مصر : الإخوان المسلمون تحت الضغط


سامح نجيب
الحوار المتمدن - العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 00:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     


تظاهر ألآلاف المصريين خلال الأشهر الأخيرة ضد الرئيس محمد مرسي، و يقول القائد الاشتراكي الثوري المصري سامح نجيب بأن الليبراليين و الإخوان المسلمين يفقدون تأثيرهم على الحركات القائمة في الشوارع و أماكن العمل.




نقطة بداية تحليلنا ستكون حول الأزمة التي اندلعت بين الإخوان المسلمين و قوى المعارضة الليبرالية المسماة " علمانية ". فمن جهة ، ابتدأت الأزمة من " سوء فهم" المعسكرين لطبيعة الثورة المصرية. فالكتاب الليبراليون، على سبيل المثال، يحيلون الى التحول الديمقراطي الذي حصل في إسبانيا في 1974، أو الى الإنتقال الديمقراطي في أوروبا الشرقية و " الثورات الملونة ".

المقارنة بالثورة الإسبانية، جيدة، فقد ابتدأت سنة 1930 و انتهت فقط بفوز الجنرال فرانكو سنة 1939. من منظور مشاركة الجماهير في الثورة، فالتجربة المصرية الآن أعظم من الثورة الروسية في 1917 ومن الثورة الفرنسية في 1789. لقد قدرت مشاركة الساكنة الفرنسية المباشرة، في المظاهرات و الاحتجاجات الجماهيرية، خلال الثورة الفرنسية ب3 إلى 4 في المئة. و بالنسبة للثورة الروسية فقد قدرت مشاركة الساكنة ب 7 في المئة. في حين شهدت الثورة المصرية مشاركة أكثر من 18 في المئة من الساكنة، بتعبير آخر، خمس ساكنة البلد.

تغييرات عميقة

لا يمكن تصور أن تصل الثورة الى هذه الدرجة و تحتوي فقط تحولات ديمقراطية محدودة و سطحية، بدون تغييرات عميقة فيما يخص إعادة توزيع الثروة و السلطة في البلد. و هذا أصل أزمة الإخوان المسلمون. فالإحتجاجات ضد الدستور لم تكن فقط دفاعا عن الديمقراطية، و لكنها أيضا تعبر عن غضب الشعب، نتيجة تحطم التوقعات المشجعة من طرف الإخوان أنفسهم.

تكمن مشكلة الإخوان المسلمين في أنهم يمثلون الآن أهداف القطاع الخاص الكبير و هم مجرد أدوات بدولة مبارك. لقد شهدنا تصريحات مضحكة للإخوان المسلمين تتهم الليبراليين بعمالتهم لصالح عناصر من النظام القديم، في حين أنهم هم أنفسهم في تحالف واضح مع جيش و بوليس مبارك. فالمقطع الخاص بالجيش في الدستور لم يحافظ على سلط الجيش وفقط، بل عمقها ووطدها.

لن تستقر أوضاع الدولة المصرية إذا لم يكن هناك تغيير حقيقي، لأن جهاز الدولة وجد ليرعى مصالح الطبقة الرأسمالية. في الحالة المصرية هذا الدور مدعوم بطبيعة تكوين الضباط و العلاقات المترابطة بين الجنرالات و رجال الأعمال، مما يجعل من المستحيل المس بمصالح كبار التجار بدون المس بمصالح الجنرالات.

أحد مطامح الثورة المصرية هو تنظيف الدولة المصرية من الفساد. ولحد الساعة لم تمس سلطة الجيش و امتيازاته. فإمبراطورية الجيش الاقتصادية لم تتغير. يقدر تحكم الجيش في الاقتصاد، بشكل معروف، ب 15 إلى 20 بالمئة.

