خلط الإسلام بالسياسة : مشاهد تاريخية.


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 5572 - 2017 / 7 / 5 - 17:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

خلط الإسلام بالسياسة : مشاهد تاريخية.
من هدايا بريطانيا وأمريكا للعرب والمسلمين (1)



(١)
فى سنة ١٨٩١ سقطت الدولة السعودية/الوهابية الثانية أي بعد ١٣٧ من تأسيس أول دولة سعودية/وهابية (سعودية : نسبة لمحمد بن سعود ، ووهابية نسبة لمحمد بن عبد الوهاب). والدولة السعودية/الوهابية هى دولة يحكم فيها حاكم من آل سعود بناء على فتاوى آل الشيخ أى الشيخ محمد بن عبد الوهاب وخلفاءه ، وهؤلاء يعتبرون أن المجتمع يجب أن يسير على الشريعة والتى تعني عندهم فقه الحنابلة وبالذات فقه أحمد بن حنبل وإبن تيمية وإبن القيم (والذى يشار له أحياناً بإبن قيم الجوزية). وفى الواقع ، فإن الإطار التشريعي فى الدولة السعودية منذ أُسست سنة ١٧٤٤ مستقى من كتابات إبن تيمية. وبعد عشر سنوات من سقوط الدولة السعودية الثانية وتحديداً يوم ١٣ يناير ١٩٠٢ تمكن الشاب عبدالعزيز آل سعود (أو عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود) من إسترداد مدينة الرياض من آل الرشيد الذين كانوا قد طردوا آل سعود (للكويت) سنة ١٨٩١. وخلال السنوات من ١٩٠٢ الى ١٩٣٤ وهى سنة إعلان تأسيس "المملكة العربية السعودية" بسط أول حكام الدولة السعودية الثالثة نفوذهم (سلطة الحكم لآل سعود و سلطة الإفتاء لآل الشيخ أي آل عبدالوهاب) على مساحات هائلة تتجاوز مليوني كيلومتراً مربعاً.وخلال الربع الأول من القرن العشرين كانت هناك إرادة بريطانية لتوحيد معظم شبه الجزيرة العربية تحت سلطة حاكم واحد يساعده البريطانيون على الوصول لحكم هذه الدولة الجديدة مترامية الأطراف والتى تأجل إكتشاف البترول فيها حتى تكون تحت سيطرة حاكم واحد موال لبريطانيا وفى مرحلة تالية لوريثتها الولايات المتحدة الأمريكية. وبالفعل ، تكونت المملكة العربية السعودية فى ١٩٣٤ وبدأ إنتاج البترول من أكبر حقل بترولي فى العالم فى المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية فى ١٩٣٨. وفى أوائل القرن العشرين ، كان هناك رأيان فى جهاز المخابرات البريطانية (إم. آي . 6) ... رأي يتزعمه جون فيلبي من مكتب المخابرات البريطانية فى دلهي ويرى أن يتم توحيد معظم شبه الجزيرة العربية تحت شعار الإسلام ، ورأي آخر يتزعمه لورنس الذى عُرف بإسم لورنس العرب من مكتب المخابرات البريطانية فى القاهرة والذى كان يرى أن يتم توحيد شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام أي سوريا الكبرى والعراق تحت شعار العروبة (مملكة العرب). وقد سمحت المخابرات البريطانية للإثنين بالعمل : الأول (فيلبي) مع عبد العزيز آل سعود ، والثانى (لورنس) مع الشريف حسين ملك الحجاز. ولكنها مالت بعد ذلك لجانب فيلبي إنتقاماً من العرب الذين أيدوا الدولة العثمانية خلال سني الحرب العالمية الأولى من ١٩١٤ إلى ١٩١٨ والتى كانت أثناءها الدولة العثمانية فى جانب ألمانيا ضد بريطانيا. وهكذا ، كانت بريطانيا وراء تأسيس الدولة التى ستلعب دوراً كبيراً بعد ذلك فى خلق وإنتشار فكرة الدولة أو الدول الإسلامية. (٢) كان فى الهند قبيل إستقلالها (سنة ١٩٤٧) كاتب اسمه "أبو الأعلى المودودي". ويمكن القول بأن كتابات المودودي هى أساس كل ما كتبه بعد سنوات الإخواني المصري "سيد قطب". وأهم فكرة فى كل كتابات المودودي هى فكرة "الحاكمية" ومؤداها أن المجتمع المسلم لا ينبغي أن تحكمه تشريعات من وضع البشر وإنما ينبغى أن تكون كل تشريعاته من أحكام الله. وكان أحدُ أهم مساعدي المهاتما غاندي شخص مسلم هو محمد عليّ جناح. وقد عملت المخابرات البريطانية فى الهند على أن يكون محمد عليّ جناح مُشرباً بأفكارِ أبي الأعلى