وقفة مع كتب قرأتها..


صباح كنجي
الحوار المتمدن - العدد: 7321 - 2022 / 7 / 26 - 19:42
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

بدأت من أوائل تموز بقراءة الكتب التالية:
1ـ يوميات ومذكرات بعنوان (بيني وبين نفسي.. حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية) لـ الكاتب والنصير الشيوعي محمد السعدي ـ لطيف ـ دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع 2021
2ـ كتاب كاظم حبيب بعنوان (يهود العراق والمواطنة المنتزعة) الناشر: منشورات المتوسط 2015
3ـ النهاية في البداية حول العنف السياسي لـ فياض موزان لا يوجد اسم دار نشر مطبوعات 2017
4ـ رسالة اعتذار الى الشعب العراقي.. مذكرات احمد الحبوبي.. دار الحكمة لندن 2018
والجامع بين هذه الكتب جميعها مع اختلاف الرؤية وما ورد فيها من تفاصيل.. أحداثها الجارية في العراق منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة قبل مائة عام مضت.. باستثناء الفصول التاريخية للتواجد اليهودي القديم في العراقي منذ مراحل السبي البابلي والآشوري لهم في ازمنة مختلفة من عهود ما قبل الميلاد.. حيث تنحصر احداث ومرويات الكتب المذكورة في العقود الممتدة بين أعوام 1921ـ 2021 مع إشارات بسيطة لزمن داعش..
من الطبيعي ان تركز هذه الكتب.. وفقاً لمجرى الأحداث في العراق.. على ما له صله بموضوعة العنف والمواطنة والصراعات السياسية والاجتماعية.. التي ترافقت مع نشوء الدولة في العراق.. بالإضافة الى تأثيرات العوامل الدولية والإقليمية.. التي شهدت مخلفات ونتائج الحرب العالمية الأولى.. ووضع العراق تحت الانتداب البريطاني.. ومن ثم الحرب العالمية الثانية.. التي اشترك فيها العراق بشكل رسمي معلناً موقفه بالتراصف مع دول المحور..
بالإضافة الى تواصل العنف في مراحل مختلفة من تاريخ العراق الذي شهد مذابح الأرمن والآشوريين ومن ثم الهجوم على سنجار والإيزيديين عام 1930.. وما تلاها من احداث دموية وفرهود موجه ضد اليهود في البصرة وبغداد عام 1941 وتبعها جريمة اسقاط الجنسية العراقية عنهم.. دون ان نغفل ما يتعلق بالأحداث في كردستان والهجوم الذي أسفر عن حرق وتدمير العشرات من القرى ووصول اعداد كبيرة من المقاتلين الكرد للاتحاد السوفيتي عبر إيران بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إثر انهيار وسحق جمهورية مهاباد..
وصولا الى العهد الجمهوري وما حدث فيه من صراعات بين الأطراف والشخصيات المتنازعة على السلطة التي استقطبت تيارات سياسية حولها.. وتمحورت في الصراع المتفاقم بين الشيوعيين والاتجاهات القومية ـ البعثية..
التي استفحلت بعد انقلاب شباط 1963 وما تلاها من صراعات بين التيارات العروبية الناصرية والبعثيين واقصائهم من السلطة لفترة محدودة في فترة الأخوين عارف.. ومن ثم عودة البعث الثانية في تموز 1968 وما خلفته من حروب ودمار وخراب.. والعنف المستشري في عهد المجرم صدام حسين وحروبه الفاشلة.. ومن ثم اختفاء وزوال النظام الدكتاتوري.. وانتهاء مرحلة البعث بتسليم البلد للأمريكان.. وتواصل العنف المنفلت الذي أسفر عن صراعات طائفية مقيتة.. انتجت دولة الإسلام الاجرامية ـ داعش ـ وما سببته من خراب ودمار وقتل وسبي.. لم يكن الخيط والدور البعثي فيها مخفياً.. خاصة في مناطق تكريت وسامراء والرمادي وعانه وراوة ومن ثم الموصل والشرقاط وسهل نينوى.. وما حدث من كوارث في سنجار بحق الأيزيديين.. والعودة لأزمنة البرابرة والتوحش.. حيث ضاق الوطن بأبنائه بعد ان تحول لغابة يعبث بها الوحوش ويعشش فيها الفساد..
