التعامل مع الصبية تتزايد عمقا مع بداية المرحلة الدراسية, حيث يتوسع مجال وعالم الطفل ويزيد تسامح الآباء معه سواء على مستوى التأخر أو زيارة الأصدقاء أومزاولة مجموعة من الأنشطة والخوض في عدة تجارب مما يوسع آفاقه وينمي ويقوي جسمه وفكره ويغني معارفه وتجاربه . على عكس البنت فأنها تحاط بسياج من الخطوط الحمراء أو المحرمات مما يتولد عنه, في الغالب الأعم,ضعف بنيتها الجسمية ومحدودية قدراتها الفكرية وقلة تجاربها وبالتالي اختزال كل آمالها وتطلعاتها في الزواج والبيت اللذان يحاطان بهالة من القدسية وذلك لتشديد الحصار أكثر على المرأة و تطويعها لهدف الخضوع والتبعية للرجل.

فبشكل تقريبي هذا هو المسار الذي رسمه المجتمع التقليدي بالنسبة للفتاة من الطبقة الشعبية. لكن يشهد الواقع على أنه يحدث نوع من الانفلات بين وقت وآخر في هذه الفترة العمرية, كنوع من التمرد الذي يمكن أن يدفع الفتاة في اتجاهات عدة حسب ظروف وشروط لحظة التمرد. والتي إذا استثنينا منها الحالات الشاذة أو حالات الانحراف عن منظومة الأخلاق والقيم, نجد أن كسر المرأة المغربية لتقاليد العزل (الذي كان في البداية على شكل الإقرار في البيت وعدم الاحتكاك بغير المحارم) قد اتخذ إحدى الاتجاهات الثلاث التالية:

- الصنف الأول من النساء أو ما يعرف بالسلفيات، وهو تيار يحاول التوفيق بين السلف والعصر حيث السلفيات يعرفن بالاختمار و بالتبعية للرجل الذي يعتبر وصيا على دين المرأة ولو ظاهريا. لكنها استفادت من التعليم والتكوين والمشاركة في الحياة العامة. فهي ترتاد المدارس والجامعات حتى الأجنبية منها, وتقصد مقرات الأحزاب والنقابات ومجلس النواب والمقاهي والعلب الليلية ...لكنها تغطي شعرها أو جزءا منه وأحيانا تغطي شعرها وتكشف عن ذراعيها ومرة تغطي عنقها -النحر- وتكشف عن صدرها. المهم أنه هناك عدة أشكال من الاختمار يصعب عدها أو حصرها على الأقل في المغرب.

- أما الصنف الثاني فهو الذي تمثله العلمانيات و يشمل النساء اللواتي لهن اقتناع بالمساواة بين المرأة و الرجل على جميع المستويات ويعتبرن الاختمار ليس لباسا مقدسا بل مجرد عادة توارثها الناس عن عهود البطولات وأنه إهانة لكل من المرأة والرجل. وعلى الرغم من إيمانهن بالمساواة في الحقوق والواجبات وإصرارهن على تحقيقها فإنهن يلتزمن بالبيت ومسؤولياته أكثر من الرجل كنوع من تقسيم المهام لكن دون تحقير أو إهانات...

-الاتجاه الثالث وهو الذي تمثله المرأة التي ترى في أن المساواة يجب أن تكون كاملة ومطلقة داخل البيت وخارجه وعلى جميع المستويات وبدون خطوط حمراء...وهذا الصنف هو الذي يعتبر محط انتقاد بدعوى أنهن أصبحن مترجلات وأن انفتاحهن الكلي على الحياة العامة قد أساء لسيرتهن. لكن من جهتهن يرين بأن ما لا يسئ للرجل لا يسئ للمرأة والقول بعكس ذلك هو التمييز الجندري