إنتخاب الرئيس ليس أولوية... إنقاذ الوطن وحاجات الشعب هما الأولوية


خالد حدادة
الحوار المتمدن - العدد: 4422 - 2014 / 4 / 12 - 11:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الكل يتحدث هذه الأيام، ويكتب، عن الاستحقاق القادم... سياسيون ومحللون ورجال دين وعامة الناس، تحولوا للضرب في المندل، ومن هو أكثر جدية فيهم لا يتجاوز الحديث عن "المواصفات"، مواصفات الرئيس العتيد الذي عليه إنقاذ البلاد، معتقدين أنه شمشون الجبار، بمواصفاته هذه التي يضعها البعض، بوقار وجدية وربما بقناعة أنها ستتحول إلى معيار لاختيار الرئيس العتيد...

وفي كل مرة يتحدث فيها أحدهم، عن هذه الانتخابات، ينسى أنها ليست المرة الأولى التي يُنتخب فيها للبنان رئيس. لا يعرف في أغلب الأحيان من ينتخبه، اسمه، إلا في الساعات الأخيرة أو في أحسن الأحوال الأيام الأخيرة.

وينسى هذا البعض أيضاً، أن مواصفات الرئيس الموضوعة، جرّبت عشرات المرات. فمن حيث الشكلمر على لبنان، الرئيس القوي والرئيس الضعيف قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان. الزعيم والدبلوماسي والشاعر... كلهم يبدأون بصفات ومواقع وينتهون بأخرى...

منهم من حاول صادقاً إدخال تغييرات جدية في النظام اللبناني وفشل أو تخلى أو أفشل...

الثابت الوحيد في الممارسة هو انتظار القرار الخارجي، وبشكل خاص توافر الظروف الإقليمية- الدولية لاختيار رئيس، وإذا ما كانت هذه الظروف غير مساعدة، تُؤجل الانتخابات إما للتمديد غير الشرعي، أو باتجاه الفراغ الممهد لحالة أمنية تستدعي مجدداً التدخل الخارجي والمؤتمرات الخارجية من الطائف إلى الدوحة...

الهاجس الوحيد الثابت، عند البرجوازية اللبنانية وممثليها من الزعامات الطائفية أو رجال الدين، هو جعل النقاش دائراً حول المواصفات والشكليات، حتى لا ينفذ أحد إلى طرح المشكلة الحقيقية... الهاجس الوحيد لديهم، لدى زعامات الداخل، دينية وسياسية، الحفاظ على النظام الطائفي، بانتظار العوامل الخارجية المساعدة... والكل عند هذا الحد، يتحولون الى "واقعيين"، يتركون روح المبادرة والجرأة والمغامرة، التي يمتاز بها بعض خطاباتهم والداعية الى التغيير والإصلاح والى عقد مؤتمر تأسيسي وإعادة البحث بالصيغة التي أورثت الكوارث للبنان واللبنانيين، يتركون كل ذلك ويتحولون الى عقّال وواعظين داعين للتحابب والواقعية والالتزام بموجبات النظام الطائفي إياه.....

**********

إنه الإنتظار...

الأوضاع الإقليمية لا تساعد هؤلاء في إنتاج الرئيس العتيد، الوضع السوري الميداني ساعدهم في إنتاج حكومة بعد أشهر عشرة وفي إنتاج خطط أمنية، واضح أنها حاجة إقليمية، يعيد فيها الأطراف بحث نتائج الوضع الميداني الجديد في سوريا وينتظرون معها نتائج المفاوضات الجارية في الظل بين أطراف الصراع من واشنطن الى السعودية فإيران وإطلالة على أوكرانيا...

إنها إذن، حكومة إدارة الفراغ، التي تشكلت وليست إدارة الأزمة.

إدارة الفراغ، المفتوح بنهاياته على كل الإحتمالات. من إحتمالات التوافق الى إحتمالات التدخل الخارجي المباشر لفرض رئيس جديد للجمهورية...

الثابت الوحيد في هذه الاحتمالات وعند كل القوى وأطراف البرجوازية والأحزاب الدينية والطائفية، الحفاظ على أسس نظام المحاصصة الطائفية ذاته...

والجميع في لبنان، مُتله بصناعة الكلام... حتى أن ترشيح سمير جعجع لنفسه، تعاملت معه الأطراف بالخفة ذاتها وجرى التلهي بالشتائم وبوصف ممارساته خلال الحرب الأهلية... نعم إن لدى هذا الرجل كم كبير من الارتكابات خلال الحرب، لعل أخطرها كانت عمليات الاغتيال التي تورط بها وبشكل خاص لرجال كبار مثل رشيد كرامي وطوني فرنجية... لكن الأخطر في هذا الترشيح، ليس الشخص، خاصة وأن معظم مسؤولي البلد لديهم بعض صفاته خلال الحرب الأهلية، الأخطر هو ما قد يرتبط بهذا الترشيح من احتمالات، أبرزها تكرار تجربة ترشيح بشير الجميل ومن ثم انتخابه بعد احتلال إسرائيلي مُحتضن أميركياً ومغطى من الرجعية العربية والبرجوازية اللبنانية... قد يقول البعض إن هذا الاحتمال غير وارد ومن كان يعتبر عام 1982 ترشيح بشير الجميل جدياً؟؟

نعم هذا الاحتمال موجود، طالما احتمالات التدخل العسكري الخارجي في الأزمة السورية وبالتالي لبنان، قائمة وموجودة... والبحث والتصدي يجب أن ينطلق من هذه الاحتمالات، بدءاً من السعي للدفع بالحوار السوري الداخلي الى نهاياته الإيجابية، بديلاً عن الحلول العسكرية- الأمنية والرهان عليها...

وفي لبنان يجب أن ينطلق البحث، بضرورات التغيير السياسي وإنقاذ الوطن...

***********

في الاستنتاج، الأولوية ليست في انتخاب رئيس جديد لجمهورية الطوائف وأمرائها ولجمهورية التبعية بالمفرق للخارج، ولجمهورية إنتاج الحروب الأهلية...

الأولوية ليست في انتخاب رئيس لجمهورية لا يتوافق زعماؤها إلا على تهجير فقراء المدن وخدمة أصحاب رأس المال من شركات عقارية ومصارف...

لا يتوافق زعماؤها إلا على محاولة إجهاض العمل النقابي الوطني الذي مثلته هيئة التنسيق النقابية ومحاولة الالتفاف على حق الموظفين والمعلمين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين....

لا يتوافق زعماؤها إلا على إنكار حقوق المرأة والشباب...

لن نكون واقعيين، بمعنى الخضوع لما هو قائم، الأولوية في مواجهة التحديات، الوطنية والاجتماعية، هي في إنقاذ الوطن...

الفراغ الخطير بفعل النظام قد يتجاوز انتخابات الرئاسة الى وضع مجلس النواب نفسه... ولذلك، الحل يكون فقط بتأمين موازين القوى لعقد مؤتمر تأسيسي لصياغة دستور جديد، من ضمنه قانون جديد للإنتخابات النيابية، على قاعدة النسبية وخارج القيد الطائفي والدائرة الواحدة وبعد ذلك تكون انتخابات الرئاسة...

لقد عاش البلد فترات طويلة، دون حكومة ومجلس ورئيس، ولم يكن الوضع أسوأ مما هو عليه بوجودهم... فلا تهولوا علينا بأولوياتكم التي هي فقط إنقاذ النظام والتضحية بالشعب والوطن...