كلمة تقدير ومحبة لروح د. جابي برامكي


بسام الصالحي
الحوار المتمدن - العدد: 3838 - 2012 / 9 / 2 - 09:43
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

لا يستطيع كل من عاصر د. جابي برامكي وعرفه عن قرب في حقل نشاطه الاكاديمي والاداري والتربوي والعام الا ان يشعر بخسارة فقدانه وغيابه عن هذه الدنيا.
ولا شك ان الحس الديموقراطي الوطني العميق والاصيل، هو ابرز ما ميز ممارسة وسلوك هذا الرجل، وما كان يرافق ذلك من حكمة وطول بال في التعامل مع التحديات التي واجهها في ادارته لجامعة بيرزيت والتعليم العالي في مراحل حساسة وهامة من التجربة الكفاحية الخاصة للجامعات الفلسطينية.
لقد كانت الجامعات الفلسطينية والحركة الطلابية مركزا للنشاط الوطني والديموقراطي الفلسطيني ومسرحا لتعزيز وتطور العديد من الاطر الكفاحية والجماهيرية، وكانت هدفا للاجراءات الاسرائيلية المتواصلة التي شملت اغلاق الجامعة لاشهر طويلة ولمرات متعددة كما شملت اقتحام الجامعة واعتقال طلبتها واطلاق النار عليهم، وحظر العديد من الانشطة والفعاليات والتهديدات المستمرة بالاجراءات المتنوعة ضد الجامعة.
ولا شك ان كل من عاصر هذه الفترات يذكر شيئا من سلوك ومواقف الدكتور جابي برامكي في التعامل مع هذه التحديات، ويجب ان يسجل له بشكل خاص ولادارة الجامعة والعاملين موقفهم الرافض لتطبيق القرار الاسرائيلي المعروف بـ854 والاصرار والدهاء الذي اديرت به هذه المعركة الوطنية بامتياز، ولكنني من واقع تجربتي الشخصية كرئيس سابق لمجلس طلبة جامعة بيرزيت بين عامي 1979-1981 مع د. جابي لا بد لي ان اسجل باعتزاز بعض المواقف الخاصة التي لا تنسى، منها تجاوب الدكتور جابي مع مطلب غير عادي تقدمنا به في حينه لافشال تعمد سلطات الاحتلال اعتقال بعض نشطاء الطلبة الوطنيين في موعد امتحانات التوجيهي بهدف حرمانهم من النجاح والتحكم بمستقبلهم، حيث تم الاتفاق على قبول هذه الحالات واحتساب ساعات دراستها الجامعية بالتزامن مع نجاحهم في امتحانات الاعادة للتوجيهي في العام او الاعوام التالية، كما تم الاتفاق على اعطاء وضع تفضيلي لقبول الاسرى المحررين في الجامعة، وبتمثيل مجلس الطلبة في لجنة القبول في الجامعة، وفي تثبيت نظام للمنح الطلابية للغالبية الساحقة من ابناء الطبقات الشعبية، وغير ذلك مما تحقق من انجازات في جامعة بيرزيت.
ولا يمكن ان انسى تلك الحادثة التي برز فيها اختلاف بيننا في مجلس الطلبة وادارة الجامعة حول تنظيم احد ابرز انشطة الجامعة في حينه وهو اسبوع فلسطين، حيث هدد الحاكم العسكري باغلاق الجامعة في حال الاصرار على عقد هذا النشاط ورأت الادارة ان من الافضل تأجيل هذا النشاط واصر المجلس على عقده، وقامت سلطات الاحتلال باعتقال بعض اعضاء المجلس والطلبة عند توزيع بوستر حول اقامة اسبوع فلسطين، واثناء التحقيق معنا اصرينا على ان مسؤولية هذا النشاط هي لمجلس الطلبة وان لا دخل للجامعة في ذلك ردا على محاولات الحاكم العسكري تحميل المسؤولية لادارة الجامعة تمهيدا لاجراءات ضدها، كي نفاجأ بعد ذلك ان د. جابي موجود في مقر الشرطة الاسرائيلية ويطالب باطلاق سراح الطلبة على اساس ان الجامعة هي المسؤولة عن مجلس طلبتها وانشطة الجامعة وانه يرفض احتجاز طلبتها ومجلسها فيما يخص انشطة داخل الجامعة.
لا يمكن تذكر كل القضايا الخلافية التي رافقت علاقة مجلس طلبة وادارة جامعة ولكن ما يرسخ في الذاكرة هو ان ان تعامل د جابي مع كل هذه القضايا كان تعاملا ديموقراطيا تربويا وابويا بامتياز، واذا كان هناك ما يمكن تسميته عن حق بـ"روح بيرزيت" كتعبير عن روح الوطنية والانتماء والتعدد والتسامح والديموقراطية وحق الاختلاف والانفتاح الفكري، وحق النضال الديموقراطي، فان "روح بيرزيت" هذه هي محصلة عميقة لتجربة غنية كان د. جابي برامكي من ابرز صانعيها وحماتها.