اربعة مواقف فكرية... وحوار بين ابن الأله زيوس وصديقه


نبيل عودة
الحوار المتمدن - العدد: 5454 - 2017 / 3 / 8 - 14:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

اربعة مواقف فكرية...
وحوار بين ابن الأله زيوس وصديقه

نبيل عودة

1 - العلم او الخرافة

منذ فجر التاريخ والفكر البشري يبذل ما بوسعه لاكتشاف العالم والحياة. اي تحويل العالم إلى نماذج تحتل حيزا في الذهن الفردي والعلم هو أحدث محاولة في هذا السياق. أما الأسطورة او الغيبيات فليست إلا التفسير الذي يرضي القاصرين عن المعرفة. مثلا الفيزياء تحاول وصف ما يجري والتنبؤ المسبق به . يقول أينشتاين عالم الفيزياء المشهور: "إن أكثر ما في الكون امتناعاً على الفهم هو أنه قابل للفهم". من جهة أخرى هذا يناقض مفهوم علم الإلهيات الذي ينشغل بقضايا لا تمت للواقع بصلة.. ومتعلق بالغيبيات!!
تطورت الفلسفة بمحاولة لفهم الطبيعة والعوامل الطبيعية لذلك عرفت بالفلسفة الطبيعية، ثم بدأت تدخل عالم الإنسان. الفلسفة اليوم هي علم ، وهذا العلم يبرز بقدرته على رصد العالم المحيط بالإنسان وفهم مجمل القوانين المؤثرة على تطور الطبيعة والمجتمع والفكر والعالم وتطوير طرق معرفتهم. ومن الأهمية أيضا فهم الترابط بين المادي والروحي، أي بين الفكر والوجود، ومن السابق؟ هل كانت الفكرة سابقة للوجود ؟ أم ان الوجود هو السابق للفكرة؟ ان مسالة طابع هذه الصلة بين المادة والروحي، بين الفكر والوجود، تشكل المحور الأساسي للفلسفة.

2 - النفعية

النفعية أيضا يمكن ان تكون سياسة دولة.. بأن ترتكب حتى جرائم ضد مواطنيها او ضد دول أخرى اذا كان ذلك يعود بالفائدة على السلطة، او الحزب الحاكم، او العائلة المالكة. بكلمات أخرى النفعية هنا تصبح "الغاية تبرر الوسيلة". ضمن النظرية الأخلاقية تطور مذهب المنفعة أو النفعية كنظرية أخلاقية تربط بين صحة السلوك ونتائجه. لذا تعتبر النفعية ضمن مواضيع علم الأخلاق. مصادر هذه الفلسفة بدأت في كتابات الفلاسفة الإغريق، وعلى رأسهم أرسطو الذي قال أن "السياسة الحقة مبنية على الأخلاق وإرادة الخير". المجتمع البرجوازي طور اخلاقيات النفعيةلدرجة باتت النفعية تعتبر ضمن التجليات المميزة للبرجوازية.طبعا تشكلت مفاهيم عديدة تخدم الإنتاج الرأسمالي ، وأعطت صورة ايجابية عن الرأسمالي الذي يشغل (يستغل) عدد كبير من الناس بصفته قادر على تقديم اكبر قدر من السعادة لعماله. وحتى تطوير المبادرات الخاصة هي جزء من الأخلاقيات النفعية، والسؤال من تعود عليه النفعية بالقسط الأكبر؟ طبعا لا يمكن نفي ايجابيات النفعية بالتطور الحضاري لعالمنا ومجتمعاتنا البشرية وتطوير الثقافة والفنون والإبداع الإنساني بكل المجالات. وفي المقياس التاريخي العام دوافع النفعية انعكست بشكل ايجابي على عالمنا.

3 - الله ام العلم؟

الأكثرية المطلقة من أهم الفلاسفة الذين عرفتهم الإنسانية كانوا من أعظم العلماء ... لذلك عرفوا الله بأنه قوة أكثر مما هو شخصية .. البعض تجاوز ذلك إلى درجة نفيه. القوة كما تعلمون يمكن تجاوزها في العلوم بقوة أكبر منها .. أما الله حسب اليهود والمسيحيين ومن نقل عنهم ، فهو سيد التاريخ، مد يد المساعدة في اللحظات القاسية والمصيرية، وزع وعودا والتزامات والى آخر هذه القصص التي نعيشها كل يوم. اقطعوا أنفسكم عنها وتعالوا نفكر كفلاسفة ، إذا توصلتم إلى قناعات فلسفية إيمانية مبررة فهذا شأنكم، والعكس مطروح أيضا، الحكم ليس على قناعاتكم ، أنما على تطور التفكير.. من ناحية أخرى تعرف الفلسفة تيارا يطلق عليه اسم "اللاأدرية"، انتبهوا ليس "اللاقدرية"... وهو تيار يقول انه لا يمكن إثبات وجود الله بناء على المعطيات الموجودة بيدنا، بشكل عام هذا التيار لا ينكر إمكانية ان يكون الله موجودا. بنفس الوقت هو تيار قريب نوعا ما للفكر الإلحادي الذي يرى انه لا وجود إطلاقا للإله. اما الماركسية ففسرت الإيمان الديني بأنه "شكل من أشكال الوعي الاجتماعي يعبر عنه كانعكاس أسطوري غيبي للقوى الطبيعية والاجتماعية المسيطرة على الإنسان". من الواضح تماما ان الحوار بين الملحدين والمؤمنين هو حوار عبثي بين عالمين مختلفين عقليا ونفسيا وفكريا ورؤية للحياة. فريدريك نيتشه الذي يعتبر من اهم الفلاسفة في تاريخ الفلسفة الحديثة، عبر عن جوهر رؤيته الفلسفية بقوله " الخطيئة بحق الله كانت من اكبر الخطايا، لكن الله قد مات، بذلك ماتت الخطايا أيضا، الشيء المخيف اكثر الآن ان نخطئ بحق الأرض"

