الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى “سائرون”…


حسان عاكف
الحوار المتمدن - العدد: 5794 - 2018 / 2 / 21 - 14:02
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية     

« د. حسان عاكف »



»بودي الاشارة في البداية الى اني كتبت هذه المقالة بدافع الحرص على تقديم رأي لرفاق واصدقاء الحزب ومحبيه، يعتمد وقائع و حقائق المواقف والنقاشات والحوارات التي رافقت التحضير لانبثاق تحالف “سائرون” ، كما عايشتها وساهمت فيها.» .

التحالفات .. نهج ثابت :

ظل نهج بناء الائتلافات والتحالفات الوطنية مبدءا ثابتا في سياسية وتوجهات حزبنا الشيوعي العراقي على مدى عقود عمره الطويلة.
إرتبط هذا النهج، بتعدد وتشابك المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الكبرى، المطلوب تحقيقها في كل مرحلة من مراحل النضال وثقلها، واستحالة انجازها من قبل حزب او تنظيم سياسي واحد، اضافة الى ارتباط ذلك بمستوى التطور الذي يعيشه العراق وبطبيعة القوى الوطنية الناشطة في الساحة السياسية.

اتخذت التحالفات التي عقدها الحزب اشكالا متنوعة بدءا من تنسيق ميداني او انتخابي مؤقت، لتحقيق هدف او مجموعة اهداف محدودة، كما حصل ابان وثبة كانون الثاني عام ١٩٤٨، والهبات الكبرى ابان الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، والانتخابات البرلمانية عام ١٩٥٤، وصولا الى الدخول في جبهات وطنية وفق برامج سياسية واضحة ولوائح تنظيمية محددة، كما هو الحال مع جبهة الاتحاد الوطني عام ١٩٥٧ والجبهة الوطنية والقومية التقدمية عام ١٩٧٣، والجبهة الوطنية القومية التقدمية (جوقد) والجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) عام ١٩٨٣ والجبهة الكردستانية العراقية عام ١٩٨٨، ولجنة العمل المشترك عام ١٩٩٠، والمؤتمرالوطني العراقي عام ١٩٩٢ .

بعد التغيير الذي شهدته البلاد عام ٢٠٠٣ ظل الحزب حريصا على تجسيد هذا النهج الجبهوي وسعى لترجمته في الظرف الجديد من خلال الاسهام في التوجه لبناء العملية السياسية التي اريد منها ارساء قواعد عراق ديمقراطي فدرالي موحد، أو من خلال الدخول في تحالفات انتخابية سواء في الانتخابات البرلمانية او انتخابات مجالس المحافظات. ولست هنا في معرض تقييم نتائج تلك التحالفات.

بناء التحالف المدني الديمقراطي..

ومع تكريس النهج الاثني الطائفي في الدولة والمجتمع، اقترانا بتفكك رابطة المواطنة العراقية، دأب الحزب ومعه كل القوى والشخصيات الديمقراطية والوطنية الى الدعوة والتحرك باتجاه بناء اصطفافات وطنية عابرة للطائفية والمناطقية، وبهذا الشان يمكن القول ان تنظيم “التيار الديمقراطي” الذي انبثق عام ٢٠١٠ كان ثمرة تلك الجهود والمساعي، التي بذلها الحزب وحلفاؤه، رغم قناعة الجميع ان هذا الاطار لا يشكل سوى خطوة اولى، ونقطة انطلاق على طريق طويل بهدف بناء تحالف وطني مدني ديمقراطي واسع، يشكل رقما صعبا ومعلما بارزا في الحياة السياسية في البلاد، قادر على كسر احتكار السلطة وانهاء نهج المحاصصة الطائفية والاثنية والحزبية، واستئصال الفساد ووضع البلاد على السكة الصحيحة، سكة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، دولة العدالة الاجتماعية والمؤسسات الدستورية والقانون والتنمية الاقتصادية والبشرية والثقافية.
وارتباطا بمجمل المتغيرات التي شهدتها البلاد في السنوات القليلة الماضية ترسخت القناعة لدى عموم رفاق الحزب ومنظماته، ولدى عموم الفعاليات الناشطة في الميدان المدني الديمقراطي؛ منظمات وشخصيات، في الداخل والخارج وشرائح متسعة في المجتمع، ان الوقت قد حان لبناء تحالف مدني ديمقراطي واسع، يتجاوز حدود التيار الديمقراطي، وقادر على مواجهة القوى المتنفذة، المتغطرسة والمتمترسة في السلطة.

