هل مِصْر دولة مدنية ؟!


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 6952 - 2021 / 7 / 8 - 20:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مصرُ دولةٌ مدنية إلاّ كثيراً ، وهى فى ذاتِ الوقتِ دولة ثيوقراطية (دينية) بدرجةٍ عاليةٍ ولكن بإستثناءاتٍ غير قليلةٍ.

فبعض مواد الدستور تأخذ مِصْرَ لحضنِ الثيوقراطية (حكم الدين).

ولكن مواداً أخرى فى نفسِ الدستور وفى المدونتين المدنية والجنائية وفى مدوناتٍ أخرى كالإجراءاتِ الجنائية تأخذنا لعوالمِ الدولة المدنية.

أما قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين فهى دينيةٌ صرف.

وأغلبُ ظني ، أن نحو تسعين فى المائةِ من شاغلي المناصب ومواقع المسؤولية العليا هم مثل فسيفساء الواقع الذى وصفتُه فى السطورِ أعلاه أيّ "خلطة" من المدني و الديني ! ومعظمهم لا يدركون أنهم يمثلون تلك الخلطة.

وهذا الواقع هو فى صالحِ دعاةِ الدولةِ الدينيةِ وفى غيرِ صالح الحالمين بدولةٍ مدنية. فكل ما هو (جزئياً) ديني لا يتوقف عن محاولةِ توسعةِ رقعةِ النفوذِ الديني فى المجتمع. وهذا طبيعي لأنهم دعاةُ أفكارٍ تنتمى للمطلق ، او فى أحسن حال لأيديولوجية عديمة المرونة.

ومما لا يسمح بتوقعِ توسعاتٍ كبيرةٍ فى الطبيعةِ المدنيةِ للدولةِ المصريةِ أن هذه القضية لم تكن خلال السنوات منذ 23 يوليو 1952 وحتى هذه اللحظة من بين الأولوياتِ الملحةِ للقيادةِ السياسية لمصرَ.

والمنطق يحتم أن نرى أن إنعتاق مِصْرَ من حكمِ الإخوانِ يوم 3 يوليو 2013 ، كان من جهةٍ إنقاذاً لمصرَ من عقودٍ من الثيوقراطية (الحكم بإسم الدين) ، كما كان يُملي ألاَّ تظهر القيادة الجديدة فى عيونِ عددٍ كبيرٍ من المصريين وكأنها "عدو للدين" الذى هو (عند هؤلاء) "مقدس غير قابلٍ للمس".

ومن سوءِ الحظ أن واضعي دستور 2014 سمحوا بنصٍ هو السبب فيما ظهر خلال السنوات السبع الأخيرة من تصرفِ مؤسسةٍ دينيةٍ كبيرةٍ وكأنها دولةٌ داخل الدولة.

وهو عامل يُضاعف من صعوبةِ الإقترابِ بمصرَ من مفاهيم الدولةِ المدنيةِ فى أكبر عددٍ من القطاعاتِ و المجالاتِ.

وأنا لا أُريدُ أن أُزيد من ضبابيةِ و رماديةِ الصورة ، ولكن الأمانةَ الفكرية تحتم عليّ أن أُشير لحالتين فى منطقتِنا شهدا تحول الدولة لدولةٍ مدنيةٍ شبه كاملة وهما تركيا و تونس ، ثم حدث مؤخراً تراجعٌ فى هذا الموضوع فى الدولتين. والسبب (للأسف) أن التحول فيهما للدولةِ المدنية كان بقرارين فوقيين من كمال أتاتورك فى تركيا والحبيب بورقيبة فى تونس. وهو أمر يضاعف من تعقد الصورة. لأنه يعني أن التحول لدولةٍ مدنيةٍ بقرارٍ فوقي ودون ظهير شعبي "قد" يتسبب فى مراحلٍ لاحقةٍ فى إنتكاسةٍ تاريخية.

فهل أنا بالفقرة السابقة أقول (بالتلميح وليس بالتصريح) أنه ليس فى الإمكان أفضل مما هو كائن ؟؟!!

قطعاً لا ...

فالإستسلام أمام صعوبة هذا الموضوع (أي الوصول لمدنية الدولة الكاملة) يعني الهزيمة أمام دعاة الدولة الدينية.

والحري بنا مواصلة نقدِ كلِ تجلياتِ الدولةِ الثيوقراطية (الدينية) ومواصلة حض القيادة السياسية على الإلتزامِ بإحداثِ تغييراتٍ منهجية تزيد (ولو قليلاً) من مدنيةِ الدولةِ مع توظيفِ كل المؤثرات التعليمية والإعلامية و الثقافية لخدمةِ قضيةِ مدنيةِ الدولة مع محاولةٍ موازيةٍ ومحاذيةٍ لكبحِ جماحِ دعاةِ الدولة الدينية وفى مقدمتهم مؤسسة دينية ذكرتُ آنفاً شروعها منذ 2014 فى التصرف كدولةٍ مستقلةٍ !