ـ الكتاب الأول لمحمد السعدي فيه مراجعة انتقادية شاملة للتجربة التي مر بها.. لا تخلو من شجاعة وصراحة تم سردها بدون تزويق.. وتقدم في النهاية خلاصة تجربة ذاتية ـ عامة برؤية تقييمية سعى لها الكاتب بحكم ما مر به من تجارب وتفاصيل في العمل العلني والسري ومعايشته للأنصار في زمن الكفاح المسلح.. ومن ثم تجربة التواجد في اوربا..
ما ورد في الكتاب لا يخلو ـ في المحصلة ـ من تداعيات واختلافات في وجهات النظر بحكم ملابسات بعض ما ورد فيه من تفاصيل بعضها يتعلق بالاختراقات الأمنية.. وتحتاج بعض المعلومات التي تم سردها للتوقف عندها لاحقاً..
وعموماً يمكن اعتباره من الكتب المهمة الصادرة في هذا الزمن.. التي سعت لمواجهة افرازات الواقع المؤلم ونتائجه المخيبة للآمال.. دون ان يهرب للأمام من مستحقات الأسئلة المطروحة.. التي تبحث عن إجابات مقنعة.. وحتماً سيكون لكل قارئ للكتاب تقييمه الذاتي لمحتواه..
وما اود ان اسجله عنه.. انه كتاب يستحق القراءة.. من قبل من شاركوا في التجربة.. واتوقع ان يكون له صدى وردود فعل ممن يهتمون بمثل هذه الإصدارات المهمة.. ومن المفيد ان انوه الى انه أضاف اليه كملحق.. تقييم تجربة الأنصار كوثيقة تستحق هي الأخرى المزيد من التوقف عندها.. وما زال الجدل حول تجربة الأنصار متواصلا.. وبالإمكان لمن يهتم بهذا الموضوع بالذات العودة لهذه الوثيقة في ملحق الكتاب..
اما كتاب كاظم حبيب عن اليهود فهو جهد استثنائي بذله الكاتب للبحث عن تاريخ اليهود.. وما حل بهم وتوقف عند محطات الفرهود والتسفير.. وحاول ان يشارك العديد من الكتاب والمهتمين بالتاريخ من الذين عاصروا الأحداث.. من اليهود وغيرهم.. ليدونوا شهاداتهم ومشاهداتهم.. وكانت الحصيلة توثيق معرفي فيه الكثير من التفاصيل المروية.. لا يحتاج فيها الباحث للتفكير والحيرة.. مع هذا العدد من الذين استجابوا لنداء الباحث كاظم حبيب.. وسجلوا عبر رسائلهم تلك الوقائع المؤلمة برؤية فيها الكثير من الألم.. ولا تخلوا من العواطف..
والشيء المهم في الكتاب.. انه يتناول مرحلة مهمة من التاريخ.. عاصرت فترة الحربين العالميتين في القرن العشرين.. وكان من بين ما نشأ وتماهى مع فورات العنف الهمجية المنتجة للفواجع في المجتمع العراقي.. وفي المقدمة منها:
1ـ مجموعة الضباط والموظفين المنحدرين من الدولة العثمانية المنهارة.. ممن تشبعوا بالأفكار العنصرية والتزمت الديني.. وشكلوا قوام وهيكلية الدولة العراقية الحديثة.. ممن لعبوا دوراً فاعلا في الصراعات الدموية والانقلابات والمذابح.. التي طالت الآشوريين والإيزيديين من ثم اليهود..
2ـ هذه المجموعة من الضباط والموظفين ممن شاركوا مع غيرهم في تشكيل حزب الاستقلال.. ونادي المثنى.. ومارسوا أدواراً مشينة لاحقاً من خلال التنسيق مع النازيين الالمان.. وممثلهم في العراق الدكتور (فرتس كروبا) الذي جرى تعيينه وزيرا مفوضا في العراق وكان يجيد عدة لغات منها العربية والتركية والفارسية بالإضافة الى الإنكليزية ولغته الألمانية.. وسبق وان عمل في فلسطين والسعودية ونسج علاقات واسعة مع شخصيات عربية تأثرت بالفكر النازي وفي المقدمة منهم الحاج أمين الحسيني مفتي الديار الفلسطينية الذي كان متواجداً ومقيماً في العراق.. ورشيد عالي الكيلاني.. وتطور هذه العلاقة في فترة الحرب العالمية الثانية.. إثر انقلاب مايس الفاشل عام 1941 وما تبعه من فرهود لليهود في البصرة وبغداد..
