مصداقية ممثلي الشعوب وطوفان الاقصى


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 7795 - 2023 / 11 / 14 - 04:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كشف طوفان الاقصى، من بين ما ظهر وعلم واعلن، مصداقية بعض ممثلي الشعوب، اعضاء البرلمانات المنتخبين فعلا من الشعب ولخدمة الشعب، في اكثر من بلد في التصريح بموقفهم داخل قبة البرلمان الذي ينتسبون اليه، او في الفعاليات التضامنية او عبر وسائل الاعلام المختلفة، وبصوت عال وثبات واضح يعلنون موقفا صريحا ويطرحون دليلا صارخا على ما حصل في غزة بعد طوفان الأقصى. وهذه مؤشرات لها دلالتها ومعناها في ظل الظروف والاجراءات الرسمية والتحولات في المواقف الرسمية وتبعية اغلب الحكومات الغربية الى سياسات الادارة الامريكية وممارساتها الفاشية وقيادتها للمجازر الدموية للشعب الفلسطيني، وخصوصا في قطاع غزة. وهؤلاء الممثلون الفعليون لشعوبهم يقراون مزاجها ويستمعون لنبضها ويعبرون عن لسانها، واتجاه اهتمامها وخياراتها دون لف ودوران او تهرب وتملص من الوقائع والحقائق. فطوفان الغضب الشعبي العالمي بملايين الاصوات في عواصم الدول الغربية، وتحدي قوانين حكوماتهم واجراءاتها وارتكاباتها. يعطي صورة اكبر من كلماتها ويسرد رواية حقيقية لمعاني المصداقية والنضال التقدمي والكفاح المشترك من اجل عالم انساني متحضر ومتقدم، ولعل في صورة هؤلاء المشرعين ايضا نموذجا متميزا ومثالا كبيرا ينبغي احترامه وتقدير دوره وتثمين جهده ورفع القبعة له، كما يقال في الامثلة.
من بين هؤلاء البرلمانيين، النائب الايرلندي، ريتشارد بويد، الذي وقف في البرلمان الايرلندي وتساءل بما لم يجرؤ كثيرون، واولهم من ابناء جلدتنا: "كم من المدنيين الفلسطينيين الابرياء، رجالا ونساء واطفالا على اسرائيل ذبحهم؟، كم عدد جرائم الحرب التي يتعين على اسرائيل ارتكابها؟، ما حجم الموت والدمار الذي ستلحقه إسرائيل بشعب غزة وفلسطين، قبل ان تطالبوا بفرض عقوبات على إسرائيل، وطرد السفير الاسرائيلي من بلدنا، وتطالبوا باحالة إسرائيل فورا الى المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب؟، لان ما حصل امام العالم وباعترافهم إسرائيل ترتكب جرائم حرب، وقد صرحوا بذلك علنا. هذه ليست مسالة راي، أعلنوا عزمهم على اخراج اكثر من مليون فلسطيني، عبر التهديد بالقصف العسكري، وهم الآن اكثر من مليون فلسطيني اخرجوا من منازلهم في شمال غزة وتم تطهيرهم عرقيا، جريمة ضد الانسانية، لقد اعلنوا ذلك على الملأ وفعلوا ذلك امام أعين العالم، نيتهم حرمان 2.2 مليون شخص من الماء والكهرباء والادوية والمعدات اللازمة للانقاذ أمام أعين العالم وهم يفعلون ذلك، وفي كل دقيقة يتم ذبح الاطفال بمدفعيتهم وقصفهم المستمر للمجمعات السكنية وللمستشفيات وللمدارس، للبنية التحتية المدنية، أنهم يواصلون ويواصلون ويواصلون وانتم لا تفعلون شيئا، عبارات قلق لكن لا إجراءات لمحاسبتهم، ومن الواضح انها جرائم حرب، ومتعمدة وإبادة جماعية لدينا يهود في الولايات المتحدة واوروبا وكندا في جميع انحاء ألعالم واسرائيل يصفون ذلك بالإبادة الجماعية، مفكرون واكاديميون يقولون هذه ابادة جماعية". وبصوته الجهوري وصراحته ينقل لاعضاء البرلمان اقوالا لمسؤولين من الكيان الاسرائيلي، تدعو الى ابادة اهل غزة وتعاملهم بالفاظ تعبر عن انفسهم وعن طبيعتهم، النازية الجديدة، في زمن الامبريالية المازوم.
