سايكس بيكو (2) في مواجهة ثورات الشباب العربي


خالد حدادة
الحوار المتمدن - العدد: 3391 - 2011 / 6 / 9 - 11:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

تحية الى الرفيق د. خالد فوعاني

امتازت الأيام الماضية، بازدياد التوتر في اكثر من بلد عربي من جهة، وبازدياد الوضوح في مسار الصراع الذي تحدد نتيجته الحالة الانتقالية في منطقتنا. وبين هذين الحدين ازدياد عدد الشهداء والجرحى وضحايا العنف والقمع والعمليات الأمنية المتبادلة، مع إصرار شعبي في أماكن متعددة على عدم استبدال الحراك الشعبي العربي بموجة من الصراع والاقتتال الداخلي يلغي وهج الثورات الشعبية، التي كانت تونس ومصر عنوانها البارز..

وإذا كان الثابت الأول والأساسي هو انهيار النظام الرسمي العربي في اطره العامة والخاصة وانهيار المرحلة الأكثر سوءاًً في تاريخ العرب، تلك المرحلة التي لعبت فيها الأنظمة العربية دور الحامي لأمن الكيان الصهيوني والمعطل لمقاومته من جهة، ودور التابع المستجدي للولايات المتحدة الأميركية والراشي لها لضمان الاستقرار في بقاء اصحاب الجلالة والسيادة على صدور مواطنيهم من جهة أخرى...
إذا كان هذا هو الثابت الأول، فالواضح أن عملية البديل بدأت تأخذ أبعاداًً خطيرة من الصراع... فالولايات المتحدة والغرب تنبها لخطر استمرار مسار الثورات الشعبية على الطريقة المصرية والتونسية لأنها أولاًً تعيد العرب الى خارطة السياسة العالمية وبشكل خاص تؤسس لمرحلة جديدة من الصراع العربي ـ الاسرائيلي ولمرحلة جديدة من تعاطي العرب مع ثرواتهم في ظل أزمة الرأسمالية العالمية والحاجة الماسة لهذه الثروة من اجل منع اقتصاديات الدول من الانهيار، ولم يكن أوباما موارباًً بل كان صريحاًً عندما حدد منطلقاته السياسية بأهمية الشرق الأوسط (والثروات) بالنسبة لمصير الولايات المتحدة ووجودها وليس فقط لأزمتها الاقتصادية وتجاوزها...
إن التنبه لخطر «الثورات العربية» دفع الغرب وخاصة الولايات المتحدة لإطلاق الهجمة المضادة المتنوعة الأدوات، المحاولة للاحتضان كما في مصر وتونس، والعنيفة والمدمرة، كما في ليبيا، بالتدخل المباشر وغير المباشر كما في اليمن والبحرين والاستفادة من السياسة الحكومية وتجميع عناصر الخطة كما في سوريا، ورسم الأدوار ووضع الشروط الدقيقة لتنفيذها كما في الخليج العربي، وعلى ما يبدو في تركيا...
[[[[
وبهذا تتكون صورة الهجمة المضادة وأطرافها، ثلاثة أطراف أساسية ومباشرة ورابع غير مباشر..
أميركا والناتو كطرف مقرر ومخطط (ومنفذ إذا اقتضى الأمر) والخليج العربي وتركيا كقوى منسقة وداعمة ومروجة بكل الوسائل وممولة بشكل خاص، وقوى داخلية في كل بلد تتمثل أساساًً بتحالف مصالح البرجوازية المحلية المرتبطة بالنيوليبرالية مع ما يسمى قوى الاسلام المعتدل، السني منه في معظم الدول، وشيعته في العراق، تضامن سياسي للتحالف الخارجي ولقوى البرجوازية المحلية...
أما الطرف غير المباشر فهو الأنظمة العربية، التي حاولت استعطاف هذا الخارج واستمرت في تجاهل مطالب شعوبها وقمع التحركات الشعبية، معتمدة خيار التنازل للخارج كاحتمال ممكن، ورافضة التجاوب مع المطالب التي ترفعها الحركات الشعبية.
[[[[
على ضوء هذه الخارطة يمكن النظر الى الوضع الخطير في سوريا اليوم. البداية مع مطالب شعبية محقة رفعها معارضون ديموقراطيون معظمهم في الداخل السوري، وربما لم يتعرفوا على شهود العيان ولجان «حقوق الانسان»، مطالب لا يمكن وصفها بالإصلاح بل هي في الحقيقة مطالب تغييرية على المستويين الاقتصادي والسياسي، فتعديل المادة الثامنة من الدستور وقانون تعددي للأحزاب وقانون انتخاب على اساسه، ليست مسحة تجميلية، كما يحاول بعض معارضي الخارج تصويرها، بل هي تغيير وتطوير حقيقي على طبيعة النظام القائم على حكم الحزب الواحد وعلى الدور السياسي للأجهزة الأمنية وعلى تحالف هذه الأجهزة مع مشاريع الاقتصاد النيولبيرالي وإضعاف النظام العام...
