الضوء والإنارة واللون في السينما


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 6555 - 2020 / 5 / 5 - 17:37
المحور: الادب والفن     

الضوء والإنارة والألوان في السينما
La Lumière, l’éclairage et les couleurs au Cinéma
السينما هي المكان الحقيقي للواقع والفنتازيا والمخيلة والحياة. ويتم التعبير عن ذلك بالضوء والإنارة أولاً لكي تسجل الصورة على الفيلم الخام من خلال الكاميرا وتقنياتها ومن خلال الإخراج la mise en scène وبواسطة طاقم عمل مكون من المخرج réalisateur أو metteur en scène والممثلين les acteurs- actrices ومدير التصوير-dir-ecteur de la photo أو chef opérateur والمصورcadreur والمونتيرmonteur.
الكتابة بالضوء أو بالنور هي اختصاص مدير التصوير فهو عين المخرج والعمود الفقري للإخراج، وأهم تقني في فريق العمل الذي بإمكانه تحقيق تصورات ورغبات وطلبات المخرج بواسطة الضوء والإنارة، الطبيعية والاصطناعية، ويترجم الأحاسيس والمشاعر وينحت الأجساد والأشياء والوجوه ويبث الحياة في الأماكن والديكورات، ويأتي بعد المخرج في الأهمية ويليه المونتير ومن ثم الممثلين والموضوع. الضوء La Lumière والإضاءة أو الإنارة l’éclairage هما أساس العمل والإبداع السينمائي وبدونهما لا توجد أفلام ولا ينبغي الخلط بين الإضاءة أو الإنارة والضوء. هناك ضوء الشمس وضوء القمر وضوء النجوم وضوء الشموع وضوء لمبات البترول وضوء الليزر وهناك عملية إضاءة أو إنارة تقلد الضوء الطبيعي، النهاري أو الليلي، اصطناعياً بواسطة المصابيح والبروجكتورات والفلترات والعواكس والمرايا الخ.. ولكل مدير تصوير أسلوبه الخاص واجتهاداته الخاصة وطريقة عمله الخاصة به التي تعكس بصماته الشخصية. هناك مدرسة التصوير بالأبيض والأسود وهناك مدرسة تصوير بالألوان ولكل واحدة منهما لغتها وتقنياتها وأساليبها. هناك مدراء تصوير حرفيون يضمنون للمخرج جودة الصورة فقط بينما يوجد مدراء تصوير فنانين ومبدعين يبحثون عميقاً في الألوان ومدارس الفن التشكيلي وفي وثائقية وحقيقة الإنارة عبر الأزمان وعبر التاريخ لنقل الأجواء بأمانة وتعبيرية عالية ، وهؤلاء قد يبادرون بأنفسهم أو تحت تأثير ودفع من مخرجيهم للحصول على نتائج معبرة ومبهرة حتى لو اضطروا إلى التمرد على القواعد المعيارية المتبعة حرفياً ومهنياً والمطبقة في الاستوديوهات وشركات الانتاج الكبرى، ويعمدون إلى معرفة مصدر الضوء والإنارة وهل يجب أن يكون منتجاً للظلال أم لا. فالإنارة " الطبيعية" البحتة المحضة، خارجياً وداخلياً، وبلا مؤثرات خاصة، وبدون ظلال، هي التي طلبها المخرج الفرنسي رينيه كلير من مدير تصوير فيلمه قبعة قش إيطالية موريس ديفاسيو سنة 1928، والمخرج الفرنسي جان أبشتاين في فيلمه مغامرات روبرت ماكير سنة 1926، حيث تساوت وتماثلت الإضاءة الداخلية والخارجية، سواء في الطبيعة أو داخل الديكورات. قبل أن يخرق السينمائيون الألمان ومدراء تصوير أفلامهم، خاصة في المدرسة التعبيرية، هذه القاعدة ويستغلون عالم وأجواء الليل والظلمة والظلال، لإضفاء الشرعية على هذه التقنية في التصوير والمتأثرة في عدة جوانب منها بالمسرح وتقنيات الإنارة فيه أي تقنية الإنارة الدراماتيكية بالتأثيرات الضوئية، وهي التقنيات التي لجأت إليها السينما الدانيماركية والسويدية أيضاً آنذاك.
