قد وعدت نفسي أن لا أبكي رجلا بكته الرجال


إبراهيم محمد عالي لحبيب
الحوار المتمدن - العدد: 7304 - 2022 / 7 / 9 - 10:12
المحور: سيرة ذاتية     

كلمات هكذا كالسهم أطلقت من ثغر امراة وبنبرة فولاذية تنعي زوجها الفقيد لحظة تأبينه بالعيون المحتلة، جملة كانت لوحدها كفيلة لتجعلني مرغما أن اصبر أغوار البحث عن هذه الشخصية التي لم أك أعرف عنها سوى ما تلقفته من بعض رفاقه هنا وهناك.
ضغطت على محرك البحث لعلي أجد ما يشفي ضمأ بحثي، إضافة الى ورقة تقنية قدمها لي أحد الرفاق، واكتفيت للإطلاع على مسيرة رجل أفنى عمره لأجل شمس وطنه، من عاشروا هذا الرجل أجمعوا على أنه قليل الكلام كثير العمل والنقد الذاتي داخل التنظيمات التي اشتغل فيها دون إحداث أي جعجعة.
إنه فضيلي الكاودي، المزداد بتاريخ 15 أبريل/نيسان 1957 بضواحي مدينة كليميم "القصابي"، التحق بركب الثورة باكرا في الخلايا السرية لجبهة البوليساريو، وهو الشيء الذي يؤكده اختطافه ضمن كوكبة من المناضلين المجموعة المعروفة ب"مجموعة 26" بتاريخ 19 نوفمبر 1977 إستمر هذا الاختطاف أزيد من 06 أشهر بالمعتقل السري الرهيب "درب مولاي الشريف"، ليتم الحكم عليهم بعدها ب 05 سنوات سجنا نافذا ، ضريبة لن تكون الأخيرة له، حيث ستعرضه قوة الاحتلال لاعتقال أخر بتاريخ 20 يوليوز/ تموز 2005 بالدار البيضاء المغربية ليتم ترحيله الى العيون المحتلة.
وامعانا في معاقبة الانسان الصحراوي الحامل لافكار التحرر سيتعرض الفقيد فضيلي للطرد من العمل بسبب مواقفه السياسية اتجاه القضية الصحراوية كإطار بنكي منذ مارس/ ادار 2000.
اختار فضيلي الكاودي الى جانب العديد من رفاقه الدخول في غمار العمل الحقوقي، وكان مدافعا شرسا ساعده في ذلك اتقانه للغات الاجنبية "الفرنسية والانجليزية" ولعل ما يزكي هذا الطرح هو المهام التنظيمية التي تقلدها لعل أبرزها:
عضو سابق بلجنة العمل من أجل إطلاق سراح سيدي محمد ددش و كافة المعتقلين السياسيين الصحراويين 2001.
الناطق الرسمي للجنة التحضيرية للمختطفين الصحراويين مجهولي المصير سنة 2002.
عضو بلجنة الصياغة لإعداد مذكرة النشطاء الحقوقيين الصحراويين الموجهة لهيئة الإنصاف و المصالحة 05 أبريل / نيسان 2004.
عضو بلجنة الحوار المنتدبة عن الفعاليات الحقوقية الصحراوية الموقعة مذكرة النشطاء الحقوقيين الصحراويين الموجهة لهيئة الإنصاف و المصالحة.
أحد مؤسسي تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الانسان CODESA.
الكاتب العام المكتب المحلي بالعيون للجمعية المغربية لحقوق الإنسان AMDH لعدة سنوات .
كان ضمن مجموعة من المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان المنتدبين عن CODESA للقاء المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية بتاريخ 19 أكتوبر / تشرين أول 2013.
غريب نعم أن تجد شخصا تقلد كل هاته المهام التنظيمية ولا تجد أثره في الاعلام سوى صور قليلة تداولها رفاقه بعد وفاته ومقطع فيديو متداول في وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلا مع نقاش للشباب والطلبة، مقطع يشرح فيه الواقع بنقد رصين وفعال تستشعر بعد نظر هذا الرجل ومستواه الأكاديمي، وعطفا على المستوى الأكاديمي فالرجل إسهام هام هو ورفاقه في التجمع يتجلى في كتيب جاء كرد على تقرير "هيئة الانصاف والمصالحة" لسنة 2010، انفرد الفقيد بتسميته وأطلق عليه عنوان " الحقيقة المستعصية على الإقبار"، وكذا مساهمته في تقرير معنون ب"أية نزاهة في غياب قضاء مستقل: محاكمة معتقلي أكديم أزيك -محاكمة الدولة المغربية-:، كل هذا وذاك وهو بعيد عن الأضواء فليتك حي ترى عباد حائط المبكى (فيسبوك)....
صعب جدا أن تبحث عن سيرة رجل في وقت كثرت فيه الأكاذيب والنفاق لكن فضيلي لا يحتاج الكثير من العناء، مهامه التنظيمية، سيرته الطيبة، المكتبة التي تركها وراءه، مستواه ونقاشه الأكاديمي، عائلته الصغيرة والكبيرة المناضلتين، زوجته الصامدة على نهجه بعده....، كلها عوالم لفقدان رجل لا كالرجال.....
في الختام لا يعني القول وارتباطا بعنوان هذا البوح، نعم مني النفاع يايا يحق لك أن تفتخري برجل كهذا أنت وأبناءك، فطينة هؤلاء تنشد له الأشعار حتى، لكن أسمحيلي القول أن فضيلي ا يجب أن نبكيه جميعا رجالا ونساءا لعلنا نوفي لعزاءه حقه.....