وكانت غالبية الاطراف والشخصيات المدنية، ان لم يكن جميعها، تنظر الى الحزب الشيوعي باعتباره نقطة الجذب الهامة لهذه المهمة والدعامة الاساسية والداينمو المحرك باتجاه هذا التحالف.
ودفعت هذه القناعة المؤتمر العاشر لحزبنا الى توجيه نداء خاص الى “القوى والاحزاب والشخصيات المدنية الديمقراطية”، بهدف خلق اصطفاف مدني ديمقراطي واسع، يقود في نهاية المطاف الى نشوء كتلة وطنية مدنية مؤثرة وفاعلة، تنقل البلد الى شاطىء الامان والاستقرار.
واعتبر الحزب ان «مهمة السعي الى الارتقاء بدور “التيار الديمقراطي” وقواه وشخصياته، وتوسيع وتطوير نشاطاته وعلاقاته باستمرار» هي نقطة الانطلاق له على هذا السبيل.


إنبثاق تحالف القوى الديمقراطيةالتقدمية “تقدم”..

ومنذ وقت مبكر من العام الماضى ٢٠١٧ دشن الحزب وحلفاؤه في التيار الديمقراطي ، بمن فيها تنسيقياته في الداخل والخارج، سلسلة من اللقاءات والحوارات مع احزاب وشخصيات ووجوه وطنية مدنية أخرى بهدف توسيع اطار التيار، وبناء تحالفات انتخابية وسياسية اوسع يكون التيار الديمقراطي جزءا منها. وتمت صياغة خارطة طريق للتحرك على الاخرين، حددت ثلاثة مستويات لهذا التحرك حسب درجة قرب الاطراف والشخصيات الاخرى من برنامج التيار الديمقراطي واهدافه، ولم يستثنَ من هذا التحرك المتدينون المتنورون ممن يؤمنون بالفكر المدني والدولة المدنية الديمقراطية.
اتفقت اطراف التيار الديمقراطي منذ البداية على اهمية الحفاظ على وحدتها وعدم التفريط بها راهنا، في اي تحالفات جديدة قادمة، وتحت اي ظرف من الظروف، كونها ضمانة اكيدة لتشكيل تحالف واسع ومتين.

بعد قرابة عشرة اشهر تمخضت هذه الحوارات، عن ولادة تحالف القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” نهاية تشرين الثاني 2017، الذي اعتبره كثيرون خطوة ايجابية جديدة على طريق ترصين ادوات بناء الدولة المدنية الديمقراطية.

ضم هذا التحالف الى جانب حزبنا الشيوعي العراقي، التيار الاجتماعي، حزب الامة العراقي، التيار الديمقراطي بشخصياته وتنسيقياته في الداخل والخارج، التجمع من اجل الديمقراطية في العراق، حزب التجمع الجمهوري وحزب نداء الرافدين، حزب بيت نهرين، المنبر الديمقراطي الكلداني، التجمع الديمقراطي الاجتماعي، حزب العمال العربي مع شخصيات وطنية اكاديمية ونقابية مستقلة.