4 - اللغة والتفكير

فاقدي القدرة على جعل التفكير قاعدة للفرز بين ما هو معقول وما هو غير معقول ، بين ما هو حقيقة وما هو وهم، يفتقرون للقدرة على استعمال اللغة بكل ما فيها من ثراء في التعابير، لدرجة ان مفرداتهم اللغوية تعاني من الشحة والبدائية في التعبير عن ذاتهم أولا وعن عالمهم ثانيا. اعتبر الفيلسوف الإنساني نوعم تشومسكي، ان دراسة اللغة ترتبط بدراسة الفكر البشري وان اللغة تفرض على الإنسان طريقة التفكير، وأضيف ان الانسان الذي يعتمد على ما ينقل له وما يلقن به، يفقد جوهره الإنساني لأنه يتحول الى ببغاء ناطقة. الحقيقة لا يمكن إلا ان تكون حقيقة، الكذب لا يمكن إلا ان يكون كذبا ولا توجد هنا إمكانية ثالثة. لنقل ان ملك تونس اقرع. هذا غير صحيح لأنه لا يوجد ملك لتونس. الفلسفة تسمي هذه التعابير عديمة الجدوى.. أو “ينقصها الفهم”. كيف يمكن مثلا التمييز في استعمال نفس الكلمة لكن بإطار مختلف يقود الى معنى مختلف؟ هل طريقة لفظ الكلمة تغير القصد منها؟ والأهم ما هو دور الدقة في صياغة التعبير للتواصل مع الآخرين؟ هل يمكن فصل العلاقة بين القدرات التعبيرية والقدرات الفكرية؟ أو بين المفردات السائدة وبين مستوى الفكر والوعي؟.. رؤيتي ان لكل انسان يجب ان نختار اسلوب خطابي مختلف وتعابير لغوية مختلفة. وبالتلخيص الأخير اقول ان التفكير هو ميزة للإنسان الحر.. عندما ارى شعبا (او مجتمعا) لا يفكر فهو ليس حرا. عندما يبدأ العرب بالتفكير ستفتح لهم ابواب الحرية.. ولا افهم كيف سيدخل عديمي التفكير الى الجنة!!

5 - حوار بين ابن الاله زيوس وصديق له من البشر
قرأت حوارا من الأدب الإغريقي بين ابن زيوس (يُلقَّب زيوس عند الإغريق بـ "أب الآلهة والبشر" فهو إله السماء والصاعقة في الميثولوجيا الإغريقية)
ابن زيوس قال لصديقة الإنسان:
- والدي يعتقد انك تؤثر علي بشكل سيء؟ رد صديقه:
- هذا مثير ، لأني كنت أظن أن زيوس والدك هو الذي يؤثر عليك بشكل سيء. سأله:
- ماذا تقصد؟ أجاب:
- زيوس يجعلك تعتقد أن الأصوات في راسك حقيقية. سأل ابن زيوس:
- كيف تعرف إنها ليست حقيقية؟ أجابه:
- ما دمت مقيما معنا على الأرض كانسان فأنت مثلنا وكل ما تسمعه هو وهم متخيل، حتى لو كنت تدعي انك ابن زيوس. أنت ابنه فوق فقط ، وفوق لا أحد يعلم ماذا يوجد. سأله ابن زيوس:
- إذن افهم انك تقول أن زيوس نفسه وهم أيضا؟ أجاب:
- أنا لم أقل ذلك بعد .. لا أعرف .. لم يره أحد، حتى انت لا تعرف شكله .. ربما تعيش حلما ؟! سال ابن زيوس:
- يعني ذلك أني وهم وأبي الذي تعبده ملايين المخلوقات هو وهم أيضا؟! أجابه:
- أنت حقيقي .. ولكن الأوهام التي حشوا رأسك بها تجعلك غريب الأطوار. قال غاضبا:
- أنت صديقي .. كيف تنكرني؟ أجابه:
- أنا لا أنكرك ، أنت حقيقي .. أنا أنكر أوهامك.
يبدو أن الحوار يتواصل حتى اليوم ... وفي كل مكان حتى في الفيسبوك!!.
[email protected]