من الحرية إلى انهيار الوحدة الوطنية


معتز حيسو
الحوار المتمدن - العدد: 5832 - 2018 / 3 / 31 - 10:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



لم تعد سوريا كما كانت قبل انطلاق ثورتها السلمية، ولن تكون ذلك النموذج الذي حلم في بناءه دعاة التغيير السلمي بداية ثورتهم التي أسهم في إجهاضها قمع أمني ملازم للتضخم السلطوي، واشتغال أطراف وجهات متعددة ومختلفة على تسليحها وأيضاً أسلمتها. ما أسس إلى نشوء أزمة عامة ومركبة.
ونشير في السياق إلى أن مهام السوريين لم تعد تنحصر في تمكين الأسس اللازمة للانتقال إلى دولة المواطنة ونظام حكم ديمقراطي. فاستعادة الوحدة الوطنية المجتمعية، وأيضاً الجغرافية ستكون امتحاناً للسوريين جميعاً. ومن الصعوبة بمكان التكهن بقدرة السوريين على تحقيق ذلك نظراً لتداخل مصالح دولية وأخرى إقليمية حولت سوريا لمناطق نفوذ، وأيضاً لتمسك النظام بذات الآليات التي حكم فيها البلاد لعقود خلت، وخضوعه أكثر من أي لحظة سابقة إلى سلطة غير دولة.
وإذا عدنا إلى بدايات الحراك السوري، نلحظ أن لحظة تحوله إلى صراع مسلح كانت هي ذات اللحظة التي تأسلم فيها. ما أدى إلى إخراج شرائح واسعة من السوريين من ساحة الفعل، وإلى انقطاع علاقتهم بالصراع كونه لم يعد يعبّر عنهم. وينطبق ذلك وإن بأشكال مختلفة على دعاة التغيير السياسي السلمي. ما وضع الجميع بمواجهة تداعيات انتقال الثورة إلى حقل الصراع المسلح. ووضع أطراف الصراع في مواجهة إشكالية مع شرائح وفئات واسعة من السوريين. وفاقم من تلك المخاطر ارتباط الفصائل المسلحة بأطراف خارجية. فغابت شعارات الحرية لتحل مكانها شعارات أخرى لا علاقة لها بالتغيير الوطني الديمقراطي.
وفي كل لحظة من لحظات الصراع السوري، كانت المعارضة السورية المعتدلة «المسلحة، والسياسية» مطالبة بإجراء نقد ذاتي لمواقفها وآليات اشتغالها وأيضا تحالفاتها. لكن ما كانت تقوم به من «نقد ذاتي»، لم يخرج عن إطار إعادة إنتاج ذاتها المأزومة المرتبطة بنيوياً بأزمة أخرى دولية وإقليمية. وبدلاً من الاشتغال على تطوير خطابها السياسي بأشكال ومستويات تمكّنها من التعبير عن مصالح السوريين، ومن تجاوز ما آلت إليه أوضاع الصراع. فإنها تحولت إلى أحد أدوات التدمير الذاتي. وفاقم من أزمتها اندماجها بحركات إسلامية جهادية، بعضها مدرج على قوائم الإرهاب. وكان لذلك دور كبير في اتساع الفجوة بينها وبين السوريين. وعزز من ذلك نقل الصراع إلى حقول أخرى طائفية ومذهبية وأحياناً إثنية. ما أسهم بتفاقم مظاهر التبعثر والتشتت. وأيضاً إضعاف حوامل التفكير العلماني. وكما بات معلوماً فإن المجموعات المسلحة وتحديداً المتطرفة دخلت في مواجهة مزدوجة مع النظام والقوى الداعمة له من جهة، ومع شرائح وفئات اجتماعية وسياسية واسعة تعارض ميول تلك المجموعات وممارساتها. ما حوّل النظام بغض النظر عن موقف السوريين منه، إلى أحد الملاذات المتوفرة.
وجميعها عوامل أسهمت في إيصال السوريين إلى أوضاع كارثية. قد يكون أخطرها تفكك بنية المجتمع السوري وتذررها، إضافة إلى تحويل سوريا إلى مناطق نفوذ تستأثر بها دول كبرى وأخرى إقليمية اعتمدت لتمكين نفوذها وسيطرتها على دعم وتمويل وتوظيف واستخدام مجموعات مسلحة إسلامية متطرفة سيطرت في لحظات سابقة على أكثر من نصف مساحة الجغرافيا السورية. ومن المؤسف إن قيادات المعارضة من الخارج ما زالت تراهن على إن تمدد تلك الفصائل واتساع سيطرتها الجغرافية، يعزز من قوة ثورتهم وصلابتها، ويساهم في إسقاط السلطة السورية، وتنظر إلى اجتثاث تلك الفصائل على أنه إسقاط للثورة. علماً أن حكومات المعارضة لم تكن تجرؤ على الدخول إلى تلك المناطق.
نشير أخيراً إلى أن القضاء على تلك الفصائل لا يعني نهاية الصراع بسوريا، ولا يعني أيضاً نهاية أزمة السوريين. فأمام السوريين تحديدات أخرى أكثر تعقيداً، منها إعادة بناء الوحدة الوطنية، وتحرير سوريا من الاحتلالات الخارجية الدولية منها والإقليمية. وسيكون لذلك علاقة مباشرة باجتماع السوريين على الأسس اللازمة للانتقال إلى نظام وطني ديمقراطي بعيداً عن المراهنة على التدخلات الخارجية وعن لغة الصراع المسلح. علماً أن التنافس الدولي والإقليمي على تقطيع الجسد السوري ما زال ينذر باندلاع مواجهات واسعة تفاقم من تحويل السوريين إلى موضوع للصراع وأحد أدواته. ويفاقم من تلك المخاطر استمرار سدنة السلطة الراهنة بمعاندة منطق التاريخ التطوري ومصالح المجتمع.