لماذا الإخوان المسلمون كما الشيوعيين والبعثيين لا يقبلون النصح؟


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 3925 - 2012 / 11 / 28 - 14:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تذكرني الأحداث التي تعصف بأم الدنيا هذه الأيام بمقال كنت قد نشرته في 6/11/2004 في موقعي الفرعي في الحوار المتمدن، ورابطة أدباء الشام، وكلنا شركاء، والرأي وفي العديد من المواقع الإلكترونية، تحت عنوان "لماذا البعثيون كما الشيوعيين لا يقبلون النصح؟!"، وكان ذلك المقال في سياق تقديم الآراء والرؤى حول ضرورة تغيير البنية السياسية المهيمنة لخروج بلادنا من أزمة وكارثة محدقة... وقد جاء في ذلك المقال، ما يلي:"كان جواب البعثيين والشيوعيين والأحزاب المشاركة في الحكم، وفي المصير العام الذي وصلت البلاد إليه على هذه النصائح، يتلخص في الدعوة إلى التطوير، لا إلى الإصلاح؛ فما بالك بالتغيير.. بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بتخوين كل من يدعو إليها، نذكر على سبيل المثال الشواهد التالية:

ـ التهديد واتهام من يطرحون مثل هذه الآراء "أحد اثنين: إما بسيط لا يدرك خطورة ذلك على مستقبل البلاد وأمنها واستقرارها، ولا يدري ما يمكن أن يحدث بعد ذلك، وأما الثاني فهو يعرف النتائج الخطيرة ويريدها ويسعى إليها لأسباب لا تتعلق بمصالح البلاد ولكنها تفيد المشاريع الخارجية من جهة، ومن جهة ثانية إسرائيل، فتزول من أمامها الدولة التي حملت عبء مقاومة المشروع الصهيوني.."(1)

ـ ثم أضافوا تهماً جديدة آخرها "التخريب" فهذا رأي مسئول رفيع فيما يثار من مطالب لتعديل الدستور تجاه إلغاء المادة الثامنة؛ يقول: «إن حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب الأكثرية الساحقة في سورية (,,,) فلماذا يتم رفض وضع هذا الإطار ضمن صيغة دستورية سليمة»، وأضاف: «إذا كان كل عشرة أشخاص وجدوا أن مسيرة البلد بكاملها لا تناسبهم وأنهم يريدون أن يصنعوا حزباً مهمته التخريب، فإن هذا ليس اسمه حزباً سياسياً ولا معارضة، بل إن هذا اسمه تخريب على الوطن وهو منطق الناس المعزولين الفردين الذين ينطلقون من الديموقراطية للتعدي على الديموقراطية».(2)

...

إنّ عدم قبول النصح يضع علامات استفهام كبيرة حول البنية، وطبيعة القوى التي لا تقبل النصح، ومدى إمكانيتها في تحمل المسئولية، ومواكبة متطلبات العصر ومواجهة تحدياته..
كم كان مفيداً لو قبل البعثيون في العراق النصح، وأوقفوا حربهم ضد إيران، ولم يدخلوا الكويت، أو خرجوا منها طواعية؟ كم كانوا جنبونا من الويلات والمآسي؟

كم سيدفع من الثمن ليقبل النصح؟ كم سيكون الثمن باهظاً نتيجة عدم قبول النصح؟!"

أستذكر هذه الكلمات وأنا أسمع آراء قادة في حزب الحرية والعدالة "الإخوان المسلمين" في مصر حول تبريراتهم لعدم قبول النصائح التي تقدم لهم للتراجع عن (المراسيم الدستورية) الأخيرة الصادرة عن الدكتور محمد مرسي، تلك التبريرات التي لا تختلف كثيراً عما ورد على لسان البعثيين أعلاه، وتبريرات الشيوعيين الرسميين، لا بل وتبريرات حزب مبارك (الديمقراطي)؛ فهم يرون أنّ منتقدي تلك المراسيم قلة قليلة، تخدم أجندات خارجية، وأنّ الأغلبية مع الإخوان، وهذا ما سيثبته الاستفتاء على الدستور الذي سيطرحونه على الشعب.