يتم تنظيم وهيكلة فن الإضاءة بسرعة حول مفهومين، كما لخصهما مدير التصوير غلين ماك ويليامز Glen MacWilliams قائلاً: "بالأسلوب الجرماني نضيء الديكور، ومع النمط أو الأسلوب الأمريكي، نضيء النجوم"، ثم غدت الإشارة إلى الرسم كمرجعية جمالية هي مسار إجباري لأي مدير تصوير ولكن هذا المفهوم البلاستيكي البحت للضوء تم التشكيك فيه بقوة بعد الحرب وجرت محاولات قسرية للتخلي عنه في الاستدوديوهات الكبيرة. بيد أن تاريخ تطور تقنيات الإنارة في السينما استمر بفعل تطور التكنولوجيا المقترنة به. وصارت النتيجة على الشاشة تعتمد على شخصية كل مخرج ومدير تصويره وعلى وحدة أفكارهما والتقاءهما حول مشروع محدد ورؤية مشتركة، والأمثلة كثيرة على ذلك في تاريخ السينما المعاصرة. عبر مراحل قطيعة مع الماضي ومحاولات تجديدية ومدارس إخراجية عديدة ظهرت إثر الانتقال من السينما الصامتة إلى السينما الناطقة، ومن السينما بالأبيض والأسود إلى السينما الملونة، وظهور الموجات الجديدة والسينمات الشابة الخ... حيث تطور فن الصورة وتقنيات التصوير والإنارة بدفع من المخرجين الجدد المتحمسين والمتمردين أو بمبادرة من مدراء التصوير أنفسهم خاصة ممن كانوا على توافق تام وهارمونية مع مخرجيهم. وبهذا الصدد كتب آيزنشتاين في كتابه تأملات سينمائي:" لم يكن هناك شخص، طيلة حياتي، لم أتحدث معه عن السينما، غير مدير تصوير أفلامي إدوارد تيسه نتناقش في كل شيء إلا في السينما. هل نناقش أو نتناقش فيما بيننا؟ نعم كثيراً وفي كل المواضيع عدا السينما. هل نتقلب على شبكية العين أو نحدق في عيوننا؟ نحن ننظر إلى بعضنا وهذه النظرة كافية بيننا. يمكننا أن نرى بصمت... أشك في أنه يوجد في أي وقت مضى تعايش وتواؤم مشابه لما يوحد بيني وبين تيسي من حيث الرؤية والإدراك والتجربة وما يوجد بيننا من انسجام وهارمونية...".وهناك أمثلة عديدة أخرى عن زوجين مخرج / مدير تصوير، متفقين و متفاهمين جمالياً وحسياً مثل غريفث/بيتزر، كوكتو/هنري آلكان، ساتياجيت راي/ميترا، هتشكوك/بيوركس، أوزو/آتوستا، فيلليني/روتينو، بيرغمان/نيكفيست، غودار/كوتار، تروفو/آلمنودروس، ألان رينيه/ساشا فيرني، روزي/دي فانينزو، ويندرز/موللر الخ.. وكما قال فيلليني:" السينما هي الصورة والصورة يصنعها الضوء وبالتالي فالسينما هي الضوء سواء أكان ذلك في فترة الأبيض والأسود أو في مرحلة دخول اللون.
الألوان لا تلعب فقط دور تعميق الوهم بالواقع ونقل صورة الواقع الملون التي كان يصعب التعبير عنها لونياً إبان مرحلة الأبيض والأسود.. والمعروف أن مصممي الديكور والملابس يلعبون دوراً مهماً في تحديد الألوان واختيارها بالتفاهم مع المخرج ولكن ذلك لن يتم بمعزل عن مدير التصوير فتوزيع وترتيب ألوان الفيلم يقرره في نهاية المطاف مدير التصوير بالتناغم والتفاهم مع المخرج بالطبع ويتابعان هذه المهمة تقنياً مع المختبر عند تحميض وطبع الفيلم وتصحيح الألوان l’étalonnage حيث تمنح للفيلم هيئته اللونية النهائية التي يتلقاها المشاهد في صالة العرض.