من المهم أن نتذكر أن مصالح الاقتصاد مرتبطة بالرأسمال الخاص. فمثلا، " أورسكوم للبناء"، وهي جزء من الإمبراطورية الاقتصادية الكبيرة التي يملكها الليبرالي نجيب سواريس، عملت بشكل واسع لعدة سنوات مع الجيش. أما ميزانية الجيش فلا تناقش، ومسؤولية وضعها مرهونة بيد مجلس يشكل الجنرالات أغلبيته. للعسكر حق محاكمة المدنيين في محاكم الجيش. علينا أن نعي أن الجيش لا يزال يلعب دور المهيمن في مصر.

هناك مظهرين للصفقة بين الإخوان المسلمون و الجيش، فبالنسبة للجنرالات شعبية الإخوان ستمتص الثورة، و من جهة الإخوان، فقد تركوا للعسكر أدواره، لكن بتقاسم السلطة مع الجنرالات. ولكن، بدا واضحا في ديسمبر 2012 أن قدرة الإخوان على الهيمنة على الشوارع، لم يتوقعها أحد سابقا، فقد كانت ضعيفة. ليس من الجيد عدم تقدير قوة الإخوان، فالمنظمة كانت في حالة أزمة نتيجة الاحتجاجات، و تبين هذا من خلال تصريحاتهم نصف المجنونة و استعانتهم بالطائفية للتعبئة و وكيف ألقوا بأنفسهم بين أيدي السلفيين. كان الجنرالات يراقبون هذا النمو في رعب متسائلين " نحن نعول على هؤلاء الناس، ماذا لو لم يستطيعوا السيطرة على الوضع، ماذا سنفعل ؟"

نهاية طريق الشعبوية

مشكلة الأخوان و الليبراليين كونهم لا يستطيعون البدء في خطوات محدودة لتخفيف أثر الأزمة على عامة الشعب، بدون فسخ العقد مع الجيش و رجال الأعمال. طريق الشعبوية ذاك مغلق لأن العالم تغير. خلال سنوات 1950 و 1960 توفرت إمكانية سياسات للإصلاحيين و الشعبويين ( عندما كان الإزدهار الاقتصادي ) لكنها منعدمة اليوم . فبدون ضرائب تصاعدية حقيقية، لايمكنهم إنفاق الأموال على المستشفيات، و المدارس، وتوفير السكن و خلق مناصب الشغل. إنهم يرفضون حتى إعادة تأميم الشركات الفاسدة التي كانت مرتبطة مباشرة بمبارك .

يستمر الناس في التساؤل " من أين لنا بالمال؟" ليست هناك ندرة مالية في مصر: لدينا ألآلاف العائلات التي تمتلك البليونات. ليس هناك من طريقة لربح درجة واحدة من العدالة الإجتماعية بدون جعلهم يدفعون.

والحالة هذه، لا مجال للإحباط.علينا أن نفهم، بأننا لا زلنا في المرحلة الأولى من الثورة المصرية. وعلى العكس هناك عدة أسباب لجعلنا واثقين وعمليين، الأول هو السرعة التي فقد بها الإخوان مصداقيتهم السياسية و قاعدتهم الإجتماعية لأنهم عاجزون عن توفير إصلاحات. لقد أصاب الإحباط و اليأس أولئك الذين تصوروا أن الأمور ستتحسن عندما يكون الإخوان في السلطة، لكنهم يبحثون عن بدائل.

المعركة الاجتماعية

السبب الثاني هو أن المعركة القادمة ستكون اجتماعية. فالثورة خلقت إنتظارات كبيرة لدى الجماهير، لكن الأزمة الاقتصادية و استمرار السياسات النيوليبرالية ليست عاجزة عن توفير ما يطلبه الناس وفقط، بل على العكس، إنها تفرض درجات من التقشف ستخفض من الأجور و ترفع الأسعار و ستزيد من البطالة.

لقد شهدنا في ديسمبر و يناير العلامات الأولى لإقتراب العاصفة، و تجلت في إضرابات كبرى لعمال الألمنيوم و التبغ و العمال الصيدليين. و في نفس الوقت تجاوز الناس قوانين منع الإضرابات التي تسد الطريق و التي تحظر التظاهر بعد السابعة مساءا. وقدمت للشرطة سلط جديدة لفض الإضرابات. لقد بدا بديهيا أن المعركة يتخللها خط فاصل. لليسار دور كبير في توحيد الجهود للعمل على الإشكالات الاجتماعية. علينا أن نبحث عن طرق لربط الإضرابات ببعضها البعض، و تسييسها وربط المطالب الاقتصادية بالسياسية.