بارك اجتماع اللجنة المركزية للحزب الذي عقد بعد اسابيع قليلة من انبثاق “تقدم” التحالف الجديد، وورد النشرة الصادرة عن هذا الاجتماع والمعممة في ١٨ كانون الاول ٢٠١٧ :
«استكمال التحضيرات الجارية بعقد المؤتمرات المحلية لـ “تقدم” في المحافظات وضمان نجاحها بمشاركة أحزاب التحالف و الشخصيات الديمقراطية والمدنية من المستقلين ومن مبدعي الثقافة والأكاديميين وممثلي الاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وكذلك ممثلي الحراك الاحتجاجي.».
ومنذ البداية وضع التحالف الجديد نصب عينيه مهمة مواصلة اللقاءات والحوار مع اطراف مدنية اخرى للنظر في امكانية توسيع اطاره، منها حزب المبادرة الوطنية(موطني)، والمؤتمر الوطني العراقي وحزب الاتفاق العراقي، مع شخصيات وتنظيمات محلية في اغلب المحافظات، واخيرا تنظيم جبهة الكرد الفيلية الذي تم اللقاء بوفد من قيادته قبل ايام معدودات من حصول الارتباك، الذي اثارته الاستدارة الحادة والمفاجئة نحو التيار الصدري وحزبه الوليد.

ولابد هنا من الاشارة الى بعض الصعوبات التي واجهت “تقدم” في فترة الشهريين اليتيمين من عمره، تلك الصعوبات التي ارى ان الاخوة في حزب التجمع الجمهوري وتيار الرافدين( انتقل كلاهما الى تحالف سائرون) كانوا مسؤولين اساسا عنها، نتيجة ميلهم نحو المركزية والتشدد التنظيمي والاقصاء .

كما ان تعدد المراكز في ادارة هذا الملف من جانب قيادة حزبنا، وظهورنا امام حلفائنا بشخوص متعددي الادوار، كان له دوره في الارباك الذي واجه تقدم، وأضعف مكانة الهيئة القيادية وتماسكها لاحقا امام الاحزاب السياسية الاخرى، وهذه الظاهرة تحدث لأول مرة في تاريخ الحزب.



مفاجئة…

بعد اعلان تحالف تقدم باسابيع قليلة، وفي اجواء الترحيب الحار والاشادة بهذا التحالف الوليد من وسط مدني ديمقراطي واسع في الداخل والخارج، فاجأتنا “طريق الشعب “ بالعمود الاسبوعي لاحد اعضاء المكتب السياسي للحزب، اثار استغراب رفاق عديدين بضمنهم رفاق من اللجنة المركزية، لما تضمنه من طروحات نالت من تحالف تقدم والهيئة المؤقتة لقيادته، التي تم اختيارها باتفاق احزاب التحالف لادارة العمل لحين وضع ضوابط واليات تنظيمية يجري الاتفاق عليها.
في هذه المقالة نبه عضو المكتب السياسي “مشروع تقدم” “من الوقوع في فخ النخب” وأتهم احزاب تقدم ووبخها لكونها مهتمة بالشكليات ومصابة بالبيرقراطية، داعيا اياها الى الابتعاد عن التعالي والتهميش واثارة الحساسيات..!!. كل هذا وتحالف القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” مايزال رضيع في اسبوعه الخامس.
بعد اعتراض عدد من رفاق اللجنة المركزية على ما ورد في المقالة التقاني الرفيق رئيس تحرير الجريدة وقدم لي اعتذاره عن الخطأ الذي حصل بنشر المقال، باعتباري مسؤول لجنة العلاقات في الحزب والمسؤول المباشر عن القضايا التي تناولها المقال بالنقد.
شخصيا مازلت اعتبر ان ما نشر في تلك المقالة كان اعلان واضح لبدء مغادرة تقدم والاستدارة الاخيرة صوب التحالف مع الصدريين. وهذا ما اكدته طريقة ادارة هذا الملف والاتصالات والخطوات التالية، التي انتهت بالذهاب الى سائرون، كما سيتبين في سياق هذه المقالة.


موقف اجتماع اللجنة المركزية من قضية التحالفات ..

