إن تزور بيروت هذه الأيام (2)


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 5963 - 2018 / 8 / 14 - 02:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

زيارة بيروت هذه الأيام تفتح صفحات كثيرة، سابقة وراهنة، وتعيد للزائر كل الذكريات، الحلوة والمرة، وفي كل الأحوال تظل بيروت خيمتنا الاخيرة، حين تغلق كل العواصم أبوابها لفعاليات عروبية واستضافة شخصيات فيها من أبناء الأمة العربية، من المحيط الى الخليج، يحملون على ظهورهم صليب الأمة ومعاناتها وآلامها. وفي نشاطاتهم يعبرون عن هموم الأمة ومصالحها، ويقبضون على جمر القضية المركزية، قضية الشعب الفلسطيني، التي أصبحت منسية في الرفوف العربية الرسمية، أو في طريق تصفيتها والشماتة من حاملي جمرها، علنا دون خجل أو حرج أو تورية.
سميت صفقة القرن أو صفعته ولم يجرؤ أصحابها عن التصريح بها، سربوا تفاصيل أو عناوين منها، واوفدوا عرابيها الى المنطقة لتوريط زعمائها في التوقيع والاذعان والارتهان لها وبها. ومثلها سربت اشارات موافقة أو ارتباط بشكل من الاشكال، إلا أن إرادة الشعوب وخيار الأمة اقوى من أن تفرض عليه امثالها، فاندلعت مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة واشتركت معها عواصم ومدن عربية، بعضها محاصر برا وبحرا وجوا، وتحت القصف اليومي بكل أشكاله وانواعه، ورغمه خرجت ملايينها ترفض ما أعلن عن الصفعة وترد على قرارات صهيو أمريكية في اعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل السفارة الأمريكية إليها وغيرها من الإجراءات الإجرامية في محاصرة الشعب الفلسطيني ومحاولات اركاعه، وليس آخرها اصدار قانون عنصرية الدولة، الكيان الاستيطاني المغتصب، لتعميق النكبة وتكريس المأساة وفضح حقيقة الكيان وسياساته وارتباطها بسياسات واشنطن ولوبياتها ومجمعاتها. وكذلك استمرت قوافل السفن المتضامنة مع القضية، من موانيء عالمية وبمشاركة احرار امميين، والرافعة لعلم فلسطين والإصرار على مشروعية القضية ورفض حصارها أو إنكار حقوقها.
تشتد الحاجة في بيروت الحرية الى وسائل جديدة أو متواصلة للتعبير عنها، لكشف المكسب الذي ما كانت بدونه. وتزداد الحاجة الى رجال دولة قادرين على الاستناد إلى إرادة الشعب وخياراته، وعدم الارتهان أو الخنوع، وتقبل التدخلات الخارجية التي لم تكن يوما لصالح الشعب والدولة، التي يتكرر الكلام عن أن قوة لبنان في ضعفه، أو التستر به لتمرير ما يخطط له أو يراد منه، وهذه أمور لا تحتاج إلى تأمل أو انتظار. فالزائر القاريء للتطورات وما تنشره وسائل الإعلام أو تسربه الوسائل الأخرى تكشف ضغوط زوار بيروت الرسميين وما يحملون لها من أدوار ليست كلها تصب في خدمة الشعب اللبناني أو المنطقة التي تكون بيروت نافذة عربية حرة فيها.