هناك معارك أخرى تنتظرنا. فبتحالف الإخوان مع الجيش، لا يهاجمون فقط العمال. لقد شهدنا خلال الأشهر القليلة الماضية حملة تشويه قاسية ضد الأقباط، و تكريسا لا مثيل له للطائفية. كإجابة على تحرك شباب الأقباط. نحن لا نتحدث عن الشباب الأغنياء من هليوبوليس ، لكن عن شباب الأقباط المنحدرين من المناطق الفقيرة مثل شبرا . إن واجب الإشتراكيين هو الوقوف مع الأقباط، لأنه عمليا لا أحد سيفعل. وقد شهدنا أيضا تحرك نسائي رافض بشكل عام للتمييز و الإضطهاد.

يجب أخذ عامل أخر بالحسبان ألا وهو دور المناطق القروية في الثورة. نتائج الاستفتاء الدستوري بين فرقا واضحا بين سكان المدن والقرى. في مقاطعة الفيوم، التي أغلب مناطقها قروية، صوتت 90 بالمئة منها بـ" نعم" في حين أن 56.8 بالمئة صوتت بـ" لا" في القاهرة.

لم يفز الإخوان المسلمون بقاعدتهم الإجتماعية في المناطق الريفية و نصف الريفية فقط لأنهم يخدمون مصالح السكان في الأرياف . بل لأنهم نوعا ما عبئوا دينيا و استعملوا شعارات تركز على الأمن لتخويف الناس. فحملات الإسلاميين ركزت على إقناع الناس بالتصويت بـ" لا" خوفا من الاضطرابات.

لقد حدثت تموجات من الرعب و الخوف خلال الثورة، كان لها أعظم التأثير على الناس الذين لم تصلهم القوى السياسية و حتى الإخوان المسلمون. لهذا السبب على اليسار العمل جاهدا في المجالات التي تهم الفلاحين لجلبهم للمعركة الإجتماعية.

ليست القوى التي تتقدم لاستلام السلطة في الطور الأول هي التي تحقق مطالب الثورة. حتى ولو كانت قوى، مثل، الإخوان المسلمون التي كانت معارضة ومعروفة لدى الناس قبل الثورة. علينا أن نرفض كليا الميل النخبوي لدى الليبراليين الذين يصفون الذين صوتوا ب"نعم" في الاستفتاء الدستوري ب" الجاهلين" و " الأميين".

نريد أن نكسب الناس الذين قالوا" نعم"، لكي يقولوا "لا" في المرة المقبلة. نريد كسب قاعدة الإخوان، لأن قاعدتهم تتشكل من القطاعات الفقيرة من الطبقة الوسطى. لقد توجه الناس نحو الإخوان بسبب ما أرتكبه اليسار من جرائم و أخطاء. لقد تبع اليسار مرارا لعقود عدة منظمات و تيارات أخرى، بدئا بالليبرالي الوطني حزب الوفد سنوات 1940، ثم ناصر في سنوات 1950 و حتى مبارك في سنوات 1990.

هناك اليوم بعض أحزاب اليسار التي تنهج نفس السياسة اتجاه الليبراليين المتحالفين رموز النظام القديم. علينا نقول علنا: إن جبهة الإنقاذ الوطني كارثة. من أكبر الأمور التي ساهمت في حصولها على" نعم " هو التحالف بين ما يسمى قوى المعارضة العلمانية و مؤيدي النظام القديم كعمرو موسى مثلا.

