منار اكتوبر يضيئ الدرب نحو السلام والحرية والاشتراكية


حسان عاكف
الحوار المتمدن - العدد: 5719 - 2017 / 12 / 6 - 01:33
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا     

كلمة الحزب الشيوعي العراقي في الذكرى المئوية لثورة إكتوبر *.. منار اكتوبر يضيئ الدرب نحو السلام والحرية والاشتراكية

جاءت التجربة الاشتراكية السوفيتية التي افتتحتها ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى عام 1917 إمتداداً للمسعى الانساني النبيل على مر العصور، المتطلع الى مجتمع جديد تسوده قيم العدالة والمساواة بين البشر.

لقد غيرت تلك الثورة، مجرى التاريخ العالمي وشكلت منعطفا مهما ليس في تاريخ روسيا وحسب بل في تاريخ جميع البلدان، بعد ان تركت بصماتها على كل الاحداث الكبرى التي شهدها القرن العشرين.

جسدت الثورة حدثا فريدا في التاريخ، التحمت فيه النظرية بالفعل الثوري التحاماً عضوياً عميقاً، وجاءت دروسها واضحة جلية في نظرتها الى الامام، فيما وراء المتطلبات الملحة للحظة التاريخية.

لقد شكلت الثورة، التى اعتلى فيها البلاشفة سدة السلطة تلهمهم افكار الثوري الجسور “حالم الكرملين” فلاديمير أليتش لينين في اكبر دولة في العالم، ردا على حكومة شباط المؤقتة في اصرارها على تخبط روسيا في مستنقع الحرب، واستجابة لارادة الشعب الروسي ومطالبه في السلام للجنود، والارض للفلاحين، والحرية للعمال، وفي منح كل السلطة للسوفيتات.

لم يكن تفجر الثورة خارج منطق التاريخ وسياقاته الموضوعية في بلد متخم بالازمات والتناقضات الاجتماعية والطبقية، بلد يعيش ثمانون في المائة من أبنائه في فقر مدقع مقابل ثراء فاحش لقلة قليلة، ثراء متناقض بالكامل مع حياة غالبية السكان.

دشنت الثورة مسيرتها منذ الايام الاولى بإعلان سلطة السوفيتات، واصدار مرسوم السلام ومرسوم الأرض، وفضحت كل المعاهدات السرية التي كان قد عقدها النظام القيصري إبان الحرب العالمية الاولى مع الضواري الاستعمارية لاقتسام العالم.

وخلال مسيرتها التي امتدت سبعة عقود نقلت الثورة روسيا من كونها سجنا للشعوب والقوميات ومجتمع ريفي فلاحي متخلف الى قوة عالمية كبرى على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري، وتمكنت من بناء قاعدة علمية تكنولوجية صلبة في البلاد. وسجل التاريخ للجيش الاحمر السوفيتي دوره المشهود في الحاق الهزيمة بجحافل النازية والفاشية.

وظل الاتحاد السوفيتي ظهيرا وداعما امينا لحركات التحرر الوطني ونضال شعوب العالم التواقة الى الخلاص من ربقة الاستعمار والهيمنة الامبريالية وبناء دولها المستقلة.

وليس من باب المبالغة القول إن إنجازات المرحلة السوفيتية، تساهم اليوم في منح الدولة الروسية الحالية حضورها الراهن على المسرح الدولي، خصوصا حضورها السياسي والعسكري.

الرفيقات والرفاق الاعزاء..

لاشك أن تجربة بأهمية ومكانة ثورة اكتوبر تطرح، في بنائها كما في انهيارها، أسئلة كبيرة حارقة ومفتوحة. تحتاج إلى المزيد من البحث والتأصيل والتدقيق ارتباطا بالظاهرات الاجتماعية والسياسية والفكرية الجديدة، وفي ضوء منهج الديالكتيك الماركسي.

فالى جانب كل المنجزات الكثيرة الكبرى راكم الاتحاد السوفيتي ، الذي ولد من رحم اكتوبر، خلال عقود جملة من المشكلات والعوامل الاساسية ساهمت في انهياره اوائل تسعينيات القرن الماضي. مشكلات نشأت بفعل عوامل اقتصادية وسياسية وفكرية، داخلية وخارجية، ذاتية وموضوعية، في اطار عملية تاريخية معقدة ومتناقضة وطويلة المدى.

ان غياب الديمقراطية السياسية، واعتماد آليات بعيدة عن أفكارنا ومثلنا من قبيل عبادة الفرد والبيروقراطية، والادارة المركزية المفرطة للاقتصاد، إضافة إلى القفز على المراحل، تقف في مقدمة تلك المشكلات والعوامل الداخلية الذاتية.

كما علينا الا ننسى ان انشغال الاتحاد السوفيتي طوال تاريخه المجيد بالتصدي للثورة المضادة وعدوانها المتواصل، ومن ثم دوره في الحرب الوطنية العظمى للدفاع ليس فقط عن الوطن السوفيتي، بل عن عموم بلدان اوربا والعالم من خطر الوحش النازي، كان على حساب بناء كثير من عناصر ومقومات مشروعه الاشتراكي وطموحه التاريخي.

