لماذا يُحرم كتابٌ ومثقفون من أبسط الحقوق؟!


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 3890 - 2012 / 10 / 24 - 20:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أفكار كثيرة ومتنوعة تلهب خلد، وتثقل كاهل كثيرين من الكتاب والمثقفين وهم يغادرون مباني الهجرة والجوازات، بعد إعلامهم بمنعهم من السفر، وحرمانهم من حق الحصول على جواز سفر...

دفعتني هذه الحالة البائسة إلى البحث في أسباب حرمان الكتاب والمثقفين في بلادنا من أبسط الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948؛ والذي تنص المادة (13) منه على ما يلي:

" ( 1 ) لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة.

( 2 ) يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه."

ومن الأصدقاء الذين حرموا من حق المغادرة والسفر ـ وأغلبهم، مثقفون وأعضاء في اتحاد الكتاب العرب ـ: الدكتور محمد حاج صالح، والدكتور محمد وائل بيطار، والدكتور إبراهيم استنبولي، والأستاذ سامر الملوحي، والأستاذ نبيل أبو صعب، وغيرهم...

أسئلة كثيرة اضطرمت في خلدي، منها: من هم هؤلاء الذين يحرموننا من حقوقنا؟ ولماذا؟ ماذا اقترفنا، حتى نتعرض لكل هذا الظلم؟ ومن خول أولئك حق ظلم الآخرين؟!

وللإجابة عن هذه الأسئلة أخذت أسترجع مواقف، وأفعال، وأقوال، من منع من السفر من الكتاب والمثقفين، قبل أخذ هذا القرار الظالم بحقنا منذ عام 2006؛ فوجدتهم لم يقوموا بأي فعلٍ إلاّ وكان صالح الوطن عنوانه، و يشهد عملهم، ومن يعرفهم من أبناء الشعب بذلك... ولم يبق جرمٌ نتهم به غير الأفكار التي نطرحها داعين للإصلاح والتغيير خدمة للوطن، والمجتمع، والشعب! وللتحقق من الأفكار التي جاهرنا بها، عدت إلى الأبحاث التي نشرتها، ونشرها هؤلاء الكتاب، قبل ذلك التاريخ، علّني أجد ما يستوجب مثل هذا الحكم الظالم، فوجدتني كنت قد عالجت مواضيع فكرية وسياسية تحت العناوين التالية:

"ـ بحث في الحرية والديمقراطية ـ 2003 / 5 / 15

ـ الإصلاح السياسي الديمقراطي مطلب وطني عام، وليس مطلب شخصيات فحسب ـ 2003 / 6 / 8

ـ كل إصلاح اقتصادي وإداري لا يترافق مع الإصلاح الفكري والسياسي لن يصل إلى مبتغاه ـ 2003 / 6 / 24

ـ في حقيقة المعارضة في المجتمعات البشرية ـ 2003 / 7 / 8

ـ في أسباب انتشار الفكر الغيبي ـ 2003 / 8 / 12

ـ هل استكملت الأنظمة العربية عملية بناء الدولة القابلة على البقاء؟ ـ 2003 / 10 / 4

ـ إذا أردتم تحرير المرأة ، فابنوا مجتمعات على أسس متحضرة ـ 2003 / 10 / 18

ـ قانون الأحزاب السياسية من وسائل الإصلاح السياسي الديمقراطي ـ 2003 / 11 / 14

ـ المجتمع المدني ضرورة اجتماعية ووطنية ـ 2004 / 1 / 3

ـ إلغاء حالة الطوارئ شرط ضروري لمناقشة فكر حزب البعث في سوريا ـ 2004 / 1 / 14

ـ المعارضة عنوان الأوطان ومصدر قوة لدولة القانون ـ 2004 / 1 / 25

ـ هل أصبحت صيغة الحكم من خلال الجبهة وحدها تلعب دوراً معرقلاً للتطور السياسي في سوريا؟ـ2004/2/15