نحن نرفض فكرة أن المعركة قائمة بين القوى " العلمانية "و" الإسلامية". .إنها معركة اجتماعية، بين الذين لا يملكون لا سلطة ولا ثروة، و بين أولئك الذين يملكون كل شيء. .إن الليبراليين مهووسون ب" العلمانية" و لا يريدون التطرق للمسألة الإجتماعية ككل. بالمقابل فإن الليبراليين الذي كانوا في المجلس الدستوري يتفقون مع الكتابات التي تتناول الحقوق الإجتماعية.

تباينات

يشبه الليبراليون المدافعون عن الرأسمالية، غير المتنازلين عن سلطة الجيش والمدافعون عن استمرار حال الدولة، كثيرا، أعدائنا الإخوان و السلفيين. نريد أن نرى بوضوح تباين المصالح بين الطبقات. إن على قوى اليسار بالمعنى العريض، والشبيبة التي تريد تحمل الثورة و استكمالها، أن يتحدوا. عليهم أن يتحدو ضد النظام القديم و الجيش و الإخوان و ضد السلفيين المدافعين عن النظام القديم أو بقاياه. فاليسار يتوفر على فرص لا مثيل لها لترسيخ أفكاره وسط الطبقة العاملة، ووسط الفلاحين، ووسط شبيبة الأقباط، والنساء، والنوبيين وفي أوساط تلك القطاعات من المجتمع التي لم تحقق الثورة أمالها بعد.

علينا أن نكسب الجماهير، ما يعني أنه لن نقاطع الانتخابات أو الاستفتاء رغم عدم اعترافنا بشرعية السلطات التي تنظمها. فما دامت الجماهير مقتنعة بأن صندوق الاقتراع سيقدم لهم شيئا، علينا أن نكسبهم من خلال صندوق الاقتراع. إن الانتخابات و الاستفتاء علامات مهمة على ميزان القوى في المجتمع.

إذا تحول الدور القيادي لليسار في المعارك إلى أصوات باتجاه البرلمان، يعني أننا سائرون إلى الأمام. من المهم أيضا ألا نترك البرلمان للسلفيين و الإخوان. علينا أن نكون في المعمعان ضد الإخوان و السلفيين و النظام القديم . لا يمكننا ادعاء إخلاصنا لدرجة عدم المشاركة..إن المشاركة لا تعني أننا نظن أن البرلمان وسيلة لبلوغ أهدافنا أو بأن ديمقراطية الواجهة كافية، لكنها واحدة من جبهات الصراع. لهذا علينا أن نكون هناك.

ثورة عالمية

علينا أخذ البعد الإقليمي بعين الاعتبار، فالاشتراكيون يقولون دائما أن على الثورة أن تكون أممية. حيث أننا نشهد تعثرا لهذه السيرورة في سلسلة ثورات العصر الراهن. نريد انتصارا في سوريا، نريد للثورة التونسية أن تستمر و نريد تغييرا في الخليج. إن الخليج هو قلب الثورة المضادة في المنطقة. إن العائلة الملكية السعودية مرعوبة و مندهشة من الثورة المصرية لهذا نريد جمهورية ديمقراطية في العربية السعودية. إن الحركات مستمرة في العربية السعودية و البحرين نريدها أن تتقوا وتكبر.

إن الانفجار الاجتماعي القادم، والذي هو نتيجة التذمر الذي نسمعه، سيطلق عملية صراع سياسي و سيتيح لليسار فرصة تاريخية. وعلى قوى اليسار أن تتحد، وأن تتحرك و أن تكون على ثقة. وعلينا أن واتقين من الجماهير.

لقد نزل خمس المصريين إلى الشوارع للتخلص من مبارك و التحقت مئات الآلاف بالصراع من اجل الديمقراطية بعد ستة أشهر، بعيد الانتخابات الرئاسية. هؤلاء الناس لا يريدون البقاء في منازلهم صامتين. لن تقيدهم القوانين أو الدساتير. وبدون شك، ستقدم الثورة القادمة دستورا يعبر فعليا عن مطالب الجماهير.

ترجمة أن ألكسندر

مجلة النقد الإشتراكي عدد فبراير 2013

تعريب جريدة المناضل-ة