الضوء يخلق المكان وهي المهمة المناطة بمدير التصوير فهو الذي يجعل الأشياء والأجسام مرئية داخل المكان، الداخلي والخارجي. فالضوء هو الذي يجعل الأشياء موجودة على الشاشة ويمنحها المعنى. بوسع الضوء أن يغير كلياً الوجوه والأماكن لذلك قال المنظرون أن الصورة هي عبارة عن كتابة بالضوء. وبنفس الوقت يمكننا القول إن الفضاء السينمائي أو المكان يخلق ضوئه. فكل مكان يتلاعب وينمذج الضوء الذي يتلبسه ليجعله فريداً من نوعه وخاصاً به. فمحطة القطار تخلق إضاءتها، والمتجر الكبير السوبرماركت يخلق أضوائه، وكل مكان تصوير يثير تبايناته الضوئية واللونية المرتبطة به وعادة ما يكون مدراء التصوير واعين ومدركين لهذه البديهية وعيونهم مفتوحة على فرادة الإنارات والانعكاسات العرضية والأشعات المغرية والجذابة المترشحة من خلال زجاج نوافذ مطعم أو صالة رقص أو ملهى ليلي. فالأضواء الأكثر تميزاً غالباً ما تتولد من أماكن متميزة ولها خصوصيتها فالضوء والمكان مرتبطان عضوياً وعلى نحو حميمي. فالضوء يوحي بخصوصية المكان وبالمقابل المكان يوحي بطبيعة ونوعية وخصوصية الضوء الملازم له. فهناك (خارج الكادر الضوئي) مثلما يوجد (خارج الكادر الصوتي). وعندما تدخل الأشعة الضوئية من نافذة تكون قد رشحت وصفيت بكل مايحيط بها خارج النافذة قبل ولوجها منها، تكون قد صبغت بالأخضر من جراء العشب أو مرصعة بالتماعات ملونة أو تتخللها شظايا حمراء وزرقاء آتية من لافتات ويافطات وعلامات مخزن مجاور.
"الضوء يجعل الفضاء موجوداً على نحو حقيقي ويتحكم به" وهو العمل اليومي لمسؤول الإضاءة. فهو الذي يجعل الأجسام مرئية في الفضاء السينمائي. يضفي الضوء الحياة على الشاشة. وهذا منطقي. إنه يحول الوجه أو المشهد أو المكان بالكامل. وبالمعنى الحرفي، التصوير الفوتوغرافي والتصوير السينمائي هو "الكتابة والتعبير الجمالي ولكن بالضوء".
ولكن أيضا "الفضاء يخلق الضوء". فكل مكان يعكس الضوء الذي يسكنه ويشكله ويجعله فريدًا. أي مكان يتسبب في تبايناته وألوانه. يركز المصورون ومدراء التصوير أعينهم على خصوصية الإضاءة لكل مشهد، خارجي أو داخلي، طبيعي أو ديكور، والانعكاسات العرضية، والأشعة التي يتم تصفيتها من خلال النوافذ الضبابية والفلترات والعواكس. غالبًا ما يتم إنتاج الأضواء المدهشة من خلال المساحات الفردية ... ثم يتم ربط الفضاء والضوء بالطريقة الأكثر حميمية فالضوء هو الذي يرسم الإنارة والظلال، الظلمة والنور، والتباينات اللونية الحادة والناعمة contrastes ... أولا لأنه يقترح ذلك. وثانياً لأنه يوجد مجال خارجى مضيء كما يوجد صوت أو ضوضاء خارج المجال وخارج المشهد الموجود أمام الكاميرا. عندما تدخل الإضاءة من نافذة أو من مصدر إنارة خارج الكادر، يتم تصفيتها بالفعل من قبل كل شيء محيط بها في الخارج. حيث تم صبغها باللون الأخضر من قبل شجرة أو عشب أو تخللتها شظايا حمراء وزرقاء من علامة متجر.