3ـ نشوء وتشكيل حزب الاستقلال وما رافقه من كتائب عسكرية للشباب محاكاة لتجربة هتلر والنازيين في المانيا..
4ـ لا يخلوا الكتاب من معلومات مهمة عن دور الحكومات العربية في تهجير اليهود وتسفيرهم الى إسرائيل.. وكذلك الدور المشين الذي لعبه الشخصية الفلسطينية الحسيني.. الذي كان قد نسق مع النازيين وأصبحت الأراضي العراقية منطلقاً لنشاطاته.. حيث لعب دوراً لا يستهان به في الإساءة للعراقيين ودفعهم للتطاحن والاقتتال.. وشجع الميول والنزعات النازية.. التي أخذ يتعاطف معها العديد من العراقيين ممن اعتقدوا ان المانيا النازية ستكون عوناً لهم في الصراع مع بريطانيا المحتلة للعراق آنذاك.
5ـ تكوين وتشكيل حزب البعث.. كحزب قومي عنصري.. وما رافق هذا التشكيل من ارهاصات تميل لممارسة العنف.. كمقدمة لدموية هذا الحزب.. الذي مارس الفظائع بعد ان استحوذ على السلطة في العهد الجمهوري عام 1963 لغاية سقوطه عام 2003.. وهي فترة أربعة عقود دموية شهدت فيها كافة شرائح المجتمع تبعاتها وآثارها..
وبحكم المعلومات والوثائق والشهادات الحيّة التي احتواها الكتاب بين صفحاته يمكن التأكيد والتنويه الى اهميته كمصدر جديد للباحثين والمهتمين بالشأن العراقي.. وتكمن أهميته الإضافية انه يأتي في سياق فترة زمنية تؤرخ لقرن كامل على نشوء الدولة العراقية الحديثة.. التي ما زالت أوضاعها الداخلية غير مستقرة والصراعات محتدمة فيها والعنف والدم هو السائد في ثنايا مجتمع مفكك يفتقد لأبسط مظاهر المواطنة تداس فيه كرامة الانسان..
ـ اما كتاب فياض موزان عن تجربة الحزب الشيوعي العراقي ـ القيادة المركزية والتي كان قد نشر جزء من محتواها في مواقع الحوار المتمدن.. فهو كتاب مهم يتناول تجربة اتجاه سياسي ثوري مخيبة للآمال ضمن هذا الزمن.. حيث يركز من خلال محتواه على ارهاصات ومقدمات الصراعات الفكرية في الحزب الشيوعي العراقي وما تلاها من انشقاق وممارسة للكفاح المسلح في الأهوار.. وهو بحق شهادة تاريخية مهمة عن هذا الفصيل الثوري الذي اجهضت تجربته بفعل ملابسات وتواطؤ عدة جهات حاول الكاتب ان يسردها بالكثير من التفاصيل.. ولم يتستر على نواقصها وأسباب اخفاقاتها.. وحاول ان يقيّم ابعادها من خلال مشاركته المباشرة.. وما سرده لا يبتعد كثيراً عما ورد في مذكرات من سبقه وكتابات من عايشوا التجربة منهم عزيز الحاج والمناضل ـ المليونير فاروق مصطفى رسول..
بالإضافة الى ما ورد في كتاب البروفيسور الدكتور طارق يوسف إسماعيل بعنوان (صعود الحزب الشيوعي العراقي وانحداره) الذي افرد فصولا كاملة لنشاطات ووثائق القيادة المركزية التي كانت قد تنبأت بانهيار تجربة الاتحاد السوفيتي في أكثر من وثيقة وبيان لاحقا مع مطلع الثمانينات وبالإمكان العودة للكتاب لمن يرغب في الاطلاع على التفاصيل والبيانات التي دعمت ما ورد في الكتاب كوثائق مهمة تؤرخ لمواقف واستنتاجات في خضم احداث معقدة..
