إنخفاض متوسط أعمار العراقيين..الأسباب والعوامل المؤثرة ( 10 )


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 3823 - 2012 / 8 / 18 - 19:40
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية     

مستشفيات قديمة لا تسد الحاجة

للمستشفيات الحكومية،ذات الأعداد الكافية والموزعة توزيعاً عادلآ على السكان حيثما يعيشون، والمجهزة بالكوادر الطبية والتمريضية والفنية وبالأجهزة والمعدات التشخيصية والعلاجية المتطورة، دور هام وكبير في إنقاذ حياة المرضى في الحالات الطارئة والحرجة،الى جانب تشخيص ومعالجة الحالات الحادة والمستعصية والمزمنة.. في حلقات سابقة سلطنا الضوء على واقع الرعاية الصحية الأولية، التي لا تتوفر بشكل دائم للملايين من العراقيين والعراقيات لحد اليوم- بإعتراف المسؤولين المتنفذين في وزارة الصحة.. في هذه الحلقة والحلقات القادمة نسلط الضوء على واقع حال المستشفيات الحكومية وتخلف دورها الراهن في إنقاذ حياة المرضى، وهي التي لم يطرأ عليها تطور كبير طيلة الأعوام التسعة المنصرمة ، وما تزال تعاني وبشكل صارخ-- كما يشهد القاصي والداني- من مشكلاتها المزمنة التي لعبت وتلعب دوراً كبيراً في إعاقة إنقاذ حياة اَلاف المرضى سنوياً.. نستعرض هنا أبرز هذه المشكلات ونضعها أمام من يعنيهم الأمر علهم يفقهون ويعملون لإصلاح البين فعلاً، بدلآ من الوعود الواهية..

بنايات قديمة ومتهالكة

المستشفيات في العراق نوعان: حكومية وغير حكومية (والأخيرة تسمى أيضاً خاصة أو أهلية). وهي تنقسم الى :عامة وتخصصية. المستشفى العام هو الذي يحوي على أغلب فروع الطب (الجراحة وفروعها، الباطنية وفروعها، النسائية والتوليد، أطفال)، أما التخصصي فهو المتخصص بأحد فروع الطب، مثلاً مستشفى الأطفال أو النسائية والتوليد ..الخ.أغلب المستشفيات استغلت أو وضعت تحت خدمة الجيش إبّان الحرب العراقية الإيرانية،مما استهلكها وقلل من كفاءتها.وكل المستشفيات لم يجر تحديثها وبقيت على ما هي عليه وبالتالي لم تعد تساير الاحتياجات الصحية للمواطنين[1].
لقد تم تشييد غالبية المستشفيات الموجودة حالياً في سبعينات القرن العشرين.ومعظم بناياتها قديمة ومتصدعة، تحكي جدرانها قصصاً عن عقود من الحروب والحصار والعوز، تضم صالات(تسمى ردهات تحوي 20 سريراً وأكثر للمرضى-الكاتب) صممت لاستقبال جرحى النزاعات أكثر منها لتقديم رعاية صحية. هكذا بدا الحال في غالبية مستشفيات بغداد..تأكيداً لما ورد نشير الى الحادثة المروعة في مستشفى ابن النفيس، حيث انهيار أحد سقوفه على الكادر الطبي وتسبب بإصابة أربعة بينهم طبيبة بجروح خطرة نقلوا على أثرها الى شعبة الطوارئ لإنعاشهم.وان الحملات التي أجرتها وزارة الصحة لإعادة تأهيل المستشفيات وترميمها جملت وجه المباني ولم تغير شيئاً في تصميمها الأساسي.. وبمرور الزمن باتت هذه المستشفيات الحكومية الهرمة لا تستوعب مرضاها، بل إنها لم تعد تحظى بثقة المواطن[2]..

