«العقل العربي» في دائرة الاتهام


معتز حيسو
الحوار المتمدن - العدد: 5480 - 2017 / 4 / 3 - 09:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



أكد فيلسوف المذهب التجريبي «جون لوك» إنه:«ليس في العقل شيء إلا وقد سبق وجوده في الحس». أما هيجل فرأى إن «التناقضات هي المحرك الأساسي لنشاط العقل والعامل المساعد على تطوره وتغييره المستمر». ومن الجدير ذكره إن هيجل اعتمد بشكل واضح على دراسة وتطوير قوانين التناقض والتطور التي وضع أسسها الأولية ومقدماتها الفكرية الفيلسوف العربي ابن خلدون. هذا في وقت لا يزال فلاسفة الغرب ومفكريه يعتبرون الفيلسوف العربي ابن رشد بأنه «فيلسوف العقل».
بعد هزيمة حزيران 1967 ظهرت عدة مشاريع فكرية تناولت بطريقة نقدية بنية العقل منها: نقد العقل الإسلامي لمحمد أركون، ونقد العقل العربي لمحمد عابد الجابري. نقد نقد العقل العربي للمفكر جورج طرابيشي، وكان في إطار حوار نقدي مع المفكر محمد عابد الجابري. حينها كان«نقد العقل» يحتل موقع الصدارة، نتيجةً للمأزق الذي كان يمرّ به عالمنا العربي على الأصعدة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة. الأمر الذي دفع بعدد من المفكرين والفلاسفة والمثقفين العرب إلى توجيه أصابع الاتهام إلى بنية العقل العربي.
ومعلوماً إن مفهوم «نقد العقل» يعود للفيلسوف الألماني إمانويل كانط. لكن كانط ركَّز في مشروعه المذكور، على نقد العقل المحض/ الخالص المجرد عن أي صفة معرفية أو مذهبية. فيما مفكرين من بعده أفادوا منه في نقد العقل المختص معرفياً أو المنتمي مذهبياً بعد تجريده من كل تجسيداته الواقعية، والإمساك بالمعالم النظرية للعقل. فصار لدينا نقد العقل السياسي، ونقد العقل الصناعي، ونقد العقل الوضعي، ونقد عقل التنوير، ونقد العقل الديني ... .
من موقع مختلف. فإن توظيف ما تمرُّ به مجتمعاتنا من صراع بين الهويات الصغرى، للطعن والتشكيك بجوهر العقل العربي والإسلامي, وللترويج بوجود تمايز لصالح العقل الغربي. يعزز الشوفينية العرقية والعنصرية. ويتجلى ذلك في سياق التأكيد على مركزية «العقل الأوروبي». وتتناقض الرؤية المذكورة مع التطور العلمي والفكري والفلسفي والمعرفي الذي تجاوز إشكالية «العقل كجوهر ثابت، أو بوصفه بنية قبلية مطلقة متعالية على الزمان والمكان». ومن الأهمية بمكان التأكيد على إن العقل يشكل أداة إنتاج فكري، به تتم السيطرة على العالم. وهو يدلل على مناهج وآليات وطرق وأنماط التفكير. إضافة لكونه ينمو ويتطور من خلال عملية إنتاج المعرفة ذاتها «بمعنى أنه مشروط بالعصر والظروف، وأنه يتغير إذا تغيِّرت العصور والأزمان وتجددت وسائل المعرفة».
في السياق فإن انحسار مشاركة المفكرين العرب عن مجالات البحث العلمي والفكري. يجب ألا يجعلنا نشكك بالقدرات والإمكانات الإبداعية للمفكرين العرب بشكل خاص، وأبناء المجتمع العربي بشكل عام. فالسلطات السياسية في عموم البلدان العربية، تتحمل كامل المسؤولة عن انخفاض حجم الدعم للإبداع الفكري الفردي منه والمؤسساتي. وأيضاً عن تهميش وتجاهل التميُّز والإبداع. وعن ارتفاع أعداد المهاجرين من المفكرين والمبدعين. أي إنها طاردة للعقلانية ونابذة لكافة أشكال التفكير العلمي والإبداعي، وتساهم أيضاً في اتساع الفجوة المعرفية والحضارية والعلمية بيننا وبين دول العالم المتطور.
في الإطار المذكور يشكل الانفتاح الكوني وسرعة التواصل وانتقال المعلومات، مجالاً مهماً لتلاقح العقول وارتقاءها. ما يدلل على إمكانية التقارب الكوني لأشكال التفكير، وتجاوز حواجز ومعيقات تضعها السلطات السياسية. لكنه لا يُلغي هيمنة الدول الأكثر تطوراً على ثورة المعلومات والاتصالات الرقمية إضافة إلى مجالات أخرى مختلفة.
وإذا كانت آليات تفكير المجموعات الجهادية الحاملة لبنية تفكير عقائدية أحادية تكفيرية، والمحمولة عليها، تشكل أحد أكثر المصادر خطورة. فإن ما نشهده من تطرف وصراعات عقائدية عصبوية وظيفية. يرتبط بعوامل متعددة منها: أولاً: مرجعيات وآليات وأنماط تفكير المجموعات الجهادية. ثانياً: الأوضاع السياسية والاقتصادية الناجمة عن آليات اشتغال أنظمتنا السياسية القهرية. ثالثاً: سياسات دولية وإقليمية تتسم بالفوضى والتناقض والعنف. ويزيد من المخاطر السابقة إن أطرافاً إقليمية ودولية تنظر لما يجري في سوريا وغير دولة عربية من منظور وظيفي يربط التخلف والتعصب والتطرف والعنف بجوهر العقل العربي الإسلامي وبنيته.
إن تجاوز أوضاعنا الراهنة، وتحديداً المتعلقة منها بالسائد من أنماط وآليات وأشكال التفكير المتخلف. يتحدد في الإطار العام أولاً: بإطلاق حرية التفكير والتعبير واحترام التنوع والتعدد، وإعادة الاعتبار للإنسان بكونه قيمة مطلقة وأساس التطور والارتقاء الحضاري والتطور العلمي. ثانياً: استبدال المناهج التعليمية التلقينية بأخرى تطلق العنان لحرية الإبداع والتفكير العقلاني. ويرتبط ذلك بالضرورة بإقامة نظام سياسي يحترم حقوق المواطنة والحريات الفكرية والسياسية والدينية، ويضمن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.