مقدمة كتاب الدكتورة سعاد السباعي عن الثورات العربية.


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 14:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

سعاد السباعي شخصية فذة. فقد ولدت فى المغرب لأبوين مغربيين. ونشأت فى المغرب ، ثم هاجرت لإيطاليا لتواصل دراساتها العليا (الماجيستير والدكتوراة) وتنخرط فى المجتمع الإيطالي لدرجة تجعل أهل دائرتها الإنتخابية يصوتون لها فى الإنتخابات البرلمانية فتصبح عضوا بمجلس النواب ...ثم تصبح نائبة رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس النواب. فى 2011 دعتنى لإلقاء كلمة بمجلس النواب الإيطالي ، وقد فعلت. منذ أيام طلبت مني سعاد أن أكتب مقدمة كتابها عن الربيع العربي والذى ستصدر طبعته الأولي بالإيطالية قريبا . وقد طلبت مني أن أضع تلك المقدمة باللغة العربية على أن تقوم هى بترجمتها بنفسها للإيطالية. وهذا هو نص هذه المقدمة التى كتبتها فى أقل من نصف ساعة من إستلامي لطلبها :
منذ بدأت الثورات التى عرفت بالربيع العربي فى تونس خلال الربع الأخير من سنة 2010 والعالم يتابع ويتساءل : هل هى فعلا ثورات ؟ وهل وصفها بالربيع هو وصف واقعي ؟ وماذا آلت له هذه الثورات ؟ .... وكمتابع عن قرب لكل النواحي التاريخية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتعليمية والدينية فإنني أعتقد أنها كانت بالفعل ثورات نبيلة على واقع سيء للغاية ومترع بالقهر والفساد وإنعدام الحريات السياسية وغياب التنمية الحقيقة. ولكن الواقع يؤكد أن تخريب المجتمعات العربية (كلها او معظمها) خلال العقود التى تلت إستقلالها السياسي (ونهاية الحقبة الإستعمارية) قد أدي (فيما أدي) لضعف شديد فى الأحزاب السياسية المدنية ، بإستثاء فصيل واحد (هو فصيل الإسلام السياسي) الذى ظل (رغم حظر وجوده فوق الأرض) يعمل بتنظيم شديد وهو "تحت الأرض" وإستفاد أعظم فائدة من كافة مساويء النظم الأوتوقراطية وأهمها الفساد وعدم التواصل (الإجتماعي والإقتصادي) مع الطبقات من "الوسطي الدنيا" وما تحتها. وقبل هذه الثورات (وخلال الأعوام من 2003) كان الإسلاميون قد بدأوا حوارهم مع القوي العظمي الوحيدة. وقد ساعد إفتقار هذه القوة العظمي للحس التاريخي والحس الثقافي الإسلاميون فى سعيهم لإقناع القوة العظمي الوحيدة (الولايات المتحدة) بأن الفصيل الأول والأهم بين فصائل الإسلاميين (وبالذات الإخوان المسلمين المصريين والتونسيين) هو "لاعب سياسي معتدل". وقد إتضح بجلاء خطأ هذا الإعتقاد بأن "الإخوان المسلمين فى مصر وفى تونس) هم ممن يصح وصفهم بالإعتدال. وحتى لا يضيع الإنسان الأوروبي فى الكلام العام غير المحدد ، فقد كتبت مرارا أن علينا الإتفاق حول معني الإعتدال. وقلت فى أكثر من مقال وأكثر من كتاب نشروا فى أوروبا أنني أقترح أن يكون "مقاسنا" كالتالي : الإنسانية المتقدمة اليوم تتفق على "القيم" التالية كأحجار أساس لكل المجتمعات الإنسانية المتقدمة : التعددية ، قبول الآخر ، نسبية الأحكام ، حقوق المرأة