نماذج تطبيقية:
في فيلم" عيون مغلقة" Eyes Wide Shut ، يكون ضوء المدينة المرئي من شقة بيل وآليس Bill and Alice باللون الأزرق. في المقابل، تكون تلك الشقة باللون البرتقالي وعندما يتم إطفاء الضوء، عند حلول الليل، يكون الضوء الوحيد المتبقي قادماً من خارج الكادر، مايرمز ويوحي بمساحة الخطر التي تهدد الزوجين. والإيحاء بشيء ما يتسرب إلى حياة الزوجين البرجوازيين ... التباين البرتقالي / الأزرق يتردد في الصور مع تباين الأسرة / النبض الضوئي. خلال الفيلم، عندما يتدخل ويتسلل الجنس والسرية إلى الزوجين، تغزو زرقة الليل الشقة تدريجياً. فلا تظهر النافذة الصور بل الألوان. وهذا الجو المركب من الضوء واللون يبسط، ويلخص في لونه كل شيء موجود على الجانب الآخر. إنه يقترح فقط عالمًا عكس ذلك الذي توجد فيه الشخصية؛ في المسكن وفي المدينة الغامضة، للمشاهد الداخلية، وللمشاهد الخارجية، العالم الخاص للمجتمع السري على سبيل المثال، الذي يخفي (البرتقالي) خلف حجارة (الأزرق) للقلعة أو القصر. تتيح النافذة عملية التصفية، والتسلل إلى آثار عالم متداخل في عالم آخر، مثل السائل في وعاء مغمور.
المصور ومدير التصوير السينمائي ماتيو بويروت-ديلبك Matthieu Poirot-Delpech في أفلام (عين رائد الفضاء و الراهب (L’œil de l’astronome، Le Moine ...)
يدفع الاتصالات والتعبيرات الضوئية بين المسافات إلى أبعد من ذلك: فهو يعتقد أن النافذة بمثابة ثقب لذبذبة الكاميرا. وفي الاستوديو، يتخيل ويبسط الديكور الخارجي بغية إعادة إنتاج الآثار. فإنه يدفع إلى الذروة مفهوم الإضاءة خارج الكادر. ومن ثم يطبع العالم الخارجي صورته في الخلفية.

كاميرا الأوسكورا Une CameraOscura هي غرفة أو صندوق أسود ، مع وجود ثقب في أحد جدرانه. إذا كان الثقب صغيراً بما يكفي، فستتشكل صورة معكوسة للخارج على الجدار المقابل للفتحة داخل الصندوق المظلم. أما إذا كان الثقب كبيراً جدًا (مثل النافذة)، فلن تتشكل صورة. ومع ذلك، فإن فتح نافذة يوزع الهيمنة الملونة في مناطق مختلفة من الغرفة التي تضيئوها. وهذا تمرين اقترحه مدير التصوير ماتيو بوارو ديلبك على طلابه وطبقها ميدانياً: تخيل أنفسنا في المطبخ، وننظر من النافذة في حديقة محاطة بجدار من الطوب الأحمر في يوم صاف ذو سماء الزرقاء. تنعكس داخل الغرفة الألوان الخضراء والحمراء والزرقاء، الأخضر باعتباره لون العشب الأخضر، الأحمر باعتباره لون الجدار، الأزرق باعتباره لون السماء.
من الناحية الهندسية، يضرب الضوء القادم من السماء بشكل أساسي الأرض ويوجد ظل العشب بشكل أساسي على السقف. لإعادة إنتاج هذا التأثير في استوديو سينمائي، من الممكن تمامًا تخطيط هذه الحديقة، هذا الجدار، هذه السماء بمواد بسيطة وملونة. تم تصميم هذا الرسم البياني الملون، الذي تم وضعه أمام نافذة ديكور الاستوديو المضاءة، لإرجاع ضوء واقعي على الشاشة. في مثالنا، لوحة قماشية عالية الانتشار، تمر خلالها إنارة بروجكتورات ضوء النهار، والتي ستبسط القبة السماوية؛ شريط أحمر (للجدار) ونسيج أخضر أو قماشة خضراء (للإيحاء باللون النباتي) يعكس الضوء القادم من مجموعة ثانية من البروجكتورات. عند ذلك سيتطور الضوء الذي يحتوي على تعقيد الواقع في المكان أو الديكور المصور وعلى الأجسام. ديكور غير مرئي (خارج الكادر المضاء) يثري الغرفة المبنية، ويعطي الواقع المادي للمظهر الخارجي المتخيل؛ وهذا ما عنيناه بمقولة "الضوء يخلق المكان السينمائي".
