لمحة عن المفهوم الماركسي للدستور


فلاديمير لينين
الحوار المتمدن - العدد: 7142 - 2022 / 1 / 21 - 20:25
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ترجمة: سعيد العليمي
… هناك حديث عن الحرية , وعن التمثيل الشعبى , كما يخطب البعض عن الجمعية التأسيسية , غير ان مالايرونه على الدوام فى كل ساعة بل وفى كل دقيقة , انه بدون ضمانات جادة لكل هذه الاشياء الجيدة فانها تبقى مجرد جمل خاوية . اما الضمانة الجادة فلايمكن ان تأتينا بها الا الانتفاضة الشعبية الظافرة , الا بالهيمنة التامة للبروليتاريا والفلاحين المسلحين على ممثلى السلطة القيصرية , الذين , تراجعوا خطوة للوراء , ولكنهم ابعد من ان يكونوا قد استسلموا للشعب , وابعد من ان يكونوا قد اطيح بهم بواسطة الشعب . والى ان يتحقق هذا الهدف لايمكن ان تكون هناك حرية حقيقية , ولاتمثيل شعبى حقيقى , ولاجمعية تأسيسية حقيقية لها سلطة ان تقيم نظاما جديدا فى روسيا .

ماهو الدستور ؟ صحيفة من الورق سطرت عليها حقوق الشعب . ولكن ماهو الضمان الذى لدينا بأن هذه الحقوق سيعترف بها فعلا ؟ يكمن الضمان فى قوة طبقات الشعب التى باتت واعية بهذه الحقوق , بعد ان استطاعت كسبها . دعونا لانسمح اذن بأن تضللنا الكلمات – التى تليق بثرثارى الديموقراطية البورجوازية فحسب – دعونا الا ننسى للحظة ان القوة يبرهن عليها بالانتصار فى خضم النضال , واننا لازلنا حتى الان بعيدون عن ان نكون قد حققنا انتصارا كاملا بعد . دعونا لانصدق الكلمات الجميلة , لأننا نعيش فى ازمنة لازال الصراع المكشوف فيها جاريا , وتختبر فيها كل الكلمات والوعود على الفور فى تحققها العملى , بينما توظف الكلمات والبيانات والوعود عن الدستور لخداع الشعب , ولاضعاف قوته , وبعثرة صفوفه , واغواءه بأن يتخلى عن سلاحه . مامن شئ يمكن ان يكون اكثر زيفا من هذه الوعود والكلمات , ولنا كل الفخر فى ان نقول ان بروليتاريا روسيا قد نضجت من اجل الصراع ضد كل من القوة الوحشية , وضد الانحراف الليبرالى الدستورى, و يؤيد مااقول النداء الذى صاغه عمال السكك الحديدية الذى نشر عنه حديثا فى الصحافة الاجنبية ( للاسف الاصل ليس لدينا ) . يقول النداء ” اجمعوا الاسلحة يارفاق ” , ” نظموا انفسكم من اجل النضال بلا كلل , وبطاقة مضاعفة . فقط بتسليح وحشد صفوفنا سوف نكون قادرين على الدفاع عما كسبناه , ونحقق استجابة تامة لمطالبنا . سيأتى وقت ننهض فيه مرة اخرى كرجل واحد فى نضال جديد اكثر عنادا من اجل الحرية التامة ” .

