الهدية ...


نبيل عودة
الحوار المتمدن - العدد: 5477 - 2017 / 3 / 31 - 23:53
المحور: الادب والفن     

الهدية ...

قصة: نبيل عودة

قرر رجل البيت (نمتنع عن ذكر الاسم حتى إشعار آخر) أن يخطو خطوة ثورية لتغيير طابع العلاقة الزوجية في البيت. هذ الموضوع أشغله شهران قمريان قبل اتخاذ "قراره الرئاسي".
اولا، قرر ان يقوم بخدمة نفسه بكل موضوع اختيار الملابس التي يرتديها صباحا.
ثانيا، لن يطلب من ام الأولاد المشغولة فوق طاقتها كل صباح بتحضير زوادة المدرسة للأولاد ومساعدتهم باللباس وغسل الوجه وفرك الأسنان وتحضير حقيبة الدروس، ان تجلب له حذائه أيضا وان تقوم بدهنه وتلميعه قبل ان يضع رجليه بداخله.. قرر ان يكتفي بدهنه مرة في الأسبوع.. مما يوفر ثمن خمسة علب دهان أحذية كل سنة!!
ثالثا، قرر ان الوقت قد حان ليوفر عليها بعض مشاغلها فلا يطلب منها ان تخرج لتنظيف الزجاج الأمامي والخلفي للسيارة قبل ان ينطلق بها الى عمله..سيكتفي بتشغيل المساحات وليكن الله بعونه!!
رابعا، قرر ان يعفيها من إعداد طعام الإفطار له، وان يتناول إفطاره في مطعم الماكدونالد على حساب خصم سعر الوجبة من مصروف البيت اليومي الذي يبقيه لزوجته لشراء احتياجات البيت من البقال ومحل الخضار.
خامسا، قرر ان يخفف احتجاجاته على تأخرها بترتيب سريره، اذ يعود ظهرا أحيانا للقيلولة ويجد انها لم تجد الوقت لذلك بسبب هموم الأولاد وشراء احتياجات البيت والكنس والمسح والغسيل والكي والاعتناء بالصغير الذي جاء بدون تخطيط مسبق.
سادسا، سيتغاضى عن تأخرها بمسح الغبار عن مقعده أمام الحاسوب وتنظيف شاشة الحاسوب حتى يبدأ بدون تأخر بصياغة أفكاره الجديدة وثرثرته مع الأصحاب. سيضطر هو لتنظيف الشاشة، لأن أفكاره لا تحتمل التأجيل حتى تفرغ الزوجة من مشاغلها لتنظيف الشاشة.
سابعا، سيتجاهل انها لم تنكش حول الليمونات التي زرعها قبل شهر، وان تهتم برويها بالماء حتى تنمو وتعطي الثمار التي يحبها معصورة كل صباح بكاس الماء الذي تحضره له الى السرير فور استيقاظه. سيخصص ربع ساعة عصرا لسقي ليموناته.
ثامنا، لن يطلب منها إعداد القهوة ، سيكتفي بشرب القهوة في المقهى قرب مكان عمله ويخصم قيمته المادية من مصروف البيت.
تاسعا، قرر ان يقلل عدد عيدان الكبريت التي يبقيها لها لإشعال الغاز الى ثلاثة عيدان فقط ،واحد لاشعال الغاز وإعداد الإفطار، واحد لإشعال الغاز وإعداد وجبة الغذاء وواحد احتياط اذا لم تنجح بإشعال الغاز من عود الكبريت الأول، واذا حدثت مشكلة لتشحد عودا من الجارة. بذلك يكسب ثلاثة أيام إضافية كل شهر مما يوفر عليه بالسنة ثمن ثلاثة علب كبريت كاملة .. على الأقل!!
عاشرا وأخيرا ولكن ليس آخرا لأن عقله الفعال ينشط ، فيجمع ويطرح ويفكر.. ان يحضر لها هدية لتشعر ان التغيير كان لصالحها. وقد استقر رأيه ان يشتري لها هدية ليعبر عن بدء مرحلة جديدة في حياتهما المشتركة.. في أساسها التعاون والتسامح!!
تجول في الأسواق ولم يهتد للشيء المناسب بسبب الأسعار المرتفعة. أخيرا دخل حانوت يعرض أقلام حمرة وزجاجات لصباغة الأظافر،مستوردة من الصين باسعار بخسة، كالعادة بعد نقاش حول السعر اخذ قلم حمرة واحد وزجاجة واحدة لصبغ الأظافر. تأمل الهدية فوجدها صغيرة، قرر ان يبحث عن كرتونة كبيرة، وان يضع بداخلها اوراق بيضاء مضغوطة بين يديه لتنفش مثل الدجاجة، وتملأ الصندوق ، ثم يضع أحمر الشفاه مغروسا بالجهة اليسرى وصبغة الأظافر بالجهة اليمنى، ويغلق الصندوق بورق ملون جميل المنظر حصل عليه مجانا من البائع، ويقدم الهدية لأم الأولاد بمناسبة عيد ميلادها الذي يحل بعد أسبوعين.
جهز الهدية وانتظر عيد ميلاد الزوجة.
في اليوم المشهود وعلى غير العادة ، حمل الصندوق الكبير وتقدم بمعنويات مرتفعة نحو البيت. قرع الباب منتظرا ان تفتحه الزوجة. وهذا ما كان. تفاجأت الولية من الهدية الكبيرة الصندوق، لكنها خفيفة الوزن.. تخيلت أشياء كثيرة بداخلها.. لكنها استعادت وعيها، كانت متأكدة ان بعلها (وتلفظ العين غين كالعادة) لن يقدم لها هدية، لكنه يقف مبتسما فخورا.. بعد تفكير سألته:
- الهدية لي؟
- وهل من غيرك في البيت؟
- انت أحضرت لي هدية؟ انا متفاجأة، ترى لماذا الهدية اذا كنت ستخصمها من مصروف الطعام للأولاد؟ ام انك لم تعد تعرف ماذا تصنع بالفلوس؟!
لكن المفاجأة كانت داخل الصندوق!!
[email protected]