في فيلم الجاذبية Gravity 2013(إخراج آلفونسو كيارون Alfonso Cuaron مدير التصوير ، عمانوئيل لوبيزكي Lubezki)، كانت الخلفيات أو اللقطات الخلفية يتم إنشاؤها وتنفيذها بواسطة الكمبيوتر قبل التصوير أو بعده ، ولكن ما أن يبدأ التصوير الحقيقي كان من الضروري إنتاج تأثيرات ضوئية معقدة للغاية على الوجوه والأجسام: ضوء الشمس ، الذي لم تتم تصفيته بواسطة الغلاف الجوي ، التوهج الأزرق ينعكس على سطح الأرض ، والأشعة التي تنعكس على سفينة فضائية ... أضواء لا يتوقف تغيرها فيما يتعلق بالممثلين و لا تتوقف عن التطور أثناء تحركها. لذلك كان من الضروري بناء إضاءة قادرة على تحويل نفسها أثناء اللقطة (اختلافات في اللون والشدة والملمس)، والتحرك بأقصى سرعة حول الممثلين، على سبيل المثال عندما تدور البطلة في الفضاء منذ مشهد الافتتاح. أصبح صندوق الإضاءة المصمم خصيصاً لهذه المناسبة هو مصدر الضوء الوحيد في البلاتو. شكلت صور اللافتات هذه اللوحة لتكون مساحة لعب الممثلين (تم استبدالها لاحقًا بالصور التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر) ، وأضاءت هذه المساحة "بشكل طبيعي".
إذا تم حل مسألة الواقعية هذه من خلال تركيبات فنية وتقنية دقيقة، فإن الشعور أمام ضوء مستحيل أو غير واقعي مثل هذا غالبًا ما يكون غامضًا. الضوء الذي لا يتصل و لا يشكل راكور بالفضاء بحيث يترك انطباعًا غريبًا بأن هناك خطأ ما أو أن "شيئاً ما لا يستقيم مع المنطق" ، ولكن من النادر أن تكون قادرًا على تقديم تفسير منطقي لذلك على الفور.
لنأخذ لقطة من فيلم- L’Année dernière à Marienbad " العام الماضي في مارينباد The Last Year in Marienbad من إخراج آلان رينيه (Alain Resnais، سنة1961. قد لا نتمكن من رؤية أي شيء خاص فيها لأول وهلة، ولكن إذا دققنا وأمعنا النظر فيها فسوف نشعر أن هناك مشكلة، ولذلك سبب وجيه! فهناك نجد ما نسميه راكور خاطيء في اللقطة داخليًا، أي أن هناك خلل في المنطق بين الضوء الذي يصيب الشخصيات وضوء الحديقة: الطقس رمادي، والتماثيل والأشجار في الحديقة لا تخلق ولا تعكس أية ظلال. ومع ذلك، فإن الأجساد لها ظل مرسومة وممتدة للغاية، مثلما تفعله شمس منخفضة في سماء صافية. تكشف أرشيفات مخطوطة لفتاة السكريبت سيلفيت بودروت عن العمل الدقيق الذي تم إنجازه لتحقيق هذا التناقض الناجم عن إنارة دقيقة ومدروسة للغاية وصعبة التحقيق لكنها وضعت تحت السيطرة. في يوم رمادي بشكل خاص، يتم وضع الإستنسل الكبير أو تماثيل من الشكل البشري على الأرض لرسم الظلال التي ستخلق انطباعًا أنها ناجمة عن سقوط أشعة الشمس على الأشخاص الممثلين والكومبارس الحقيقيين الذين يحتلون مواقع والتماثيل التي رسمت الظلال . ولكن بتعديلنا للفضاء أو المكان، نقوم بتعديل تصور وإدراك نوع الضوء ومصدره (فالظل يعني أو يتضمن وجود الشمس).
