جيل الثمانينات


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4982 - 2015 / 11 / 11 - 20:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

جيل الثمانينات

قالت أروي صالح أحد رموز جيل السبعينات عن جيلها أنه جيل المبتسرين . المشروع الذي ولد لكنه لم يكتمل لكن كان هناك مشروع ما . تمرد علي جيل الأربعينات و انفصال عنه و بني تصور ماركسي جديد عن عالم دول الأطراف التي أخذت تنسحب من الاستقلال للتبعية. فجيل السبعينات المبتسر أنفصل عن جيل الأربعينات ذو الحضور الطاغي و قدم نقدا حاد له و مشروع جديد لنهوض اليسار علي أساس من الرجوع للأسس. أما جيل الثمانينات فلا أحد يذكر عن الثمانينات سوي الجماعة الإسلامية و تنظيم الجهاد يحاربون قوات الأمن في الصعيد و عودة أشد صور اليمين قتامة و دوله الاستبداد و الفساد و الهجرة . فلم يتمرد جيل الثمانينات علي جيل السبعينات لم ينقد مشروعه و لم يرضي عنه في نفس الوقت فقد جاء في عصر أفوله.

و جيل السبعينات لم يكن له ذكاء خاص أدي به لتقديم مشروع و الانفصال عن الأربعينات و لكنه جاء مع ميلاد حركة اجتماعية ضد الهزيمة و أنتهاء المشروع القومي فحملته معها و قدم هو لها الرؤية المبتسرة. و هي مبتسرة بالذات لأنها لم تتواصل في الثمانينات. مع تصاعد الهجوم الرجعي في العالم و تصاعد اليمين الديني فبينما السبعينات محظوظا بالمجيء مع الصعود الجماهيري فالثمانيات متعوسا بالمجيء مع الركود الاجتماعي و الرجعية فعاش جيل الثمانينات في حضن جيل السبعينات خاصة و هو عمليا ينتسب له بشكل ما

مع الألفية الجديدة بدأت القوي الاجتماعية التي وصلت للثورة تتحرك. و هي القوي التي كانت موضوعيا تقف ضد عصر العولمة و طغيان الرجعية المحلية و العالمية و في هذا الوقت أسقط في يد جيل الثمانينات تماما . فلا مشروع جاهز لتصدر هذه الحركة الاجتماعية الجديدة و لا جيل السبعينات الأبوي جاهزا ليقدم حلولا جديدة و رؤية جديدة و قد تكلس حول مشروعه المبتسر و الاثنين – الثمانينات و السبعينات – في متاهي الهجرة و ضرورات الحياة و ضرورات الكسب من العمل في المنظمات الجديدة التي سميت ظلما منظمات المجتمع المدني.

لكن جيل الثمانينات وجد أخيرا فرصته للتمرد علي شقيقه الأكبر بأن يلتحق ب "الشباب" و هكذا أصبح شعار "لن أعيش في جلباب أخي الأكبر" إلي "سأعيش في جلباب أخي الأصغر" و فعلا لعب جيل الثمانينات دورا مهما في الثورة لكن دون رؤية و دون مشروع و دون فهم للثورة طالما أن التيار الديمقراطي هو السائد فيها. و بالتأكيد كان هناك من ينظرون لأن البرجوازية الصغيرة الديمقراطية هي اليسار الجديد بينما لا صلة لها به . فاليسار تمرد علي المجتمع الرأسمالي و هذا الديمقراطي هو شكلا منه. و السنوات التالية للثورة هي سنوات تألق جيل الثمانينات و ها هي قد مضت. و الثمانينات و قد خرج من عباءة هذا لذاك لم ينجح في بناء فكرة جديدة. أما جيل السبعينات الذي تجمد بدأ يغادر الساحة إلي المقابر فكريا و عمليا. فأنتهي الجيل المبتسر و تصدر المشهد الجيل الذي لم يولد.