رصاصتان أصابتا هذا المشروع، الأولى هو اعتماد سياسة القمع والاعتقالات، وبشكل خاص ما جرى في درعا مع بداية التحرك وغياب المحاسبة المباشرة عليه، والثانية تبلور التحالف الخارجي والداخلي في مطالب هي في شكلها مغلفة بالاصلاح وفي جوهرها ليست مطالب اصلاحية بل هي اشتراطات تستهدف، أقله من قبل اميركا والغرب، وحدة سوريا وموقفها من القضية الفلسطينية....
إن تشكيل لجنة الحوار هي خطوة ضرورية وإن كانت متأخرة، ولكن المطلوب اليوم هو الاسراع في عمل هذه اللجنة وانفتاحها على شريحة واسعة من ممثلي الشعب السوري وبشكل خاص على المعارضة الوطنية والديموقراطية، فالتحرك الشعبي قادر على التعاطي الايجابي مع هذه الخطوات، والذي يعيق هو المزيد من الشهداء الذين تجاوزوا المئات من ابناء الشعب السوري وجنوده وقواه الأمنية، والتباطؤ في المعالجة سيجعل سرعة التدخل الخارجي والتآمر أكبر من امكانيات العلاج..
إن في الأفق السوري مطالب محقة من قبل الشعب وقواه الديموقراطية، من جهة، وضغوطاًً من أجل التنازل عن موقع سوريا والالتحاق بركب المشروع الأميركي على المستويات السياسية والاقتصادية من جهة أخرى... لذلك فالجدية في التعاطي مع المطالب المحقة تحصن سوريا من الوقوع في أحد الشرين المطلقين: إما الأضطرار للتنازل أمام المشروع الأميركي أو الوقوع في براثن حرب أهلية تهدد وحدة سوريا ومعها وجود لبنان...
[[[[
وفي ظل هذه المرحلة الانتقالية، مرحلة صراع طموح الجماهير العربية مع مظاهر النسخة الثانية من سايكس ـ بيكو... يعيش لبنان مرحلة متطورة من انهيار الدولة واحتمالات تحلل الوطن.. عجز عن تشكيل الحكومة، حتى ما سمي منها حكومة اللون الواحد.. غياب رأس حكومة تصريف الأعمال وتأكيد ان مصالح المواطنين والوطن ليست على جدول أولويات القوى السياسية المتحاصصة لمواقع البلد.. خلاف على دستورية عقد مجلس النواب للبت في مشاريع قوانين عديدة.. وليس ذلك فقط بل الأخطر، بعد تحاصص الإدارة وفقدانها الكامل لاستقلاليتها، تثبيت منطق التحاصص باتجاه الأجهزة الأمنية مما ضرب وحدة معظمها..
في ظل هذه الظروف الاقليمية الخطيرة... تنهار اسس الدولة وينهار معها وهم البعض بإمكانية بناء الدولة في ظل النظام الطائفي... أو في أضعف الإيمان امكانية تحسين شروط العمل الحكومي في ظل هذا النظام، مما يطرح أمام القوى الوطنية والديموقراطية في لبنان جدوى مشاركة بعض الشخصيات الديموقراطية غير الطائفية في تكوين الحكومة، وايضاًً مدى جدوى مشاركتها في الانتخابات النيابية في ظل قوانين تجدد للنظام الطائفي.
وفي مقابل هذا الانهيار، تتعزز على المستوى السياسي ـ الاجتماعي عملية الاستقطاب الطائفي والتمترس خلفها... فها هي مواقف رئيس الحكومة المكلف تجد مبررها، ليس في مصلحة الشعب والدولة، بل في ضوابط اجتماع المجلس الشرعي ـ الاسلامي وها هي بكركي تستنفر لطرح قضية مصلحة المسيحيين من زاوية ضيقة، لم تثبت جدواها لا على المستوى العربي ولا على المستوى اللبناني، فمصلحة المسيحيين، كما السنة والشيعة، لا يمكن ان تتحقق عبر التعامل معهم كفريق مختلف، بل بالتعامل معهم كمواطنين. وحق المواطن في لبنان سواء كان مسيحياًً أو مسلماًً هو حق ضائع على المستوى الوطني والاجتماعي، هو حق مهدور ولذلك فضمان حقوق الجميع يكون ببناء الدولة الديموقراطية العلمانية وليس بالبحث عن حقوق وهمية لرعايا مختلفين..
وكذلك المجلس الشيعي يصرخ في وادي المباراة الطائفية عبر تركيزه على صلاحيات رئيس المجلس «الشيعي» وتعاطيه مع الطائف على هذا القياس..
إنها بوادر الانحلال.. عجز النظام وأدواته وقواه عن تجاوز هذه الأزمة...
هل هو المأزق؟
طبعاًً هي الأزمة.. ولكن اليأس ممنوع وقاتل..
في غياب الرهان على قوى النظام ومؤسساته المتحللة، لا يمكن إلا التوجه مباشرة الى قوى المجتمع اللبناني، الى الشباب والنساء، الى هيئة التنسيق التربوية ونقابات المهن الحرة والعمال، والى مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ديموقراطية وبلديات وجمعيات وشخصيات ثقافية وفنية... هذه القوى أو بعضها مدعو اليوم الى دور حاسم، يتمثل بقدرته على تشكيل قوة شعبية ضاغطة تعيد الروح الى الحراك الشعبي، عبر خطوات مشتركة للضغط وتأمين أجواء تحصين الوطن من تحلل النظام والدولة..