تفسير ذاتي لتأثير المعنى هذا: في اللقطة، تتعايش فترات زمنية مختلفة (يوم مشمس، يوم غائم). الحديقة، غير قابلة للتغيير مثل جدران الفندق، مغطاة في وهج شاحب وخارج الزمن الواقعي. تبدو الأجسام، نفسها، وكأنها مضاءة بشمس خام قاسية: فهي تلقي ظلال مزولة على الأرض. كانت حركة الظل على الأرض دائمًا مقياسًا للوقت. يبدو الأمر كما لو أن الأجساد تحدد الساعة. حرفيا: في حين أن الفضاء يبدو أبدياً، وإن المباني التي نسكنها ستبقى على قيد الحياة بعد زوالنا، كما لو أن البشر عالقون في تدفق الزمن ، يتم نقلهم على الرغم من أنفسهم من قبل قوة غير مادية لا أحد يتحكم فيها. الضوء المستحيل يخلق مساحة مستحيلة أو فضاءاً مستحيلاً.
الفضاء أو المكان يخلق الضوء:
العمل اليومي لمدير التصوير أكثر شيوعًا. فالمطلوب منه هو إضاءة بسرعة، وفي كثير من الأحيان التقليل قدر الإمكان من المعدات التقنية. ومع زيادة حساسية الكاميرات بشكل كبير تقريبًا، لم تعد المشكلة "تعبئة الأشرطة الخام السلبية في الكاميرات بالضوء اللازم لتعريضعها" (إرسال طاقة ضوئية كافية) للحصول على صورة. لقد تغيرت مهنة مدير التصوير وتطورت كثيراً: " في الواقع، منذ التحول الرقمي، قضيت وقتًا أطول تقريبًا في إزالة الضوء من إضافته" ، يوضح بيير آيم (مدير التصوير في أفلام : الحقد أو الكراهية ، و لدغات الفجر ، و كنت أحلم دائمًا بأن أكون رجل عصابة ...). وبعبارة أخرى، لتعزيز التباين في الغرفة، يفضل إخفاء نافذة (جانب الظل) بدلاً من إضافة بروجكتور إنارة (الجانب المضيء). إنها لعبة مع مكان التصوير في اللقطة التي يتم إعدادها.
وهذه نصيحة لأي مدير تصوير شاب، سوف تأتي بسرعة اللحظة التي تدرك فيها أن تكرار عملية "إلقاء الضوء على إطار أو كادر اللقطة" كعمل روتيني قد يكون خطيرًا إذا تم تفسيره بشكل خاطئ. إن الاضطرار إلى تحريك بطارية كاملة من أجهزة الإنارة والبروجكتورات عند كل تغيير في المحور أو زاوية التصوير تستغرق وقتًا طويلاً ولكنها أيضًا مقيدة: إذا كانت المساحات المختلفة للمجموعة مضاءة بطريقة لكل حالة إضاءتها الخاصة، حينها لم يعد الممثلين أحرارًا في التنقل. إن إضاءة مشهد هو مشكلة مساحة او مكان وليس مشكلة لقطات. بمجرد إضاءة الديكور، يقوم المصور بتعديل كادره للضوء عن طريق وضع الكاميرا واختيار المكان المناسب لآلة التصوير. إذا كان الممثل في الظل أيضًا، فإن تحولًا أو تغيراً طفيفًا في زاوية التصوير يمكن أن يضعه على خلفية أفتح أو أكثر إنارة..