جيل الثمانينات وجد نفسه في الموقع الأول بينما لا يملك بوصلة جديدة و الأخ الأكبر غائب فصب غضبه عليه بدء من التخشب للحنجوري للتبعية لموسكو الخ الخ . و وفر له جيل السبعينات أيضا ذخيرة للغضب بالقصص المكررة عن ما حدث زمان و ما أصبح لا يناسب اليوم وصولا لتبعية قطاع من جيل السبعينات للنظام في سنوات الجفاف التي ولدت جيل الثمانينات. لكن يبقي جيل السبعينات مستقلا و لحد ما يساري و جيل الثمانينات تابعا و لحد كبير غير يساري.

و كلمة السر بين الجيلين الأخوة الأعداء هي "الأسقف المنخفضة" و تنويعاتها الكثيرة . فالثمانيات ترفض الأسقف المنخفضة و لا يلاحظ أنه هو من قبل بها أول الأمر حينما عاش في جلباب أخيه الأكبر ثم حينما كانت الثورة بالنسبة له مشروعا للرفض – لا للتمديد لا للتوريث – و ليس مشروعا للبناء و حينما حولها بعد قيامها لحركة احتجاجية بلا أمل سوي أن يتفضل النظام بأن يتنازل و يحقق بعض المطالب و حينما التحق بالإخوان في لحظة يأس من غياب مشروعه و من أن يحقق له المجلس العسكري بعض المطالب الثانوية . لم يلاحظ جيل الثمانينات أنه قاد الثورة في تجاه الأسقف المنخفضة حينما لم يتطلع للسلطة السياسية و حينما تحالف مع الإخوان و حينما ترك اليسارية للديمقراطية البرجوازية الوهمية و حينما ترك القوي الشعبية وحدها و لم يسعى لبناء بديل اجتماعي شعبي جديد. ففي غياب المشروع في غياب النقاش الفكري السياسي في غياب المعايير تصبح الأسقف منخفضة أكثر و أكثر. و لأن جيل الثمانينات سار وراء الشباب بدلا من أن يسير أمامهم لم يري الإمبريالية . لم يري اللاعب الأكبر في عصر السادات و مبارك و حتي اليوم. و لم يبقي لجيل الثمانينات سوي قصاصات الورق من نوع القوانين و الدساتير و شرعة حقوق الإنسان بدلا من القوي الاجتماعية الحية.

و حينما انتفض الشعب ضد المشروع الإخواني الأمريكي لم يجد جيل الثمانينات بدا من المشاركة فيه رغم غربته عنه. فهو لم يري الإمبريالية الأمريكية أبدا و نظر للإخوان باعتبارهم منحي ثقافي و ليس يمين ديني . لذا كان انتصار 30 يونيو بالنسبة لهم انقلاب . رغم أن ثورة يناير أعقبها حكم مطلق للمجلس العسكري و أنتصار 30 يونيو أعقبها حكم البرادعي و الحزب الديمقراطي الاجتماعي !! و هكذا أصبحا تدريجيا جيل الثمانينات و قد سحب عنه الغطاء الشعبي وحيدا و الأسقف تنخفض فوق راسه أكثر و أكثر و هو يصرخ لا للأسقف المنخفضة الأسقف التي خفضها هو ذاته . و ليس أمام جيل الثمانينات إلا أن ينقد تجربته و تاريخه نقدا موضوعيا عميقا و يعود للشعب و يحاول حتي أن يكون مبتسرا أو يري نفسه يتحول لطائفة متفسخة علي قارعة الطريق الاجتماعي. ليس أمامه سوي أن يحاول أن يرجع للماركسية و اليسارية التي جحدها يوما باعتبارها عفا عليها الزمن أو يظل يجري في أروقة المحاكم بحثا عن أوراق القانون . لم يبقي له سوي أن يدخل في نقاش جاد مع من بقي من جيل السبعينات بحثا عن حل متماسك أو أن يحبط مع من بقي من الشباب يلعن حظه العاثر ..

حسن خليل
11 نوفمبر 2015