لقائي مع سعادة وزير سابق


هيفاء حيدر
الحوار المتمدن - العدد: 3160 - 2010 / 10 / 20 - 21:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

قادتني الصدفة البحتة إلى لقاء سعادة الوزير عصر هذا اليوم ,أنا التي كنت أتحدث عن أنني لم أقابل وزيرا" في حياتي التي شارفت فيها على الخمسين من العمر ولا حتى نائب في هذا الوطن العربي الكبير ,أشاهدهم فقط على شاشة التلفزيون وأقرأ أخبار زياراتهم وتصريحاتهم في الصحف والمجلات والحق يقال أن لصورهم وتصريحاتهم وتنقلاتهم هيبة وعلى وجوههم ترتسم معالم الجدية والتجهم في معظم الأحوال, ( متطلبات المناصب الحمراء في بلادنا )
لكن الحال اليوم كان مختلفا" كان سعادة الوزير السابق أقل من رجل عادي جدا" لا لا يمكن ان يتوقع أحد انه تقلد منصباً وزاريا في يوما ما ,وإذ به كما بدأ حديثه وهو جالس على كرسي من القش ويرتدي دشداشة بيضاء أنا يا عمو وزير الداخلية , كان لهذه الجمله وقعا مرعباُ في نفسي وعلامة استغراب على وجهي وقبل ان يلمح اضطرابي بادرته بسؤال ربما أبله:طيب قلي أي وزارة إلا الداخلية.....
ولا اعرف لماذا تجاهل سؤالي وكانه لا يريد ان يتذكر ما فاته من مجد وحظوه او هم ومسؤوليه وتابع حديثه عن ايام دراسته في الجامعة في دمشق و المظاهرات في عهد أديب الشيشكلي والأناسي قلت له:
- الله يرحم تلك الأيام
- سألته حضرتك درست وعشت في دمشق إذا".
- فأضاف :
- وأحببت كذلك إنها أيام الزمن الجميل يا بنتي
- لم يكن هناك من تقسيمات لعن الله سايكس بيكو
كلنا كنا بلاد الشام سوريا الكبرى موطن العروبه .
كنت أستغرب العفوية والسلاسة التي يتحدث بها وأنا ما زلت غير قادرة على تجميع الصورة وتركيب مفرداتها ,


حاولت جاهده رسم صورته بالياقة البيضاء المنشاة محاطا بحاشيته آمراً ناهياً في وزارة من العيار الثقيل في الميزان الحكومي
وإذا به يقطع تخيلاتي وهو يقول ضاحكا بأبتسامة ونظرة رجل حكيم إختبر الحياة حتى أصبح ناقدا ساخراً اختار الزهد بها حتى بجلسته بملابس جد عادية على مدخل داره التي هي اشبه بقصر لدرجه انه يهيأ لمن ينظر اليه انه حارساً على بابها .
قال وهو يطالعنا ناصحاً : إياكن والزواج عشن حياتكن واذا رغبتن فيمكن (بوي فرند فقط ) قالها باللغة الأنجليزيه وتابع بميل الى الجديه على وقتي كانت نسبة الطلاق 5 % واليوم وصلت 75%
قلت له :عمو أنا بنتي في عمر تتزوج ,قاطعني بحدة لا تخليها تتزوج رايحة ترجعلك مطلقة بعد سنتين .
كنت أريد أن أطيل الحديث معه (إذ لا أعتقد أنه يخطر ببال أحد) أن يقابل وزيرا" لا سابق ولا حالي بهذه البساطة و العفوية موعد في غير أوانه وخاصة أني لم ألقى وزيراً من قبل .
في طريق العودة بدأت أتخيل المشهد الذي لو عدت بالزمن الى الماضي حيث كان سعادة الوزير وراء مكتبه ترى كم من الوقت كان يستدعي للقائه؟
ولو تم ذلك هل كان سيحدثني عن سوريا الكبرى ؟,
وعن حبه للدمشقية التي مضى ويتذكره اليوم بكل شغف الأطفال للحديث ؟
كيف كان له أن يبوح بمكنونات الإنسان داخله ورأيه بالقضايا الاجتماعية من زواج وطلاق ؟
كيف هو الآن إنسان بسيط هادئ وقور ومبتسم.
وكيف كان وزيراً لأهم الوزارات , متجهماً عبوساً كما كل المسؤولين وراء مكاتبهم.
هو اليوم بحاجة إلى من يجلس له ويسمعه عن أيام زمانه الجميل الذي مضى.
وهو الذي كان الناس يتمنون ان يحظوا بلحظات للجلوس ولو على بعد امتار منه كما هم وزراءنا الان .
أنا اليوم أناديه عمو دون خوف أو ألقاب رنانة.
ولا اشعر بندم لأني لم ألتقي سابقاً بأي منهم وربما تولد لدي فضول للقاء كل من الوزراء السابقين في مراحل شيخوختهم لأرى ماذا حملوا من هذه الحقبة الذهبيه في عهدهم وهل كلهم تنفسوا الصعداء وحطموا قيود الفوقيه أم تمترسوا خلف صولاجان المنصب الماضي .
ترى هل يشعرون بسعاده العيش الحر دون القاب او أعباء يمارسون حياتهم دون حاشيه وحرس تعد حتى انفاسهم... لا أدري كنت اتمنى ان اساله حول ذلك واعرف رأيه في احوال البلاد اليوم ,وديمقراطية العصر وحقوق الانسان, ومواسم الانتخابات والبيانات الانتحابيه عفوا الخطابية وما يجري من مفاوضات عربية - فلسطينية- إسرائيلية,
وتوقعاته لمستقبل البلاد والعباد......
لكن الوقت لم يسمح .. فالقيت تحية الوداع عليه وأنا أردد في نفسي هل يا ترى ينطبق على الوزير اليوم ما قاله
جبران خليل جبران :
لا تعش نصف حياة
ولا تمت نصف موت