المودودي. وهو ما أدى لدعوته بأن تكون لمسلمى الهند دولتهم المستقلة. وبالفعل ، تأسست دولة باكستان والتى كانت تضم فى بدايتها دولتى باكستان وبنجلاديش الحاليتين. وبينما أصبحت الهند أكبر ديموقراطية فى العالم ومسرحاً رائعاً للتعددية والعيش المشترك ، شهدت باكستان العديد من الإنقلابات وتفسخت لدولتين (عندما أصبحت باكستان الشرقية هى بنجلاديش) والأخطر أن باكستان أضحت واحدة من أكبر مفارخ الأصولية والإرهاب. وبدلاً من بقاء الثلاثة فى واحد (الهند + باكستان + بنجلاديش) ابتليت الإنسانية بقوة نووية فى دولة يحتضن ترابها الوطني العديد من أمثال طالبان. ورغم أن آخر حاكم بريطاني للهند (اللورد ماونت باتين) كان معارضاً لتقسيم الهند ، فإن ما أراده مكتب ال "إم. آي. 6" (المخابرات البريطانية) فى دلهي حقق ما كان يريد وتقسمت الهند وتأسست دولة جديدة كبيرة على أساسٍ ديني. وكما قلتها مرات ومرات فإن كل باكستاني (وقت تأسيس باكستان) هو إنسان نام يوم ١٢ مايو ١٩٤٧ وهو "هندي مسلم" وأستيقظ يوم ١٣ مايو ١٩٤٧ وهو "مسلم فقط" بعد أن أسقط صفته كهندي وأصبح الدين هو الأساس الوحيد لهويته٠. (٣) المشهد السياسي فى مصر لحظة تأسيس "حسن البنا" (وكان عمره وقتذاك ٢٢ سنة) لجماعة الإخوان المسلمين ينبئنا بالكثير. فبعد معاناة بريطانيا لمدة تسع سنوات من ١٩١٨ بسبب الروح الوطنية التى بثها فى حنايا مصر سعد زغلول ، فقد مات سعد يوم ١٩٢٧/٨/٢٣ وأصبح هناك فراغ سياسي كبير. وفى نفس الوقت كان هناك سبب آخر للفراغ السياسي ، فقبل أربع سنوات أي فى ١٩٢٤ أعلن كمال أتاتورك نهاية دولة الخلافة أي الدولة العثمانية. وبمحاذاة ذلك ، كان حاكم الدولة السعودية/الوهابية الثالثة عبد العزيز آل سعود قد نجح فى طرد الهاشميين واستولى على مكة والمدينة وصار (فى ١٩٢٦) ملك الحجاز وسلطان نجد. وكان بمصر رجل سوري (محمد رشيد رضا) كان بمثابة رجل عبدالعزيز آل سعود فى مصر وكان ذا تأثير طاغ على الفتى ذى ال ٢٢ ربيعاً حسن البنا الذى كان والده (البنا الساعاتى) قد وفد لمصر من المغرب. فى خضم هذا المُناخ العام رأي مكتب المخابرات البريطانية فى مصر أن الظرف مناسب لتأسيس حركة تقوم على أساسٍ ديني وليس على أساسٍ وطني كحركة سعد زغلول من ١٩١٨ الى ١٩٢٧. وهناك أدلة على أن محمد رشيد رضا كان هو من حض الشاب حسن البنا على تأسيس جماعة الإخوان سنة ١٩٢٨. وهناك أدلة تؤكد مساندة السفارة البريطانية لهذا التأسيس. بل ان هناك وثائق تثبت ان شركة قناة السويس قد قدمت مبلغاً مالياً كبيراً لحسن لبنا عند تأسيسه لجماعة الإخوان وأننها بقت عدة سنوات تسدد إيجار مقر الجماعة بمدينة الإسماعيلية. والخلاصة ، أن وفاة سعد زغلول فى ١٩٢٧ أوجدت فراغاً سياسياً كبيراً جداً وأن بريطانيا رأت أن الوقت كان مناسباً لتوجيه طعنة نجلاء للحركة الوطنية التى أسسها سعد زغلول والتى جمعت مسلمي و مسيحي مصر معاً فى قورب واحدٍ هو قورب الوطن ، فشجعت عملية تأسيس التيار الذى سيشق الوحدة الوطنية أي تيار الإخوان المسلمين. (٤) سنة ١٩٧٩ هى السنة التى شهدت مولد موجة عاتية من موجات الأصولية الإسلامية. فمع وصول الخميني لمطار طهران على متن طائرة إير فرانس القادمة من باريس ، بدأت مرحلة من فوران ومد الأصولية الإسلامية الشيعية ، وكرد فعلٍ إنفتح بركان الأصولية الإسلامية السنية. وفى نفس الفترة دخل الجيش السوڤيتي أفغانستان. وقتذاك إتفقت المخابرات الأمريكية والمخابرات السعودية على خطة جهنمية لتكوين جماعات جهادية من الأفغان ومن مسلمي بلدانٍ أخرى لمحاربة القوات السوڤيتية فى أفغانستان وكانت المناطق الشمالية الغربية من باكستان هى الحاضنة لتلك الجماعات الجهادية. من هنا نبعت "طالبان" وتكونت "القاعدة" وبدأ العالم يرى الأصولية الإسلامية السنية فى حجم أكبر من أي شيءٍ رآه من قبل.