فى مثل هذا تتمثل ضماناتنا الوحيدة . مثل هذا هو الدستور الحقيقى لروسيا الحرة ! وبا لفعل , انظر الى بيان 17 اكتوبر وحقائق الحياة الروسية : هل يمكن لشئ ان يكون اكثر دلالة من التضاد بين هذا الاعتراف بالدستور على الورق من قبل القيصر , و”الدستور” الفعلى , اى التطبيق الفعلى لسلطة القيصر ؟ فى مواجهة هذا , يقدم بيان القيصر وعودا لها طابعا دستوريا بجلاء . ولكنهم بينوا لنا ثمن هذه الوعود . لقد اعلن ان لشخصية الفرد حرمة لاتنتهك , مع ذلك فان هؤلاء الذين لايوافقون هوى الاوتوقراطية يبقون فى السجون , او فى المنفى , او مبعدين . لقد اعلن عن حرية الاجتماع , مع ذلك فان الجامعات التى كانت اول من ابدع حرية الاجتماع فعليا فى روسيا , قد اغلقت , وسدت مداخلها بحراس من الشرطة الجنود . الصحافة حرة , ولهذا فان جريدة نوفايا جيزن (2) المتحدثة باسم مصالح العمال , قد صودرت لأنها طبعت برنامج الاشتراكيين الديموقراطيين . ان اماكن وزراء المائة السود قد شغلها وزراء اعلنوا انهم يقفون فى صف حكم القانون , مع ذلك لازال المائة السود ” شغالون ” بدرجة اشد كثافة فى الشوارع بمساعدة الشرطة والجيش , ومواطنى روسيا الحرة الذين لايروقون للبيروقراطية يعدمون , او يضربون ويهرسون بحرية مع حصانة الافلات من العقوبة .

بمثل هذه النماذج الجلية امام اعيننا , يجب ان نكون عميانا , او اعمتنا الانانية الطبقية , حتى نعلق اى اهمية حقيقية جادة فى الوقت الراهن على مااذا كانت هناك وعود من الوزير (ويتى ) بحق الاقتراع العام , او مااذا كان القيصر سوف يوقع بيانا يدعو فيه الجمعية ” التأسيسية للانعقاد ” . حتى اذا جرت مثل هذه ” التصرفات ” فهى لن تقرر حصيلة الصراع , ولن يكون بمقدورها ان تخلق الحرية الفعلية للتحريض الانتخابى , او ان تضمن ان جمعية شعبية من الممثلين سوف يكون لها طابعا تأسيسيا حقيقيا . على الجمعية التأسيسية ان تعطى تجسيداقانونيا وشكلا برلمانيا لبنية روسيا الجديدة , ولكن قبل ان يمكن تعزيز انتصار الجديد على القديم , ولاضفاء شكل مناسب على هذا الانتصار , فلابد من احراز الانتصار الفعلى , لابد من تحطيم قوة المؤسسات القديمة , ولابد من كنس هذه الاخيرة , لابد من تقويض الصرح القديم وتسويته بالارض , وتدمير اية امكانية لأى مقاومة جادة من جانب الشرطة وعصابتها.

حرية انتخابية تامة , وسلطة كاملة لجمعية تأسيسية يمكن ضمانهما فقط من خلال الانتصار التام للانتفاضة , والاطاحة بالحكم القيصرى , على ان تحل محله حكومة ثورية مؤقتة . وعلى كل جهودنا ان تتوجه لتحقيق هذا الهدف , يجب ان يتصدر تنظيم واعداد الانتفاضة كل المهام على نحو مطلق . وبقدر ماتكون الهبة منتصرة فحسب وبقدر مايقود النصر الى التدمير الحقيقى للعدو – بقدر ذلك فحسب سوف تكون جمعية ممثلى الشعب شعبية ليس على الورق فحسب , وكذلك تأسيسية بالفعل لا بالاسم فقط .

فلتسقط كل انواع التضليل , والزيف , وكل التعمية ! لقد اعلنت الحرب , وقد اشتعل القتال , ومانعاينه الان ليس شيئا سوى خمود او ركود مؤقت بين معركتين . ومامن وقوف فى منتصف الطريق . ان حزب ” البيض ” هو خداع مطلق . وان من لايقف فى صف الثورة فهو اذن من المائة السود . لسنا نحن فقط من يقول هذا . نحن لم نبدع مثل هذا الوصف . ان الاحجار التى لطختها الدماء تصرخ بهذه الكلمات فى شوارع موسكو واوديسا , فى كرونشتادت والقوقاز , فى بولاندا وفى تومسك .