ويبقى ما أورده موزان في كتابه كشهادة تاريخية بتفاصيلها واسمائها أهمية لا يمكن لأي باحث تجاوز ما ورد فيها من تداعيات وسرد وحقائق لها علاقة بطبيعة الصراعات في المجتمع العراقي ودور الدولة القامع للتحركات والمحاولات التي كانت تسعى للتغيير ناهيك عن تأثير الصراعات الداخلية بين الأطراف الوطنية وبين اجنحة الحزب الشيوعي العراقي في تهيئة الأجواء لعودة حزب البعث للسلطة.. وما لعبه المندسون والعملاء في تخريب واجهاض المحاولات.. التي كانت تسعى للنهوض الثوري.. وتغيير مسارها.. كما حدث مع القيادة المركزية.. بفعل المطارة والضغط والابتزاز وانهيار أعضاء من قادتها.. ومن ثم إدارة الدفة للتأثير على الحزب الشيوعي العراقي ـ اللجنة المركزية بالاغتيالات والدور الذي لعبه الاتحاد السوفيتي كدولة.. والحزب الشيوعي السوفيتي من تأثير بالغ.. دفع بالعلاقة الى أجواء التحالف المخزي الذي لم تتوقف فيها التجاوزات وممارسات العنف ضد الشيوعيين وغيرهم.. وطالت العديد من كوادرهم.. ومن كان يعارض هذا التوجه.. او ممن عملوا في الجهاز والتنظيم العسكري للحزب..
لا يتوقف الكاتب عند حدود الصراعات الحزبية ـ السياسية وما له علاقة بالسجون والمعتقلات والتعذيب فقط.. وافرد في محطات سرده ومعايشته للأحداث فصولا عن العنف والمذابح الموجهة ضد الاشوريين والأيزيديين واليهود.. والاضطهاد الذي لحق بالمندائيين والبهائيين والشبك والفيلين..
وفيه فصل مكمل لتجربة الكاتب مع المتطرفين والمجرمين الذين مارسوا القتل والعنف والإرهاب بعد سقوط النظام.. حيث كان للكاتب والمناضل موزان.. الذي كان يمارس العمل التجاري.. تجربة مع الذين اختطفوه من بغداد وقادوه الى الفلوجة.. رغم كبر سنه.. وهو فصل مهم ومؤثر يحكي جانباً من مهازل "الأوضاع الجديدة " في العراق الذي تبدلت فيه الوجوه.. ولكن بقي العنف والقمع والإرهاب سائداً فيه..
وإذا كانت هناك ملاحظة مشتركة بين الكتب الثلاث التي سردت الاحداث برؤية واقعية من خلال المعايشة والاطلاع.. فإنها احتوت بهذا القدر او ذاك على مراجعة نقدية وذاتية للنفس سعت للتوقف عن أسباب ومبررات الفشل السياسي.. وديمومة العنف.. وهذا ما نحن بحاجة اليه في نطاق بحثنا وتدويننا للأحداث بعد هذا الزمن..
لكنها في رأيي تبقى مراجعة غير مكتملة.. لم تصل الى ما يتناسب مع أسباب الفشل.. وديمومة العنف في المجتمع العراقي.. الذي ترافق مع مظاهر فشل بناء الدولة.. والابتعاد عن أي شكل من اشكال المواطنة.. رغم حاجتنا الماسة لهذه المراجعة الجدية.. لتجاوز المحن التي تلازمنا لليوم..
لذلك فان وقفتي مع مذكرات أحمد الحبوبي.. ستكون مختلفة.. خاصة وإنها حملت عنواناً مثيراً (رسالة اعتذار الى الشعب العراقي).. وكاتبها رجل قانون ومحامي معروف من التيار القومي.. سبق وان عمل وزيراً.. وكان لديه نشاط سياسي من العهد الملكي ودوراً فاعلا في تكوين حزب الاستقلال.. ومن ثم اشتراكه في عدة تنظيمات قومية ناصرية الاتجاه.. ومطلع على مجريات الأحداث.. التي تناولتها الكتب السابقة.. خاصة كتاب كاظم حبيب عن يهود العراق.. وما حل بهم في العهد الملكي ومن ثم الجمهوري ودور حزب الاستقلال المشين في هذه الجرائم..
