الكاريكاتور و جنون اسمه الإسلام


سهيل أحمد بهجت
الحوار المتمدن - العدد: 4697 - 2015 / 1 / 22 - 23:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


منذ سنوات طويلة مضت، و أنا احاول نشر فكرة الإصلاح داخل الشريحة "المعتدلة" في الوسط المسلم. و يوما بعد يوم اكتشف أن ما كنت اعتقده "شريحة معتدلة" ليس سوى سراب و أن من يسمون أنفسهم بالمعتدلين ليسوا أقل تعصبا و همجية من أؤلئك الارهابيين. لقد نجحت جريدة (شارلي إيبدو) في تعرية و فضح العقل الإسلامي المريض و ذلك لأن الإسلام أثبت بما لا يقبل الشك بأنه الدّين الوحيد الذي يتناقض مغ الحداثة، الحرية و حقوق الإنسان. هذا الأمر لم يعد يقتصر على الارهابيين الوهابيين الذين ملأوا الدنيا زعيقا و عواءا بكاءا على "مظلمة" الكاريكاتور، بل انضم الشيعة – ضحايا الإرهاب السلفي – إلى قافلة الزعيق و العويل.
قد يغضب كثيرون، لا بل سيغضب كثيرون، لتسميتي للإسلام بالجنون، و هو على فكرة أخطر من جنون البقر و الأيدز و إيبولا معا، لأن هذا الجنون لا يريد أن يفهم أن أن الحرية هي أساس التطور و الحداثة و وعي الذّات! المسلمون اليوم – القاتل و المقتول و السني و الشيعي و الغاصب و المغتصبة و الذابح و المذبوح – كلهم يستنكرون ما نشرته صحيفة شارلي إيبدو و صحف أخرى من كاريكاتورات "تسيء" لنبي الإسلام. حتى أؤلئك الذين كانوا يطبّلون و يزمرون على أنهم معتدلون كالأستاذ علي السراي : رئيس المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب، أصبحوا يشجبون "العمل الإرهابي الذي قامت به صحيفة شارلي إيبدو"!
ما لا يفهمه المسلمون – ضحايا التدين الجبري طوال 1400 عام – أن الحرية لا تقبل المساومة، لأن هؤلاء المسلمين سبق و أن هددوا بقتل الكاتب البريطاني سلمان رشدي و روايته "الآيات الشيطانية" و كان الفقهاء السعوديون و فقهاء إيران و دول عربية عدة يتنافسون في إصدار فتاوى القتل بحقه. المسألة لم تعد محصورة في الكاريكاتور، فالاضطهاد بسبب الرأي أصبح وصمة في جبين كل مجتمع مسلم مهووس بهذا الدين الحربي، و بدلا من توجيه الأنظار إلى جرائم داعش و بوكو حرام و الطالبان و السعودية ، التي قامت مؤخرا بجلد الصحفي رائف بدوي، فإن إيران وجهت كل الانظار إلى جبهتها ضد إسرائيل، اللبرالية الوحيدة في الشرق الأوسط.
يزعم بعض المسلمين أنه يجب احترام – مشاعر المسلمين الدينية – و أنه لا يحق للغربيين الاستهزاء بدينهم، المتناقض في هذا الادعاء هو أن القرأن و الإسلام نفسه يستهزيء و يستنكر أديان و معتقدات الآخرين، كالمسيحية و اليهودية، و بالتالي أليس الواجب الآن هو منع نشر الإسلام و القرآن بالمنطق نفسه؟
الحرية هي أمر متكامل و أي محاولة لتحديدها هو إنهاء للحرية نفسها. إما أن نقبل الحرية ككل أو نرفضها ككل و هذا إن حدث فإن كل المنجزات الإنسانية ستنتهي و سيعيدنا الإسلام إلى عصر بول البعير و الاستنجاء الحجارة و الكتابة على الرقاع و العضام.
فلننظر إلى المسلمين في الغرب، هنا ينعمون بنعمة الحرية و يقومون بدعوة "الكفار"! إلى دينهم و بدون أي مشكلة. المشكلة تبدأ حينما يقوم هؤلاء بفرض مواقف معينة على الآخرين بحجة "أنه ليس من الحرية شتم الآخرين"! يتناسون هذه الآيات:
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ – المائدة 16
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ – المائدة 72
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – المائدة 73
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ – التوبة 30
أليست هذه الآيات – و غيرها – مهينة لأديان و معتقدات الآخرين؟ هل سيقوم المسلمون بحذف أو شطب هذه الآيات احتراما للآخرين؟ طبعا لن يفعلوا، لأن دينهم يتعامل مع الآخرين بمنطق فاشي فوقي يقوم على الهيمنة و السيطرة، و هذان مصطلحان قرآنيان يتحكمان في صميم العقل المسلم المصاب بداء التعالي و السيطرة على الآخرين.
التساؤل هنا هو: ما الحل؟
الجواب قد يكون غير شاف و مقنع لأننا بالفعل متجهون للمجابهة الشاملة بين المعسكر الإسلامي و معسكر الحرية و اللبرالية و يبدو أيضا أنه لا محاولات جدية لإصلاح الإسلام إصلاحا جذريا. فالمسيحية تلائمت مع اللبرالية بعد صراع مرير، كذلك اليهودية تحولت إلى فكر علماني بحت. بينما الإسلام هو الوحيد الذي يريد إرجاع الزمن للوراء و يضع شروطا و حدودا على العقل البشري بما يعيق المسلمين أنفسهم من تطوير الذات.