وتجدني عند سماع آرائهم التي تكرر آراء من سبقهم أقول: "لا حول ولا قوة إلاّ بالله"! يا إخوان ليس هكذا تبنى الدول! لكل مرحلة ظروفها، وشروطها، ومتطلباتها... حسني مبارك أجرى انتخابات شبيهة باستفتائكم الذي تدعون إليه، وحاز حزبه على جميع مقاعد مجلس الشعب، ولو شاء لحاز على عدد أكبر، وهكذا أنتم، إذا سرتم على الطريق نفسها.

أيها الإخوان المسلمون، الشيوعيون، البعثيون، الناصريون؛ آن الأوان لكي نعي قضية هامة ملخصها أنّ: ـ هذا العصر ليس العصر الذي ولدتم ، وترعرعتم فيه، هذا عصر المعلوماتية، والتنوع، والتواصل والتغيير، الذي لا داعي لإلغاء أحد فيه، إنما الواقع حولنا يعمل على نفي الرواسب التي تعيق التطور، والتي تبدو أنّها الحقيقة الوحيدة عند كل فرد أو حزب مترهل...

ـ وجود الآخر المختلف عني ضرورة وقوة لي، علي أن أعرف كيف أفيد المجتمع من وجودنا معاً وفي ذلك فائدة للجميع!

ـ أساس بناء الدولة العصرية هو رضا وقبول أبناء الشعب ببنيانها، الذي من الضروري أن يقوم على التنوع، والتعدد، وتداول السلطة... والتنوع لا يعني أن نعترف بوجود الآخر، من قوى وأحزاب ومكونات اجتماعية وشخصيات وغيرها، فقط، بل ويتطلب أن تتمكن هذه القوى والأحزاب والشخصيات من أداء جهدها، ودورها في بناء الدولة، وهذا ما يكرسه الدستور الذي يتوافق عليه أبناء المجتمع، لا الدستور الذي يفرض عليهم في ظروف محددة تحت قوة ما يسمى استفتاء، ولا سيما إذا كان المجتمع ينتقل من مرحلة إلى أخرى ولم تتشكل، أو تنضج الهيئات الاجتماعية التي تحمي بنيانه، بعد.

ـ وكما المهندس مسؤول عن أي تصميم يقره، ويتحمل مسؤولية أية أضرار تلحق بالمواطنين نتيجة أخطاء في التصميم أو التنفيذ؛ فرئيس الدولة الذي ينتخب من الشعب، مسؤول أيضاً عن أمن ومصير وحياة جميع أبناء الشعب، وإن تسببت أية قرارات أو مراسيم يصدرها في أذية أي فرد من أفراد الشعب، يجب أن يتحمل مسؤولية ذلك، وإذا تسببت هذه القرارات أو المراسيم في وفاة أي شخص، تصبح شرعيته تحت التساؤل. ومن الضروري أن تتضمن دساتير البلدان العصرية نصوصاً تجعل الرؤساء يحسبون حساباً لحقيقة أن دماء أبناء شعبهم أمانة في أعناقهم.

إنني أتساءل، ألا تقض مضجع هذا الرئيس أو ذاك مناظر الدمار والخسائر والموت، التي تعم البلاد نتيجة قراراته؟! كيف يستطيع النوم؟! لا سيما وإن كان خريج جامعات متحضرة راقية، ويلهج بخطابات مؤثرة كالدكتور مرسي؟

أيريد الإخوان المسلمون أن يسجل التاريخ أنّهم كانوا ساهموا في إحداث فتنة في مصر تخدم أعداء مصر، والعرب، والمسلمين؟ إن لم يكن كذلك، فمن الضروري أن يقبلوا النصح. فمصير الوطن والشعب فوق مصالح الأحزاب، والشخصيات!

طرطوس 28/11/2012 شاهر أحمد نصر

الهوامش:
1 ـ حوار مهم مع سيادة النائب، نشرة ـ كلنا شركاء في الوطن ـ الالكترونية بإشراف المهندس أيمن عبد النور عدد 23/8/2004 ـ عن مجلة أبيض وأسود

2 ـ انظر صحيفة "الرأي العام" الكويتية عدد 14 /9/2004