في بريطانيا، بلد وعد بلفور، والتبعية للادارة الصهيو غربية، ندد عضو البرلمان المحارب من حزبه، حزب العمال، جيرمي كوربن بجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، معبرا عن تضامنه مع ألشعب الفلسطيني. فقد ظهر كوربن في مقطع فيديو نشره على حسابه في منصة إكس وهو يلقي خطاباً جماهيراً طالب فيه بإنهاء الاحتلال والقصف على غزة وتحقيق سلام عادل ومستقر. وشدد كوربين على أن حرمان أناس أبرياء من حقوق الحياة الأساسية كالماء والكهرباء هو أمر لا أخلاقي، فضلا عن كونه غير قانوني. وقال في كلمته: "أقول لكل قائد سياسي في هذه الدولة: لا تتغاضَ عن جرائم الحرب وعن العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، وإذا كنت تؤمن بالقانون الدولي وحقوق الإنسان فإن عليك ألا تغفر ما يحدث الآن في غزة على يد جيش الاحتلال الصهيوني".
خلافا لتلك المواقف واصوات الضمير الانساني، وبعد "طوفان الأقصى" كررت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الوزيرة الالمانية سابقا، انحيازها المعروف وسارعت لإبراز اصطفاف الاتحاد الاوروبي مع الكيان إلاسرائيلي، وهو ما أثار حفيظة عدد من النواب المعارضين للسياسات الإسرائيلية، والمتضامنين مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب المشروعة.
فجاء رد النائب الأوروبي الإيرلندي مايك والاس على فون دير لاين مباشرا بقوله: "الغالبية العظمى من شعوب أوروبا لا تدعم دولة الفصل العنصري الوحشية في إسرائيل، الغالبية العظمى من شعوب أوروبا تدعم شعب فلسطين الذي تعرَّض للاضطهاد والترهيب من قِبل إسرائيل لسنوات عديدة، لو فقط كان في الاتحاد الأوروبي ديمقراطية حقيقية".
وادان ستيفان فان بارلي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب دينك في هولندا ما ترتكبه إسرائيل من "جرائم حرب" في غزة، مشدداً على أن "الوضع في غزة مروع للغاية. فالقنابل تتساقط على المستشفيات هناك، وإسرائيل ترتكب بالفعل جريمة حرب الآن، والعالم الغربي والمجتمع الدولي لا يفعلان أي شيء حيال ذلك، يجب وضع حد لهذا، إذ يتعين على هولندا أن تُدين هذا الوضع".
وفي فرنسا رفضت حركة فرنسا الأبية إدانة المقاومة الفلسطينية، وهو ما عرضها لانتقادات واسعة وتحرش إعلامي. كما اعرب زعيم الحزب الجديد المناهض للرأسمالية الفرنسي فيليب بوتو عن "دعمه الكامل لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه، بما في ذلك نضال المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الذي تقوده دولة إسرائيل المتعطشة للحرب".
هذه اصوات أوروبية دون تحديد ولكنها بالتاكيد تمثل الغالبية العظمى من الشعوب التي خرجت متظاهرة في شوارع العواصم العالمية، والامبريالية خصوصا، تحمل الاعلام الفلسطينية وترفع الشعارات المطالبة بالحرية لفلسطين ووقف العدوان وانقاذ غزة. وهي بلا شك اصوات معبرة ولها تاثيرها ومؤيديها، ليس بين زملائهم النواب والمشرعين، بل في القطاعات المهنية الاخرى، واوسع غالبية شعبية، يحركها الضمير الانساني واحساسها بغياب العدالة وبتفشي القتل والتوحش الفاشي والتمييز العنصري من جرائم الحرب وضد الانسانية والابادة الجماعية..
اذا حاولنا قراءة النصوص التي ادلى بها هؤلاء النواب الاحرار، اضافة الى روح تضامنها الانساني والاخلاقي والفكري، سنصل آلى نتائج قاسية بالمقارنة في صورة اخرى مقابل الهدف منها، حيث تفضح دلالاتها العميقة طبيعة الاطراف الاخرى التي تنحاز بقوة الى العدوان الصهيوني ومجازر الدم والابادة الوحشية، منها التوقف عند غياب الديمقراطية الحقيقية في الاتحاد الاوروبي مثلا، وباقي التحالف الصهيو غربي، او التبعية العمياء لسياسات امبريالية ورطت تلك الدول والعالم في حروب وصراعات ارهابية دون تقدير لابسط الشعارات التي ترفعها في بلدانها، والى عنصرية فاشية تنتهك كل حقوق الانسان ولا ترعوي امام المذابح البشرية الجديدة. وقد يكون هذا غيض من فيض الوقائع الجديدة التي تضاف الى السجلات الرسمية التاريخية. والتاريخ يرويها ويثبت ادلتها الصارخة.