من أجل توفير الإضاءة العضوية، يحاول بعض مدراء التصوير تفضيل الضوء الناتج عن الديكور نفسه. إن "أجهزة الإنارة" هي المكان المناسب للإحاطة بمكان الحكاية الفيلمية وتتيح في بعض الأحيان إمكانية الإضاءة بدون بروجكتورات اصطناعية سينمائية. في فيلم "السجناء" (إخراج دينيس فيلنوف ، 2013) ، يُظهر مدير التصوير روجر ديكنز اهتمامًا مستمرًا بالحفاظ على عنف الضوء الحقيقي ، أي عدم تليين الظل ، وعدم الخوف من الظلام. ويقبل أن يظهر الممثلين في لقطات معتمة للحظات ويتحركون في اللقطات الظلية السلويت، وأحيانًا تعديل موقع الممثل وفق ضوء المكان، وهي خيارات لكنها ليست تنازلات، لأن الصورة الناتجة جريئة وقوية. يتم إضاءة العديد من المشاهد الداخلية بواسطة مصابيح الورشة التي تكون حينها جزء من اللقطة ويكمن فن مدير التصوير وإبداعه في اختياراته الصحيحة في وضع مصادر الإنارة وتوزيع الضوء لتشكيل لقطة مرئية صحيحة وجميلة ومعبرة واقعية أو تعبيرية أو رمزية ذات جمالية خاصة كما هي اللوحة التشكيلية. بدأ روجر ديكنز مهنته كمدير تصوير في مجال الفيلم الوثائقي الذي هو بمثابة مختبر حقيقي لتجريب كافة أدوات ومعدات وأجهزة الإنارة حينما تتوفر الفرصة لمدير التصوير أن يختلق ويبتكر ويضيف ويجرب في عمل الإنارة، كأن يفتح كوة هنا ويخفي أو يغطي نافذة هناك، يشعل ضوء مكتب أو شمعة في شمعدان الخ.. وعليه أن يكيف موقع الكاميرا وتحركها وفق حجم المساحة المتوفر للتصوير مكانياً وإمكانيات التلاعب بمناطق الضوء والظلال. و"تقديم الممثلين والتركيز على وجهة نظر شخصياتهم" ، يقول روجر ديكنز:. "كان الهدف هو الحصول على اللمعان الصحيح على وجوههم، ولكنه ، علاوة على ذلك ، زودهم بمراجع بصرية مفيدة للغاية". مثل مصابيح الموقع التي هي جزء من الديكور. وقد أبرع ديكنز في وضعه الصحيح لتكوين صورة واضحة وواقعية وجمالية. لم يكن يمتلك رفاهية العمل قليلاً مع الإضاءة كما هو الحال مع الأفلام الوثائقية التي أضاءها، حيث غالبًا ما يتوفر لمدير التصوير إمكانية التجريب والابتكار، فهو دائمًا يتكيف مع موضع الكاميرا في موقع التصوير ويستوعب أحجامها وظلالها وأضواءها.
في فيلمه الوثائقي كويامارو الشتاء والربيع، قام جان ميشيل ألبيرولا على مدى عامين، بتصوير العائلات الريفية اليابانية بالأبيض والأسود. لا توجد مصادر إنارة إصطناعية أو إضافية؛ كانت إضاءة فيلم كويامارو هو لفتة بلاستيكية قوية. في الخارج، تختلف تباينات الجبل مع المواسم (الأشكال السوداء على خلفية نباتية خفيفة في الربيع؛ الأشكال الداكنة على خلفية بيضاء من الثلج في الشتاء). وهنا نلمس فعلاً أن المكان يخلق ضوئه الخاص به، بفضل صرامة الكادر: عمل العزلة، والترتيب. يهرب من خلفية غير أنيقة، ويعزل وجهًا على خلفية يبرزها. في الداخل، يستخدم ثراء الإضاءة الطبيعية للمساكن اليابانية التقليدية.
