لعبة الأمم في الحرب الأهلية السورية


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 5360 - 2016 / 12 / 3 - 20:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لعبة الأمم في الحرب الأهلية السورية
جواد بشارة
[email protected]

قبل أن نبدأ تحليلنا هذا، ينبغي أن نشير إلى أننا ضد كافة أنواع الأنظمة الدكتاتورية والشمولية وأنظمة الحزب الواحد والحزب القائد والقائد الضرورة، كما كان الحال في العراق وحاربناه في صفوف المعارضة العراقية طيلة أربعة عقود من المنفى، وبالتالي نعتبر نظام بشار الأسد، امتداداً لنظام والده حافظ الأسد وهو نظام لا يختلف عن النظام العراقي بشيء إلا ببعض الجزئيات. فهو يحكم باسم حزب قومي شوفيني هو حزب البعث، ويفرض على الشعب سلطة قمعية ودكتاتورية دموية عنيفة، أقول ذلك تمهيداً لتفادي حدوث أي سوء فهم أو إلصاق تهم جزافية من قبل البعض بأننا ندافع عن نظام بشار السد الاستبدادي، بيد أن ما نقوم به إن هو إلا تحليل جيوستراتيجي محض لما يدور على الساحة السورية، دولياً وإقليماً ومحلياً.
كلنا يعرف اليوم أن ما يجري في سوريا ليس صراعاً سورياً ــ سورياً بحت، بل هو صراع مسلح تقوم به تنظيمات مسلحة مختلفة ومتنوعة أيديولوجياً ، بالنيابة عن هذه الدول العظمى أم تلك، وهذه الدولة الإقليمية أو تلك. نعم من الإنصاف الإشارة إلى أن الساحة السورية شهدت في البداية سنة 2011، متأثرة بمجريات وانعكاسات أو تداعيات الربيع العربي وما حصل في تونس ومصر، حراكاً شعبياً بريئاً وسلمياً ضد نظام الحكم والمطالبة بإجراء إصلاحات فيه للخروج من الواقع الخانق الذي يضغط على رقاب أبناء الشعب بمختلف مكوناته. لكنه سرعان من تحول إلى صراع دموي مسلح بين العناصر الإسلاموية المسلحة التي خطفت حراك الشعب السلمي العلماني، وحولته إلى مواجهات مسلحة تعمل لحساب أجندات خارجية متنوعة ومتباينة الأهداف والنوايا. ولقد صب ذلك الانزلاق في خانة النظام وجاء لمصلحته لأنه كان يشهر مقولة الدفاع عن النفس ضد الإرهاب الإسلاموي المتمثل بتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين. فالتدخل ، بكل أشكاله، كان واضحاً وجلياً وصريحاً في الكثير من الأحيان ، ويسير وفق سياقات الصراع الدولي على النفوذ في منطقة الشرق الوسط بين أمريكا وحلفاؤها الغربيين من جهة وروسيا وبعض دول البريكس التي تعرض الهيمنة الأمريكية على المقدرات الدولية. فتركيا العضو في الحلف الأطلسي، والعربية السعودية الحليف الاستراتجي منذ عقود طويلة للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وقطر المحمية الأمريكية بامتياز،وإيران البعبع الخطير الذي نشأ بعد الثورة الإسلامية في أواخر سبعينات القرن الماضي وتحول إلى هاجس مرضي بالنسبة لدول الخليج، كانت تلعب أدوراً سلبية في تأجيج وإدامة النزاع المسلح الدائر على الساحة السورية، ما يعني العمل وفق إستراتيجية المحاور والتحالفات . بيد أن التغيرات التي طرأت وستطرأ لاحقاً في أعقاب انتخاب دونالد ترامب في أمريكا ، وربما فرانسوا فيون في فرنسا، سوف تؤثر قطعاً على المعطيات السائدة والمتحكمة بالملف السوري حصراً. وها هو وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يصرح لرويتر في 26 نوفمبر بأن بلاده ستواصل مساعدة المتمردين السوريين مع أو بدون ترامب. أي أن قطر ستستمر برفد المتمردين السوريين بالسلاح والمال حتى لو أنهى دونالد ترامب مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في