ـ أ ليس مفيداً أن يكون البعثيون في سوريا من أوائل المطالبين بإلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين؟! ـ 2004 / 3 / 11

ـ الأكراد والعرب أخوة ـ 2004 / 3 / 19 ـ

ـ ألم يحن الوقت للغة خطاب جديدة بديلة عن لغة الاعتقال! ـ 2004 / 4 / 18

ـ احترام كرامة شهداء الرأي والحرية يتطلب إحالة الجلادين وحماتهم للمحاكمة ـ 2004 / 6 / 25

ـ أخطار قمع المعارضة، وأثر ذلك في انهيار الدول ـ 2004 / 10 / 26

ـ لماذا البعثيون كما الشيوعيين لا يقبلون النصح؟ ـ 2004 / 11 / 6

ـ رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية خطوة إلى الأمام ونظرة في المجهول ـ 2005 / 1 / 5

ـ نهاية الصهيونية ـ 2005 / 2 / 14

ـ يا من سرت على درب المسيح، سلام عليك ـ 2005 / 2 / 19

ـ لن ينقذ الوطن إلاّ صوت العقل ـ 2005 / 4 / 6

ـ حالة الطوارئ والأحكام العرفية والاستثنائية تضعف البلاد وتخدم العدو ـ 2005 / 4 / 21

ـ في مفهوم السلطة وبؤس التفكير الطائفي ـ 2005 / 5 / 6

ـ أعيدوا الاعتبار إلى الفكر الاشتراكي الحضاري الديمقراطي المتجدد، تعود البشرية إلى رشدها ـ 2005 / 6 / 1

ـ قانون الأحزاب ضرورة موضوعية في الدولة العصرية ـ 2005 / 7 / 25

ـ خطوط عريضة لمشروع قانون الأحزاب السياسية ـ 2005 / 9 / 5

ـ القمع والخوف يحصنان الفساد ـ 2005 / 10 / 18

ـ إعلان دمشق نقلة نوعية متقدمة تحتاج إلى نظرة نقدية ـ 2005 / 11 / 7

ـ الماركسية والديمقراطية - نظرة تاريخية نقدية ـ 2005 / 12 / 18

ـ المعارضة في خطر ـ 2006 / 3 / 27 "

وجميع هذه المقالات ما تزال منشورة في موقعي الفرعي في "الحوار المتمدن"، ونُشرت في مواقع كثيرة أخرى مثل "الرأي"، و"أدباء الشام"، و"قاسيون" وغيرها في شبكة الانترنت الدولية، وفي الصحافة المحلية. وتسمح العودة إليها، بالتأكد من أنّها، مثلها مثل ما دعا إليه المثقفون، والكتاب الغيورون على صالح الوطن ومستقبله، تدعو لتطبيق مبادئ الإصلاح والتغيير، والتخلص من كل ما يراكم، ويفاقم التناقضات الاجتماعية السياسية في المجتمع، وكل ما يعرقل نموه الطبيعي؛ كإلغاء حالة الطوارئ، واعتماد دستور عصري بعيداً عن المواد المستوردة من الأنظمة الشمولية، وسن قانون أحزاب، وقانون انتخابات عصريين... وتدعو إلى الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة، وتطبيق حقوق الإنسان... ويأتي الجواب على هذه الدعوات مزيداً من الغطرسة والعنجهية، والعقاب ظلماً. و يضطر من يشهر أسلوب العقاب إلى الإعلان عن ضرورة تطبيق تلك الأفكار والمبادئ، تحت ضغط إرادة الشعب وحراكه السلمي، والتي لو سُمع صوت العقل، وأُقرت آن دُعي إليها، لجنبت البلاد كثيراً من المآسي والضحايا. إنما، ومع الأسف، لم يُسمع صوت العقل، بل عوقب دعاته، ومنعوا من نشر كتبهم وأفكارهم، ويمنعون من السفر... ولا يتراجع المخطئ عن خطأه، ولا يُلغى الظلم، ولا يُعاد الحق إلى أصحابه، الذين ما فتئوا يدقون ناقوس الخطر!