هذا ما كتبه جونيشيرو تانيزاكي في عام 1933، مما يوحي بأن تحديات الضوء، بالنسبة للكاتب مثل صانع الأفلام، هي نفسها: في الواقع، جمال غرفة المعيشة اليابانية، التي ينتجها فقط التلاعب بدرجة العتمة والظل ومصدر الإضاءة الخارجي الطبيعي، دون أي ملحقات. [...] خارج هذه الغرف، حيث تخترق أشعة الشمس بالفعل بصعوبة شديدة للغاية الجدران، نعرض مظلة كبيرة، وننشئ شرفة أرضية لمسافة أبعد من ضوء الشمس. وأخيرًا، داخل الغرفة، لا يسمح الشوجي التقليدي shôji بدخول الضوء المنعكس من الحديقة، وهو انعكاس خافت. والآن فإن هذه الإنارة غير المباشرة والمنتشرة بالضبط هي العامل الأساس لجمالية المساكن اليابانية. ولكي يصل هذا الضوء المنهك والمضعف والمضطرب، يتخلل جدران الغرفة تمامًا، هذه الجدران المغطاة بالرمل، نرسمها بلون محايد، عن قصد [...]. لأنها إذا كانت لامعة، فإن كل سحر هذا الضوء المعوز سيختفي [...]. يسعدنا هذا الوضوح الضعيف المصنوع من السماد الخارجي ذي المظهر غير المؤكد، حيث يتمسكون بسطح الجدران الملونة بلون الشفق، والتي بالكاد تحتفظ بآخر بقايا الحياة. علاوة على ذلك لقول الحقيقة، فإن الضوء الذي يضيء الجزء الخلفي من هذا الــ shøji يأخذ لونًا باردًا وباهتًا ، كما لو أن أشعة الشمس ، بالكاد أتت من الحديقة حتى ذلك الحين [...] وفقدت قوتها لتضيء ، كما لو كانت مصابة بفقر الدم لدرجة عدم وجود قوة أخرى سوى التأكيد على بياض ورقة الشوجي". هنا، ربما تم تدمير التوازن الهش للتباينات في الإسكان الياباني بإضافة ضوء أجنبي أو اصطناعي إلى هذه المساحة المكانية. من خلال الخضوع إلى الواقع المعماري لهذه المنازل، كي نحافظ على فكرة الفضاء المصور سينمائياً.
توضيحات:
1. Junichirô Tanizaki، In Praise of the Shadow، Verdier، 2011. إذا كان تانيزاكي يتحدث هنا عن السكن الياباني التقليدي، في نقاط عديدة مختلفة عن الإسكان الريفي في كويامارو ، فإن هذا الشعر من الفضاء والضوء ، موصوف بإسهاب ومع ذلك ، وجد الكاتب صدى مفاجئًا في الصور التي التقطها ألبيرولو سبعون أوقية لاحقًا.
2. في العمارة اليابانية، شوجي مادة توضع على باب أو نافذة أو جدار
3. قسم الورق الشفاف الشوجي مثبت على هيكل خشبي.

4. الديكور في فيلم الجاذبية
تم تركيب صندوق خفيف Light Box على منصة مرتفعة في المرحلة R من استوديوهات Shepperton بلندن، ويبلغ طول الــ Light Box 6 أمتار وعرضه 3 أمتار. من جهة، أدى الدرج إلى باب منزلق يتيح الوصول إلى الداخل، بينما من ناحية أخرى، ربط الرواق الهيكل بـ "مهمة التحكم" الخاصة به، وبعبارة أخرى يقوم فريق من الفنيين المتخصصين في نشر تأثيرات بصرية خلف شاشات الكمبيوتر الخاصة بهم.
كان التوهج من الألواح مصدر الضوء الوحيد للديكور
- باستثناء صندوق الضوء - مصرح به في المجموعة. كان هيكل صندوق الضوء قابلاً للتكيف: يمكنك شد الجدران أو خفض السقف أو تعديل تكوين التربة. تم تثبيت بعض اللوحات حتى تتمكن من الفتح أو الإغلاق. يحتوي الجزء الداخلي من الصندوق على 196 لوحة ، 60 سم × 60 سم ، مجهزة بمصابيح 4096 L ED ، قادرة على عرض وتعديل أي شعاع ضوئي ، من أي لون حسب الرغبة. (...) فجأة، يمكن عرض أي صورة على الجدران ، سواء كانت الأرض ، أو محطة الفضاء الدولية (ISS) ، أو النجوم البعيدة ،