عقد اجتماع اللجنة المركزية للحزب في ٧ــ٨ كانون الاول ٢٠١٧ ، وتناول موضوعة التحالفات، واقر الوجهة العامة للحزب، وذلك ارتباطا بالتباين في وجهات النظر وطرح العديد من الأسئلة، الاجرائية والسياسية – الفكرية، ومن بين الخلاصات التي توصل اليها الاجتماع هي تأكيده على ان يتواصل النقاش للتوصل الى المزيد من المشتركات والإجابة على الاسئلة التي طرحت حينها.ولضمان رغبة الاجتماع في توسيع دائرة المشاركة والتشاور اقر تعميم رسالة داخلية على المحليات يطلب منها ابداء رأيها لكي يكون ممكنا اخذ القرار المناسب عبر أوسع دائرة مشاركة ممكنة، خصوصا وان هناك جدل داخل الحزب بشأن الموقف من التشكيل الجديد الذي يهيء له السيد مقتدى الصدر. غير ان الرسالة لم تكتب ، وبالتالي لم يعمم شيء، مع شديد الأسف.


اللقاءات مع اللجنة الخماسية وحزب استقامة..

في هذه الفترة، وقبل ان يعلن عن حزب استقامة او يُعرف اسمه او برنامجه، او اي شيء اخر عنه سوى انه حزب تم الاشراف على تاسيسه من قبل السيد مقتدى الصدر، بادرت اللجنة الخماسية، التي يشرف عليها ويقودها السيد الصدر، وطلبت اللقاء باطراف تقدم عبر توجيه دعوات منفردة لاحزاب التحالف، مشترطة استبعاد احد اطراف تقدم من الحوار وقطع حوار تقدم مع حزب سياسي اخر. غير ان احزاب تقدم اتفقت على مبدأ عدم الدخول في حوارات منفردة مع اللجنة الخماسية اولا، ورفض اي اشتراطات مسبقة حول اي قضية قبل مناقشتها بشكل مشترك ثانيا، ومعرفة الحزب او الاحزاب التي يراد لنا التحالف معها ثالثا.

كان الاخوة في اللجنة الخماسية متعجلين بشكل واضح وطرحوا منذ اللقاء الاول بعد ان عرفونا باسماء؛ حزب استقامة وحزب الدولة العادلة وحزب شباب للتغيير (لم تكن جبهة الخلاص الوطني برئاسة مضر شوكت قد ظهرت بعد) للتوقيع على تحالف سياسي اليوم قبل الغد. واكدوا ان السيد الصدر ينتظر اعلان تحالفنا المشترك ليظهر على وسائل الاعلام ويبارك هذا التحالف ويدعو جمهور التيار الصدري وعموم المواطنين لدعمه. واضافوا ان هناك اتفاق “جنتلمان” بين السيد مقتدى الصدر والسيد حيدر العبادي ينتظرنا للدخول سوية في قائمة انتخابية واحدة، مشددين ان يترك امر الصلة بالعبادي لهم، ولا حاجة لنا في “تقدم” للتحرك على هذا الامر لانه محسوم ..!.
كان راي الوفد المفاوض لتقدم ضرورة اعطاء فرصة للعودة الى قيادة تقدم وكل الى قيادة حزبه لدراسة الموضوع.
كانت خلاصة مواقف قيادة حزبنا وكذلك قيادة تقدم حول مباديء واليات مواصلة الحوار مع الخماسية ما يلي:
* التفاوض مع الخماسية، ويفضل ان يكون مع حزب استقامة وحلفائه مباشرة، عبر وفد واحد يمثل تقدم، وليس عبر الاحزاب فرادى.
* التحالف الانتخابي هو اكثر انسجاما مع الوضع الحالي ، لذا فهو المفضل.
* في حالة الوصول الى اتفاقات معينة، وللحفاظ على تقدم وتعزيز موقعها يجري التوقيع باسم تقدم وليس عبر الاحزاب منفردة، ومتروك لحزب استقامة وحلفائه التحالف منفردين او عبر صياغة تحالف خاص بهم.
* اهمية الاتفاق على توجهات وشعارات برنامجية واضحة وآليات تنظيمية اساسية، قبل التوقيع على اي اتفاق .
* الانتباه كي لا نجعل من تسارع الاحداث وضيق الوقت الذي تلوح به اللجنة الخماسية سيف مسلط على رقابنا، يدفعنا الى ارتكاب اخطاء وتجاوزات على ما نتفق عليه، والى الدخول في تحالفات غير ناضجة وغير واضحة.
* التداول بشان قضايا تنظيمية وفنية تتعلق بقيادة التحالف والقوائم الانتخابية، وفي حال طرح رئاسة لاي ائتلاف نؤكد على تشكيل هيئة قيادية تضم ممثلين عن كل الاحزاب، ورئيس دوري للائتلاف،كما هو الحال في تجربة رئاسة التيار الديمقراطي الناجحة طيلة السنوات الماضية وفي تقدم ايضا.
* طرحت فكرة انه في حال الشعور بوجود صعوبات للاتفاق بسبب ضيق الوقت او غيره، تبحث امكانية الاتفاق بعد الانتخابات لتشكيل كتلة برلمانية