كل ذلك يستوجب من الشيوعيين وقوى اليسار دراسة تلك التجارب وطرق بنائها وما واجهته عملية البناء الاشتراكي، وتواجهه حاضراً ومستقبلاً من إشكاليات نظرية وعملية.

الرفاق والاصدقاء الاعزاء

اسمحوا لي بالحديث ببضع كلمات عن اهم آخر الاحداث والتطورات التي يعيشها العراق.

لقد حققت قواتنا المسلحة بكافة صنوفها ومسمياتها صفحات بطولية مجيدة وانتصارات باهره على فلول داعش الارهابية والحقت بها هزائم ساحقة، بعد ان كانت قد احتلت ثلث الاراضي العراقية. ومن المتوقع ان يعلن خلال ايام قلائل طي صفحة المعارك العسكرية مع التنظيم الارهابي. جاءت انتصارات العراق بالتزامن مع انتصارات كبيرة تحققها سوريا الشقيقة بدعم كبير من جانب القوات الروسية، كذلك الضربات التي توجهها مصر وليبيا الشقيقتان إلى التنظيمات الارهابية الظلامية في بلديهما.

نعم لقد حسمنا الصفحات العسكرية للمعركة، لكن تنتظرنا معارك لا تقل تعقيدا وخطورة على الجبهات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، لتجفيف منابع الارهاب واستئصال جذوره.

كما تشكل مهمة حل مشكلة اكثر من ٤ ملايين نازح ومهجر وعودتهم واعادة اعمار مدنهم وتعويضهم عما لحق بهم واحدة من المشاكل الكبيرة الاخرى التي تواجه الجميع.

اضاف الاستفتاء على مصير اقليم كردستان الذي اجرته الحكومة الكردستانية في الـ ٢٥ من أيلول الماضي تعقيدات ومشاكل جدية اضافة الى المشاكل العميقة التي كانت قائمة بين الطرفين، ووصلت خطورة الاحداث الى الحد الذي حصلت فيه مناوشات عسكرية وسقوط ضحايا من الجانبين في مناطق متفرقة. وكان موقف حزبنا من هذه الازمة واضحا منذ البداية، فالى جانب تاكيدنا على ايماننا بمبدا حق تقرير المصير للشعوب والامم والقوميات صغيرها وكبيرها سواء في البقاء الاختياري في ظل دولة اتحادية او الانفصال والاستقلال وتشكيل دولها الخاصة بها، فاننا في الحزب الشيوعي العراقي دعونا الى تاجيل الاستفتاء كون الظروف الذاتية والموضوعية في كردستان وعموم العراق غير مؤهلة وغير مناسبة لة، واكدنا على الحاجة الى التفاهم والتنسيق مع السلطة الاتحادية بهذا الشان، خصوصا ما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها، عدا ان حزبنا يرى ان الصيغة الفدرالية الحالية المثبتة في الدستور ماتزال صيغة مناسبة للعلاقة في المرحلة الراهنة، ويمكن التباحث حول امكانية تدقيقها وتطويرها.

وبهذا الشان دعونا منذ البداية الى حوار شامل معمق وصريح بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، لاننا نرى في ذلك الطريق الوحيد الذي يمكن له ان يذلل العقبات ويفتح افاقا ارحب لحل المشكلات القائمة، وفي خلافه فان البلاد ستنزلق في اتون مواجهات خطيرة سيدفع الجميع ثمنها غاليا. واليوم وبعد ان حصل ما حصل ، لا يرى حزبنا من سبيل للخروج من الازمة الجديدة سوى الجلوس على طاولة المفاوضات والتحاور في ضوء بنود الدستور وتحت سقفه.

في مؤتمره الاخير نهاية العام الماضي، وارتباطا بالازمات العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بلادنا صاغ حزبنا الشيوعي شعاره المركزي بالتاكيد على اهمية تصعيد النضال الجماهيري بهدف تغيير الاوضاع القائمة من اجل الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية والعدالة الاجتماعية. يشاركنا في هذه الاهداف جمهرة واسعة من ابناء الشعب وعموم القوى الوطنية والديمقراطية الرافضة لنهج تقاسم السلطة والثروة والمناصب العليا في الدولة بين القوى والاحزاب السياسية المتنفذة، نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، الذي سارت عليه الحكومات المتعاقبة بعد عام ٢٠٠٣ . ويواصل حزبنا مع القوى القريبة منه النضال على هذا السبيل لانتشال بلادنا مما تعانيه من ازمات وكبوات كبيرة.

الشكر للرفاق في الحزب الشيوعي الروسي على تنظيم هذا الكرنفال الكبير.

ستبقى ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى منارا يضيء الدرب من اجل السلم والحرية والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* القاها الرفيق حسان عاكف عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي يوم 2 تشرين الثاني الجاري في اللقاء العالمي للاحزاب الشيوعية والعمالية احياء للذكرى المائة لثورة اكتوبر، الذي عقد في مدينة بطرسبورغ (لينينغراد الروسية).