الجهود الدولية لصالح المتمردين السوريين حسب تعبيرات وزير الخارجية القطري. وهذا اعتراف صريح بأن هناك تدخلاً أمريكياً مباشراً وغير مباشر في الأزمة السورية في عهد أوباما وتدخل قطري صريح وعلني في الشؤون الداخلية السورية. كما أوضح الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن قطر لاتنوي أن تأخذ لوحدها منفردة مبادرة تزويد المتمردين بالصواريخ المضادة للجو المحمولة على الأكتاف للدفاع ضد الطيران السورية والروسي ، فيتعين أن يؤخذ مثل هذا القرار عاى نحو جماعي كما شدد الوزير القطري. وبعودة سريعة إلى الماضي القريب ، نتذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية دعمت وسلحت تنظيم القاعدة الإرهابي بزعامة أسامة بن لادن إبان مرحلة الصراع ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان وزودت قوات المعارضة الأفغانية الإسلاموية بمختلف تشكيلاتها، لا سيما القاعدة وطالبان، بصواريخ ستينغر المحمولة لصد هجمات الطيران السوفياتي آنذاك ، ما يعني أنها تعرف مدى خطورة مثل هذه الأسلحة إذا ما وقعت بيد التنظيمات الإرهابية على غرار داعش والقاعدة. لذلك أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من مثل هذه المبادرة القطرية لأنها تعرف مسبقاً خطر الجماعات الإرهابية الإسلاموية التي قد تصوب الصواريخ المضادة للجو إلى طائرات التحالف الدولي الذي يحارب اليوم تنظيم الدولة الإسلامية داعش في كل من سوريا والعراق. ومن المعروف أن قطر من أوائل مصادر الدعم والتمويل والتسليح للمعارضة السورية المسلحة المناوئة لنظام السد إلى جانب تركيا والعربية السعودية وكلها تعمل وفق خطة تشرف عليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي أ CIA، التي تقضي بتزويد المعارضة السورية التي توصف بــ " المعتدلة" بالأسلحة اللازمة وبالتدريب والتمويل وسوف يستمر هذا الدعم حتى لو سقطت حلب بيد قوات النظام المدعومة بالطيران الروسي حسب تصريح رئيس الدبلوماسية القطرية. يبدو أن الوزير القطري يرغب بتوجيه رسالة للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ، الذي صرح أنه يمكن أن يوقف المساعدات الأمريكية للمتمردين المسلحين السوريين في المعارضة " المعتدلة" وتركيز الجهود ضد داعش بالتنسيق مع روسيا، مفادها أن قطر ستستمر في السياسة التي رسمتها لها إدارة أوباما ، على أمل أن يغير ترامب وجهة نظره بعد أن تزوده مخابرات بلاده بالمعلومات الحقيقية عن الواقع على أرض الميدان. حيث ردد وزير الخارجية القطري معزوفة أن نظام السد هو وقود داعش وذريعتها في البقاء والاستمرار وإن عنف قوات السد هو الذي يغذي عنف الجماعات المسلحة الإسلاموية المتطرفة والمتشددة وبالتالي يجب مهاجمة الأصل المتمثل بنظام الأسد على حد قول الوزير القطري.
وبهذا الصدد نشر الصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينو كتاباً مثيراً للجدل لاقى رواجاً جماهيرياً منقطع النظير حيث نفذت طبعته الثالثة في غضون شهر تحت عنوان " أعزاءنا الأمراء Nos très chers émirs، الذي يكشف دور قطر والعربية السعودية في تمويل التنظيمات الإرهابية كتنظيم النصرة الذي أصبح فيما بعد تحرير الشام وهو الواجهة السورية لتنظيم القاعدة الإرهابي الدولي الذي يقوده أيمن الظواهري اليوم خليفة أسامة بن لادن، كما يفضح بعض السياسيين الفرنسيين، من اليمني واليساء على حد سواء، واستجدائهم للمال القطري،