و في لقاءاللجنة المركزية للحزب بتاريخ 28/12 تجدد الحوار حول استقامة وظهر مجددا ان الخلاف والتباين في الاراء مازال قائما، واتفق على استمرار الحوارات لمعرفة الاطراف وبرامجها وتوجهاتها . وبقي اللقاء بمثابة استطلاع للاراء، ولم يتخذ اي قرار.

في اللقاء الثاني لوفد “تقدم”، الذي جرى في مقر التيار الصدري في الكاظمية، وهو اللقاء الاول مع قيادة استقامة والحزبيين الحليفين معه، جرى نقاش حول مشروع برنامج ولائحة تنظيمية للتحالف، كان الاخوة في استقامة قد اعدوه، وانتهى الاجتماع بعد الاتفاق على ضرورة اعطاء فرصة للوفد المفاوض لتقدم للرجوع الى قياداته والعودة خلال ايام قلائل بملاحظات موحدة حول مشروع البرنامج والقواعد التنظيمية.
اطلع رفاق اللجنة المركزية لحزبنا على المشروع المقدم وادخلوا عليه الكثير من التعديلات، كذلك ادخل عليه الاخوة الاخرون في “تقدم” تعديلاتهم وتم الاتفاق على تحديد موعد بعد يومين للقاء مع اسقامة لحسم موضوع الوثيقة البرنامجية-التنظيمية.

وفي هذا الاجتماع(يوم ٣ كانون الثاني) اكدت جميع اطراف تقدم مجددا على اهمية ان يكون التحالف الموعود برئاسة شخصية مدنية، واعتبروا ذلك شرطا لا ينبغي التراجع عنه.



خلط الاوراق وبعثرة المواقف، و “تسليم لحانا لمن لا يحسن النتف”..

جاءت المفاجئة بالنسبة للكثير من رفاق ل م يوم ٤ كانون الثاني ٢٠١٨ ، حين عرفنا ان الرفيق سكرتير اللجنة المركزية شارك مع اطراف “تقدم” في لقاء مع استقامة وحلفائه، دون علمنا. وليت الامر اقتصر على اللقاء ولم يفاجئنا الرفيق السكرتير برسالة غريبة، يشير فيها الى انه «تم توقيع احزاب "التحالف المدني الديمقراطي" على تشكيل تحالف مع حزب الاستقامة ، وحزب الدولة العادلة، وحزب الشباب من اجل التغيير تحت اسم" عابرون”. مضيفا انه “ بالنسبة للتعديلات والاهداف المقترحة فهي مقبولة من طرفهم وسيجري تضمينها في البرنامج والنظام الداخلي الذي سيتبناه التحالف وجرى ادخال بعضها في وثيقة اعلان التحالف ….”

وجرى التنازل عن رئاسة التحالف لرئيس حزب استقامة لفترة ما قبل الانتخابات ولما بعدها، لان السيد مقتدى الصدر اصر على ذلك كما اشار الرفيق السكرتير.

هنا اتساءل؛ أليس غريبا ان يقرر حزب عمره اربعة وثمانون عاما، الدخول في تحالف سياسي وتسليم قيادة هذا التحالف الى حزب عمره شهرين. ؟!. الم نكن بهذا قد “سلمنا لحانا الى من لا يحسن النتف” كما قال الكبير مظفر النواب؟.