ألا يعادل قرار منع نشر رأي الإعدام، ويشابه قرار منع السفر الحكم بالسجن؟! فلماذا يحصل ذلك؟!

لعلّ الإجابة الموجزة تكمن في أنّ مصدر العقاب هو تحالف الفساد وحماته الذين يرون في الفكر الحر، وفيما يطرحه الكتاب يعري حقيقتهم، ويشكل خطراً على وجودهم...

تأمل بعض الجهات أن تولد هذه الحالة اليأس، والإحباط، ومرارة ثقيلة في نفوس الكتاب، إذ لا توجد مرارة أقسى من مرارة الشعور بالظلم الذي يشعر به من يعاقب على أفكار، ومبادئ، وقيم يجاهر بها لخير الوطن والمجتمع، وتؤكد الحياة صحتها... إلاّ أنّّ هذه الحالة تحمل بعداً آخر، وتعادل أرفع وسام يحوز الكاتب عليه...

وينتصب سؤال مشروع: ما دلالة إعلان تلك الجهات عن تبني الأفكار والمبادئ التي يُعاقب المثقفون والكتاب على الدعوة إليها، وفي الوقت نفسه، لا تُزال تبعات الظلم الذي لحق بهم نتيجة الجهر بتلك الأفكار؟!

ألا يدل ذلك، على أنّ مسألة تبني تلك المبادئ، والدعوة المزعومة للحرية، والكرامة، والديمقراطية ما تزال شكلية المظهر، بعيدةً عن التطبيق؟! ألا يعزز ذلك عدم الثقة بالإعلان الشكلي لتبنيها؟ ويثبت أنّ تطبيقها يحتاج إلى متابعة الجهود في هذا الطريق، ويثبت في الوقت نفسه مشروعية وضرورة استمرار الحراك الشعبي السلمي لتطبيقها.

من المعروف أنّ الظلم لم يقتصر على المفكرين... فالكتاب والمفكرون يعبرون بوعيهم وحدسهم عن المخاطر المحدقة بالمجتمع، وعمّا يعتمل في أعماقه، ويخطون أسس ولوج المستقبل... وما ظلم المفكرين إلاّ تعبيراً عن وصول البنية التي تعاقبهم إلى أعلى درجات الإفلاس خوفاً وهلعاً من المستقبل، وتعبيراً عن تفاقم حالة البؤس التي أوصلت المجتمع إليها، ويترافق ذلك مع حالة عامة من الفساد، وتفاقم التناقضات الاجتماعية والسياسية، وانسداد الأفق، وتناقض البنية المهيمنة مع متطلبات العصر، مما يجعل أغلبية أبناء الشعب يشعرون بالظلم، والغربة...

ومن المعروف أنّه إن لم تعالج الدولة التناقضات التناحرية، ولم تعالج المظالم في المجتمع، فلا مفرّ من الانفجار... ومع تفاقم التناقضات، يصبح شباب الوطن خير من يعبّر عن رفض هذا الظلم، وقد ألهموا الجميع، وأيقظوهم عبر حراك شعبي سلمي، نأمل أن يساهم في نقل الوطن سلمياً إلى ضفة أخرى، يسودها الحق، والعدل، والكرامة والحرية، وتنتفي فيها كافة أشكال العسف والظلم، ويتمتع أبناء الوطن جميعاً، بمن فيهم الكتاب بحقوقهم الطبيعية دون منة من أحد، بل بفضل صدق حدس أبناء الوطن...

لقد أصبح مستقبل الوطن والشعب بمختلف فئاته، والكتاب والمثقفين متعلقاً بنجاح الحراك الشعبي السلمي في تحقيق أهدافه، في التغيير ونقل البلاد سلمياً إلى آفاق الحرية، والديمقراطية، والتقدم، والعدالة الاجتماعية في دولة مدنية متحضرة، ومن واجب الكتاب، والمثقفين الوقوف مع أبناء الشعب في حراكهم السلمي...