من بينها ما تقوم به بعض السفارات والسفراء من أدوار معبرة عنها، أو متداخلة بين سياساتها وما يخطط للمنطقة من مشاريع أو سيناريوات مدمرة وكارثية في نهاياتها. وبعض هذه السفارات تكرس أساليبها في الفساد والأضرار في الخدمات العامة أو في وظيفتها الرسمية والمعترف لها به قانونيا واخلاقيا. وللمثل فقط تقوم السفارة الألمانية في بيروت في ادوار مزدوجة، فتدعي رعايتها لأوضاع اللجوء لأبناء بلدان عربية بشكل سافر مثير للتفتيت والتقسيم الديني والطائفي وتشويه صورة الشعب فيه، فضلا عن الفساد المالي الكبير في تكليف المراجعين أموالا طائلة بذريعة التصديق على الوثائق التي تطلبها منهم، والتسويف والتأجيل والتفريق أو الرفض وضياع المال والوقت، مع التعامل الفوقي واحيانا المنافي للقيم الإنسانية التي تدعي هي وغيرها الدفاع عنها إعلاميا. وبالتأكيد لا تختلف كثيرا سفارات غربية اخرى، في طرق أو أساليب تعاملها مع المواطنين العرب، أو تعميق الجراح التي تصب بلدانها الزيت في حرائقها واستمرارها.
حاولت مؤسسات أو منظمات دولية صناعة مشاكل وازمات داخلية، ومازال بعضها يناور في سبيل تعقيد أو زيادة الصعوبات أمام الدولة وسياستها، وهي تابعة للأمم المتحدة ولديها قرارات أممية في احترام قواعد عملها وتنفيذ خدمات مطلوبة في عملها، كمنظمة شؤون اللاجئين أو منظمة الأونروا أو غيرها الأخرى التي تدعم الأعمال الإنسانية وتوفير ما تحتاجه محليا. وللاسف تتدخل السفارات وهذه المؤسسات في أحيان كثيرة في أعمال ليست من اختصاصاتها أو المسموح لها به، وهي ملزمة قانونيا أو عرفا بما يمنعها عنه. وتستثمر هذه المنظمات أجواء لبنان ومناخاته المفتوحة او غض النظر أو مشاركة بشكل ما لبعض جهات في السلطات، وتسعى من جهتها لزيادة تدخلاتها وتاثيرها في القرارات أو في التوجهات أو في صناعة بدائل عنها بأسماء مشابهة أو مغايرة تصب في خدمة أهدافها ومشاريعها. فتكثر اسماء منظمات وهيئات ومؤسسات تعرف من خلال تمويلها أو أدوارها العملية في غرس ما تريده مصادرها واموالهم، وحتى في تشويه أو حرف جهود مؤسسات قائمة كانت لها ادوارا معلومة في برامجها وفعالياتها في خدمة الأمة العربية واهدافها المشروعة.
رغم كل ذلك تظل بيروت في العموم واحة الحرية والمقاومة الفعلية، فلا تتوقف نشاطات قواها الحية والمتضامنين من العرب والاحرار الاممين معها، وليس آخرها خروج تظاهرة أو بالاحرى تواصل التظاهر والاحتجاج، تضامنا مع المسيرات الفلسطينية، وتقف مع الدم الفلسطيني مواكبة الجرح الفلسطيني وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، فترفع اللافتات الواضحة في مواقفها وشعاراتها وتطيٌر الطائرات الورقية بالعلم الفلسطيني وتزور الحدود مع فلسطين المحتلة منتظرة ساعة الانتصار التاريخي.
يواكب هذه الفعاليات المعبرة عن تطلعات الجماهير العربية وتواصلها معها، ما يجري في الشارع اللبناني، فلا يتوقف عن الإصرار على تحقيق متطلباته المشروعة في حياة حرة كريمة، والإسراع في تشكيل حكومة وطنية تخدم مصالح الشعب اللبناني وعلاقاته القومية ودوره ومواقفه المعلومة في بناء استقرار وأمن وتقدم وازدهار، ليس له وحده وانما في المنطقة وجوارها. فالحرية ليست شعارا وحسب، والديمقراطية ليست لافتة وحسب، والمقاومة ليست لغة وحسب، والابداع ليس كلاما وحسب، انها بوتقة صاهرة ومكملة وتكاملية في رفع شعار الارزة اللبنانية إلى جانب الأعلام العربية في التحرر الوطني التقدمي والإنساني الجامع لكل الطاقات المخلصة والخيارات الوطنية والقومية.