ان من لايقف فى صف الثورة فهو اذن من المائة السود . وان من لايرغب فى ان يضحى من اجل الحرية الروسية حتى لاتصبح هذه الحرية حرية الشرطة فى ان تستخدم العنف , والاكراه على شهادات كاذبة , ( والرشوة ب ؟ المترجم ) الفودكا , والهجمات الغادرة على اناس عزل من السلاح , يجب ان يسلح نفسه وان يتأهب للمعركة على الفور . لابد ان ننال الحرية الحقيقية , وليس وعودا بالحرية , ولامزق من الورق عن الحرية . لايتعين علينا ان ننجز فحسب خزى واذلالا لسلطة القيصر , ولا مجرداعتراف بحقوق الشعب من هذه السلطة , وانما تدمير هذه السلطة , مادامت سلطة القيصر تعنى سلطة المائة السود على روسيا . وهذه النتيجة لاتخصنا ايضا . لقد جرى استخلاصها من وقائع الحياة ذاتها , انه الدرس الذى علمتنا اياه احداث الزمن . انه صوت هؤلاء الذين وقفوا جانبا حتى الان بعيدا عن اى مذهب ثورى ولم يجرؤوا على اتخاذ خطوة واحدة حرة فى الشارع , وفى اجتماع , او فى البيت دون ان يعانوا مخاطرة مريعة داهمة من ان يسحقوا , يعذبوا او يمزقوا الى قطع من قبل هذه العصابة او تلك من اتباع القيصر .

واخيرا , لقد اضطرت الثورة هذه ” القوة الشعبية ” على الخروج الى العلن – قوة اتباع القيصر . لقد كشفت للنظر العام على من يعتمد حكم القيصر , ومن هم بالفعل من يدعمون هذا النظام . واليك اياهم , هذه القوات الضارية من الشرطة , المدربون على الانضباط , الجنود نصف الاذكياء , رجال الدين المسعورون , اصحاب الحوانيت الغلاظ , ورعاع المجتمع الرأسمالى الذين دوختهم الفودكا . ان هؤلاء هم من يسودون الان فى روسيا مع تستر او دعم تسعة اعشار مؤسساتنا الحكومية . هاهى ذى فندييه ( 3 ) الروسية ( الرجعية . المترجم ) التى تشبه فندييه الفرنسية بنفس القدر الذى يشبه به القيصر نيقولا رومانوف المغامر نابليون . كما ان رجعيتنا لم تقل كلمتها الاخيرة ايضا – لاتخطئوا اطلاقا بهذا الصدد ايها المواطنون .فهى ايضا قد بدأت للتو فى عرض قواها بدقة . وهى ايضا لديها احتياطييها من “المواد القابلة للاحتراق ” التى تراكمت خلال قرون من الجهل , والاضطهاد , والقنانة , والشرطة كلية الجبروت . انها تقرن داخلها التخلف الاسيوى الصافى مع كل الملامح الكريهة للطرق الناعمة التى تستخدم لاستغلال وتسفيه هؤلاء الذين هم الاشد اضطهادا وتعذيبا بحضارة المدن الرأسمالية , وقد صغروهم حتى باتوا فى اوضاع اسوأ من اوضاع الحيوانت المفترسة . مثل هذه الرجعية لن تختفى استنادا لأى بيان يصدر عن القيصر , اوعن مجلس القساوسة , او بناء على تغييرات فى المراتب العليا او الدنيا فى البيروقراطية . فهى لايمكن ان تحطم الا من قبل قوة بروليتاريا منظمة ومستنيرة , لأن البروليتاريا وحدها , وهى المستغلة فى وضعها , جديرة باستنهاض كل من يليها , وتوقظ فيهم الاحساس انهم بشر ومواطنون , وتريهم طريق الخلاص من كل استغلال . البروليتاريا وحدها هى التى يمكن لها ان تخلق خلايا جيش ثورى عات , عات فى مثله العليا , وفى انضباطه , وفى تنظيمه , وببطولته فى النضال , بطولة لاتستطيع ان تتصدى لها اى رجعية .

_________________
* المصدر : مقتطف من مقال لينين , وعنوانه الاصلى : بين معركتين . الاعمال الكاملة , المجلد التاسع , ص ص 457 466 , دار التقدم , موسكو 1972 . الطبعة الانجليزية