المساوية لحقوق الرجل الدستورية والقانونية ، إطلاق العنان للعقل النقدي ، حرية الإعتقاد ، حرية التعبير ، التعليم الحر .... إلخ ودارس أدبيات الإخوان المسلمين وسائر فصائل الإسلام السياسي ومتابع مسيرتهم خلال ما يقرب من قرن من الزمان وكذلك بعد وصولهم للحكم (لاسيما فى مصر) يدرك بوضوح أنهم لهم تحفظاتهم على كل تلك القيم التى قلت أنها أحجار أساس الإنسانية المتقدمة. فيكفي أن نعرف أن الإخوان المسلمين فى مصر لا يقبلون أن يصل مصري غير مسلم أو سيدة لرئاسة الدولة لنعرف معني أن لهم تحفظات على قيمة التعددية. وهناك أمثلة أخري عديدة. ويكفي أن نراقب حدثا مثل محاصرة الإسلاميين للمحكمة الدستورية العليا فى مصر ذلك الحصار الذى منعها من إصدار حكم قضائي يعارضه الإخوان المسلمون. كما قام إسلاميون آخرون بمحاصرة المدينة الإعلامية لمنع المذيعين والمذيعات الذين ينتقدون أفكار وسياسات الإخوان المسلمين من الوصول لمحطاتهم التلفزيونية لممارسة عملهم. ويكفي أن نعرف أن الإسلامين فى مصر (ومن بينهم الإخوان) يسعون لإقرار قانون يقضي بإعدام المسلم الذى يغير دينه ، لنعرف مصير "حرية الإعتقاد" فى مجتمع يحكمه الإسلاميون. ويكفي أن ندرس التراجع فى مكانة وحقوق المرأة لنعرف أن المرأة فى مجتمع يحكمه الإسلاميون ستكون بعيدة جدا عن وضع المرأة المتحضر فى المجتمعات الإنسانية المتقدمة. ومعرفتنا بالتدهور الواضح فى التعليم منذ وصل الإخوان لحكم مصر (مثال واحد : ما أن وصل الإخوان لحكم مصر حتى ألغوا دروس الموسيقي لأنها كلام فارغ ويعلم الصغار الإنحلال الخلقي !!! ) ، فمن سيكون بوسعه أن يحلم بنظام تعليم عصري فى مصر يقوم على إطلاق العنان للإبداع (الرسم وانحت والباليه كلها من المحرمات عند الإخوان المسلمين) ويشجع العقل النقدي ويحث على طرح الأسئلة وليس على تلقي الأجوبة) ؟ ... وهل سيكون بوسع أحد الحديث عن تقديس الحياة الإنسانية فى ظل حكام يرفضون إدانة العمليات الإنتحارية ضد المدنيين فى بعض المناطق ويصروا على تسميتها بالعمليات الإستشهادية !! ..... إن دراسة ما حدث ولا يزال يحدث فى عدد من المجتمعات العربية (مثل تونس ومصر ... وبشكل مختلف فى المغرب واليمن) وما "قد" يحدث فى المستقبل القريب فى سوريا هو أمر فى غاية الأهمية لكل الإنسانية بوجه عام ولأوروبا التى ينعكس عليه الكثير مما يحدث فى مجتمعات المهاجرين الإسلاميين الذين جاءوا وسيجيئون لها ومعظمهم يحمل أعراض الأمراض المتفشية فى مجتمعه الذى تركه وراءه. من هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الرائع الذى وضعته سعاد السباعي وهى إنسانة جمعت من المواصفات ما يندر إجتماعه فى أوروبي : فهى مغربية ، وهى تعلمت أرقي وأعلى تعليم فى إيطاليا ، وهى إيطالية ناجحة ومرموقة ، وهى عضوة بالبرلمان الإيطالي وعضو متميز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الإيطالي ، وهى صفات ومؤهلات تسمح لها برؤية الثورات التى تسمي بالربيع العربي من كافة الزوايا وبشكل فريد - طارق حجي.