وباعتبار السيد الحبوبي رجل قانون ومطلع هذه التفاصيل وغيرها من جرائم البعث.. في العهد الجمهوري الذي حفزه لكي يقدم في هذا العنوان (رسالة اعتذار الى الشعب العراقي) كما نوهنا.. ومع السرد الذي أورده الكاتب في مذكراته.. الذي تناول تطور هذه الأوضاع.. بحكم مشاركته فيها كما يقول من عام 1936 حيث يؤكد انه اشترك في مظاهرات ذلك العام.. بالرغم من انه يثبت تاريخ لمولده بسنة 1931.. وهنا لا بد وان نسأل كيف اشترك في هذه التظاهرات ولم يتعدى عمره الخمس سنوات؟ هل هناك التباس في تحديد هذا التاريخ؟ خاصة انه ذكره مرتين.. ام هناك تفسير آخر له؟ لكي نتجاوز هذا الالتباس في الزمن..
ولا أخفى على القراء.. ان عنوانه شدني وبذلت جهوداً مع عدد من الأصدقاء.. بضمنهم ابن شقيقه عامر الحبوبي من أجل الحصول على نسخة من الكتاب.. بالإضافة الى كتاب محسن الشيخ راضي الذي حمل عنوان (كنت بعثياً)..
وكتب عنه محمد السعدي تغطية إعلامية تطرقت الى ما ورد فيه من اعترافات ومعلومات جعلته ان يتبرأ من هذا التاريخ وهذا الحزب.. الذي حمل وزر جرائم عديدة.. واقترن اسمه لعقود بما حدث من جرائم بشعة بحق العراقيين من مختلف انتماءاتهم بما فيهم البعثيون أنفسهم..
نعود لكتاب الحبوبي الذي سرد فيه تفاصيل دقيقة ومهمة عن التطورات والأحداث في العهد الملكي في الفترة التي تناول فيها كاظم حبيب نفس الاحداث.. من خلال كتابه يهود العراق.. وكلاهما متقاربان في الميلاد.. ويتجاوران في الجغرافية.. بين النجف وكربلاء.. لكنها يختلفان في الرؤية والنظر للأحداث وسردها..
وكان يمكن ان يكون محتوى مذكرات الحبوبي أكثر أهمية بحكم اطلاعه المباشر عن تفاصيل الاحداث ودور الشخصي فيها.. كما يوضح هو في عنوانه.. بالاعتذار.. لو ترافق هذا الاعتذار.. مع محتوى السرد والوثائق التي وضعها في نهاية المذكرات.. حيث يسرد كل التفاصيل والاسماء ويتفاخر بها وبدوره كأنها اعمال تستحق الثناء والتبجيل.. دون مراجعة نقدية حقيقية.. خاصة عندما يذكر أسماء معروفة شاركت بالجرائم والقتل.. وكان لها النصيب الاكبر بالانقلابات والاحداث الدموية.. يذكرها بعاطفة صداقة مغلفة بأطر العلاقات الشخصية الطيبة.. كأنها ليست مسؤولة عن مجرى الأحداث.. ولم تشارك فعلياً في هذا الخراب..
لذلك من حقنا ان نتساءل:
عن ماذا اعتذر اذن.. رجل القانون والسياسة في هذا الكتاب؟
وعن ماذا قدم اعتذاره للشعب العراقي من خلال مذكراته إذن؟
السنا امام مفارقة تاريخية في هذه المذكرات.. التي سردت كل تلك التفاصيل عن العهد الملكي ولم تتطرق مثلا الى الفرهود الذي حصل في البصرة وبغداد.. وكان لحزب الاستقلال دوراً مباشرا فيه؟.
وهكذا هو الحال مع تدخل عبد الناصر في شؤون العراق.. هذا التدخل الذي يؤكد فيه الحبوبي انه اشترك شخصياً في الاعداد لمظاهرة انطلقت من مكتبه في كربلاء.. بعد شهرين من ثورة 14 تموز عام 1958 أي في 12 أيلول.. بمناسبة وفاة الرسول.. وحمل المتظاهرون بتوجيه منه ومن قيادة حزب الاستقلال صور عبد الناصر في تلك التظاهرة (حيث يؤكد انه كان يسير في المقدمة) بالرغم من انها كانت مخصصة لوفاة الرسول ولا يعطي تفسيراً او سبباً لرفع صورة عبد الناصر..