بودي التذكير هنا انه في كل الائتلافات والتحالفات السابقة التي شارك فيها حزبنا منذ الاربعينيات والى الان لم يدخل الحزب في تحالف ما تحت قيادة حزب آخر، وحتى في تجربتنا في الجبهة الوطنية والقومية التقدمية مع حزب البعث عام ١٩٧٣، رفض الحزب مقترح تثبيت فقرة في ميثاق الجبهة تنص على قيادة البعث للجبهة، رغم ان البعث في الواقع العملي كان قائدا للسلطة وقائدا للدولة ، وضغط بكل ما كان يمكله من سلطة ويمارسه من عنف وارهاب، الا ان حزبنا ظل رافضا للفكرة، الى ان تم الاتفاق على صيغة “ الدور المتميز لحزب البعث في الجبهة”.



ما الذي تعكسه قراءة رسالة السكرتير..؟.

* انفراد الرفيق بالتوقيع على التحالف قبل الحصول على موافقة اللجنة المركزية، ناهيك عن اخذ راي رفاق الحزب ومنظماته.
* تنازل السكرتير عن كثير من الالتزامات والضوابط التي حددها الحزب و قيادة “تقدم”(الذي اصبح اسمه التحالف المدني الديمقراطي))، واعتبر الاتفاق عليها ضروريا قبل اي توقيع.
* اكتفى الرفيق بوعود عامة ، على ان تكتب وتوثق لاحقا، وهذا امر غريب في الاتفاقات والتحالفات السياسية.
* يعكس هذا الامر رغبة واضحة من جانب عدد من الرفاق القياديين على تمرير هذا المشروع باي ثمن.


- إعتراضات وتحفظات…

- اثار التفرد في التوقيع على التحالف مع استقامة اعتراض وتحفظ عدد من رفاق اللجنة المركزية، واستغراب البعض من هذا الاستعجال في قضية مهمة ومصيرية، معتبرينه تجاوزا على صلاحية اللجنة المركزية وقرارات اجتماعها الاخير، ومتعارضا مع الفقرة 2 من المادة (18) من النظام الداخلي الخاصة بمهام اللجنة المركزية وصلاحياتها، والتي تشير ان اللجنة "تحدد سياسة الحزب ومواقفه .....، واقامة التحالفات السياسية الضرورية لتحقيق الاهداف والمهمات الوطنية والديمقراطية والاجتماعية".
- وعبر رفاق من المعترضين عن خشيتم من اعادة انتاج نظام المحاصصات الطائفية بطبعة “مدنية”!، وتساءلوا عن الاثمان السياسية التي يمكن ان يدفعها الحزب بسبب هذا الخيار؟ .
- واعتبروا ان هذا الاتفاق ساهم في تضبيب الرؤية امام اعضاء الحزب ومنظماته وجماهيره وعموم الجمهور المدني.
- وللامانة اقول قام رفيق واحد من اعضاء اللجنة المركزية بكتابة رسالة تهنئة بمناسبة التوقيع.


لماذا التحفظ والمطالبة بالتريث الذي ابداه عدد من رفاق اللجنة المركزية..؟.

لقد انطلقت رغبة الرفاق المتحفظين من ادراك ان ثمة مسافة بين الاماني والواقع لابد من ردمها عبر العمل الدؤوب والصبور والنفس الطويل، وارتبطت بحرصهم في اعطاء المزيد من الوقت وسماع راي منظمات الحزب وراي حلفائنا الاخرين في “تقدم” من التنظيمات التي لم تشارك في الحوار مع استقامة، وعدم التعجل بالتوقيع، وبالقناعة ان التحولات الجارية داخل التيار الصدري، والتي يجري التعويل عليها بشكل كبير للدخول في التحالف، لم تتبلور بعد بغض النظر عن موقع السيد مقتدى الصدر وسلطته المطلقة.
اضافة الى ان حركة ووجهة هذه التحولات لن تسير بدون ضغوطات ومطبات وربما مفاجئات وانعطافات.
كما ان الاثمان التي يمكن للحزب ان يدفعها مقابل الحصول على مقاعد نيابية اضافية، وهو هاجس شغل حيزا واضحا في تفكير عدد من الرفاق ممن كان متحمسا للتحالف، قد تكون باهضة وكبيرة.
وضع العربة أمام الحصان والتوقيع على التحالف قبل موافقة اللجنة المركزية واستفتاء المنظمات الحزبية..
بعد الاعتراضات التي واجهت التوقيع على التحالف مع استقامة(عابرون) يوم ٤ كانون الثاني، جرت الدعوة الى عقد لقاء عاجل جديد لاعضاء اللجنة المركزية لمعالجة الخلل الحاصل في خرق للنظام الداخلي الذي سببه الانفراد بالتوقيع بالتجاوز على صلاحيات اللجنة المركزية، وطرحت فكرة استفتاء رفاق الحزب، وتم الاستفتاء الذي تم يوم ٩ كانون الثاني اي بعد ٥ ايام من التوقيع على تحالف “عابرون”، الذي تحول اسمه الى “سائرون” اثناء التسجيل في المفوضية، كما حصل مع تغيير اسم “تقدم” الى “التحالف المدني الديمقراطي”.
قراءة للرسالة الداخلية التي دعت الى الاستفتاء ومعرفة الطريقة التي تم بها تبين بوضوح كيف ان الاستفتاء أدير بطريقة متحيزة مبتورة مضللة، ابعد ما تكون قادرة على توفير أجواء ” مناقشة حرة مستفيضة”… “ ” قبل اتخاذ القرار الحزبي على مختلف الهيئات الحزبية” ، كما تشترط ذلك الفقرة (٣) من المادة (١٩) من النظام الداخلي للحزب.
لقد جرى الاستفتاء في الداخل والخارج خلال ٤ ساعات فقط، وعبر الهواتف النقالة والبريد الالكتروني في الغالب، وشمل اقل من ١٠٪ من رفاق الحزب، ولم يبلغ الرفاق بحقيقة ان التحالف جرى التوقيع عليه، ولم يزودوا باية معلومات عن قضايا سياسية وتنظيمية وبرنامجية خاصة بالتحالف الجديد، من شانها ان تساعدم في الاختيار،، وبالتالي ليس مستغربا ان تاتي النتائج بموافقة اغلبية ٨٢٪ من الرفاق على السير مع سائرون.


خاتمة..

يرينا هذا العرض للمواقف والتطوارات كم ذهبت قيادة الحزب خلال ٣ أسابيع من اجتماع اللجنة المركزية بعيدا عن توجهات الاجتماع وتوصياته، نحو ضفاف وتحالفات اخرى غير التي دعت اليها التوصيات.

لقد ذهبنا الى خيار "سائرون" من دون تهيئة الارضية المناسبة على مستوى المنظمات الحزبية، وأخذ هذا الذهاب من جرف الحزب ومن المكانة الايجابية، التي يتمتع بها بين حلفائه والجماهير الشعبية وجمهور واسع من المدنيين والديمقراطيين واليساريين.
ولنتذكر الاسئلة المحرجة التي كنا نواجهها في السنتين الاخيرتين حول الزيارات المتكررة للسيد مقتدى الصدر، وكيف كنا نؤكد ان الامر لا يتعدى التنسيق حول الاعتصامات والاحتجاجات، وليس هناك اي توجه لتنسيق سياسي خارج هذا الاطار، لنتذكر كل ذلك قبل ان نصرح بان “لدخولنا في تحالف سائرون جذورا امتدت ما يقرب من السنتين والنصف “، كما يجري الان !!.

ان هذه المواقف والإستدارة من “تقدم” الى سائرون تضع مصداقية الحزب وقيادته في وضع لا يحسدان عليه، وهي اقرب للمغامرة غير المحسوبة النتائج ونحن غير مجبرين على السير بها.

———————————
*- المقال أرسل الى جريدة “طريق الشعب” واعتذرت الجريدة عن نشره.

ـ انتهى ـ