ومع هذا ورغم مرور أكثر من ستة عقود على ذلك التدخل وفشل التجربة الناصرية.. يلمح الحبوبي في فحوى مذكراته.. ان عبد الناصر لم يتدخل في شؤون العراق.. ومن حقنا ان نسأله اذن: كيف وصلت الأسلحة المصرية والإذاعة والمساعدات المالية للشواف عام 1959 في الموصل.. هل نزلت من السماء؟ ام أرسلت عبر الحدود من سوريا.. التي كانت تشكل قوام دولة الوحدة..
ليس هذا كل ملاحظاتنا على الكتاب وما ورد فيه.. كنت أأمل ان تكون المذكرات مراجعة نقدية حقيقية فيها الدروس والعبر لمن يتصدى للمعضلات في المجتمع العراقي اليوم من الأجيال المعاصرة.. خاصة بعد الفشل الذريع للتجارب القومية.. ليس في العراق وحدة.. بل في مصر وسوريا واليمن وليبيا.. وما لعبه القوميون العرب بأجنحتهم المختلفة.. وفي المقدمة منهم البعثيون والناصريون العراقيون.. في هذا الفشل..
وان نعتمد الحقائق والدقة في تثبيت المعلومات فليس من الصحيح ان يرد في الكتاب.. ان الحزب الشيوعي العراقي وقف الى جانب صدام في حربه المشينة ضد إيران عام 1980.. في الوقت الذي كانت العلاقة بين الشيوعيين والسلطة البعثية قد انتهت الى مسار مناقض.. من منتصف عام 1978 حيث بدأ الشيوعيون يشكلون فصائل الأنصار المسلحة.. قبل استلام صدام حسين للدور الأول في النظام الدكتاتوري وحزب البعث في العراق..
وبدأنا نمارس الكفاح المسلح ونواجه النظام قبل الحرب العراقية ـ الإيرانية.. بسنتين او أكثر.. وكانت لحظة اندلاع الحرب المفارز القتالية للأنصار الشيوعيين تتحرك في نطاق جغرافية شملت محافظات.. كركوك والسليمانية واربيل ودهوك.. ومناطق سهل الموصل.. الذي شهد أولى العمليات العسكرية في تموز 1980 أي قبل الحرب.. وتحدثت عنها إذاعة مونتي كارلو الفرنسية في حينها.. معلنة عن اول نشاط للأنصار الشيوعيين في أطراف الموصل في نشرتها الإخبارية..
وأشد ما المني في هذه المذكرات حديثة في الصفحة 335 عن لحظة سقوط صدام وتطرقه لشخصية المناضل أبو تحسين ـ جواد كاظم ـ بكل عنفوانه وثوريته وقوة تأثيره.. في تلك اللحظات الحاسمة للتاريخ.. بصيغة نكرة ووصفه بشيخ طاعن في السن يرتدي (دشداشة وشماغ) يحمل صورة كبيرة لصدام راح يضربها بـ.. ويصيح بصوت (أجَش).. هذا اللي دمر العراق..)..
هذه وغيرها من الملاحظات أتمنى ان يتجاوزها الحبوبي في مذكراته ان سمحت له الفرصة لإعادة طبعها من جديد..
ــــــــــــــــــــ
صباح كنجي
25/تموز/2022

1ـ محمد السعدي (بيني وبين نفسي.. حكايات من أرشيف الحركة الشيوعية العراقية) دار الرافدين (بغداد- بيروت) 2021، 397 صفحة من الحجم الوسط.
2ـ فياض موزان (النهاية في البداية.. حول العنف السياسي) 2017 لا يوجد تعريف عن جهة الطبع 410 صفحة
3ـ مذكرات أحمد الحبوبي رسالة اعتذار إلى الشعب العراقي ـ دار الحكمة ـ لندن 2018..475 صفحة
4ـ الدكتور كاظم حبيب (يهود العراق.. العراق والمواطنة المنتزعة) منشورات المتوسط إيطاليا 2015.. 800 صفحة
5ـ صعود الحزب الشيوعي العراقي وانحداره البروفيسور طارق يوسف إسماعيل.. دار سطور 2020.. بترخيص من جامعة كامبريدج 638 صفحة