توزيع غير عادل للمستشفيات وأسرتها في المحافظات

المفارقة ان المسؤولين في العراق لا يعرفون العدد الحقيقي الحالي للمستشفيات.وهذا ما عكسته تصريحاتهم وهم يعلنون أرقاماً مختلفة، لا يُعرفُ مَن منها الصحيح.فمصادر وزارة الصحة للنظام السابق تقول ان عدد المستشفيات كان 355 مستشفى لحد عام 2003، منها 282 حكومياً و 73 خصوصياً ( غير حكومي).بينما يقول التقرير السنوي لوزارة الصحة لعام 2010 بان العدد الكلي للمستشفيات هو 321 مستشفى، منها 229 مستشفى حكومياً [3].وأعلن وزير الصحة الحالي الدكتور مجيد حمد أمين بان عدد المستشفيات هو 320 مستشفى، منها 220 مستشفى حكومي و 100 مستشفى أهلي[4].بينما أعلن وزير الصحة السابق الدكتور صالح الحسناوي بانه يوجد في البلاد (الآن) 220 مستشفى[5].أما وزارة التخطيط والتعاون الأنمائي فتقول بان عدد المستشفيات في عموم العراق هو 224 مستشفى[6]..فأي ٍ من هذه الأرقام هو الصحيح ؟!!
لو إعتمدنا، مضطرين، الأرقام الواردة في التقرير السنوي لوزارة الصحة لعام 2010- الجدول( 4-1- أ)، ص 112،بإعتبارها أرقاماً رسمية، فان عدد المستشفيات الحكومية كان 220 مستشفى في عام 2009، وإرتفع الى 229 مستشفى في عام 2010. ومن حيث توزيعها في المحافظات، سجلت بغداد المركز الأول( 45) في عام 2009 و (46) مستشفى في عام 2010، تلتها السليمانية (26 و29)، وأربيل( 20 و 22) ونينوى(14 و 14) وبابل (14 و 14) والبصرة(12 و 13) والأنبار(11 و 11) مستشفى.وسجلت المثنى أدنى عدد(4 و 4)،تلتها كربلاء( 5 و 5) وميسان (6 و 6) مستشفيات.
وجاءت نسبة مستشفيات كل محافظة من المجموع الكلي للمستشفيات في عام 2010 كالتالي:أعلى نسبة سجلتها بغداد: 20 %،تلتها السليمانية: 13 %، وأربيل: 10%.وسجلت كربلاء والمثنى أدنى نسبة:2 % لكل منهما.أما معدل مستشفى حكومي لكل 100 ألف نسمة فقد جاءت السليمانية بالمركز الأول:(1.4)، تلتها أربيل: (1.3). وسجلت أدنى معدل( 0.5) كل من نينوى وذي قار، تلتهما 4 محافظات بمعدل(0.6) مستشفى لكل 100 ألف نسمة.
وكان عدد المستشفيات الحكومية العامة 147 مستشفى في عام 2009 وإرتفع الى 150 مستشفى في عام 2010، وقد سجلت محافظة بغداد المركز الأول:(18) في عام 2009 و( 18) في عام 2010، تلتها السليمانية( 19 و 16) وأربيل( 14 و17) والبصرة( 11 و 11) مستشفى.وأقل المحافظات عدداً هما كربلاء والمثنى( 3 و 3) لكل منهما،والديوانية(4 و 4) مستشفيات.
وإستحوذت بغداد على الحصة الأكبر من المستشفيات التعليمية:(20) مستشفى من مجموع (61) مستشفى في عام 2010، تلتها أربيل ونينوى (5) والسليمانية والبصرة(4) مستشفيات لكل منهما،وأقل عدد هو في النجف- مستشفى تعليمي واحد.
أما المستشفيات الحكومية التخصصية،فقد بلغ مجموعها 73 مستشفى في عام 2009 وأرتفع الى 79 مستشفى في عام 2010- وفقاً للجدول المذكور.وقد سجلت بغداد،أيضاً، العدد الأكبر(27) في عام 2009 و (28) في عام 2010، تلتها السليمانية( 7 و 13) مستشفى،و نينوى(6 و 6) وأربيل(6 و 5) مستشفى. وأدنى عدد سجلته ميسان والأنبار وكركوك والمثنى وصلاح الدين( 1 و 1) مستشفى، تلتها ديالى وكربلاء وذي قار والنجف( 2 و 2 ) مستشفى.أي ان 5 محافظات من أصل 18 محافظة في كل منها مستشفى تخصصي حكومي واحد، وتمتلك 6 محافظات مستشفيين تخصصيين، ومحافظة واحدة فيها ( 3) ، ومحافظة واحدة فيها (4)، ومحافظتان فيها ( 3)، ومحافظة واحدة فيها (6) مستشفيات تخصصية.وهناك أنواع من المستشفيات التخصصية عددها واحد في كل العراق..ولا تفوتنا الأشارة الى وجود خطأ في عدد المستشفيات التخصصية.ففي الوقت الذي يشير الجدول( 4-1- أ) انها 79 مستشفى في عام 2010، يشير الجدول(4-1- ب)، أنها 72 مستشفى. ويبدو ان العدد الأول يتضمن المراكز التخصصية التي تحتوي أسرة، وهي ليست مستشفيات. وجاءت أعداد المستشفيات التخصصية كالتالي:
* الولادة والأطفال: (15) مستشفى،أثنان في كل من بغداد وأربيل وديالى، والبقية توزعت على 9 محافظات بواقع مستشفى واحد، وتفتقر 6 محافظات لوجود مستشفى ولادة وأطفال فيها.
* النسائية والتوليد:(11) مستشفى، 4 منها في السليمانية و 2 في بغداد والبقية توزعت على 5 محافظات بواقع مستشفى واحد.وتفتقر 11 محافظة عراقية الى وجود هذه المستشفيات فيها.
* الأأطفال: (14) مستشفى،، منها 4 في بغداد، و2 في السليمانية،ومستشفى واحد في كل من نينوى والبصرة وأربيل وواسط والديوانية وكربلاء وكركوك وذي قار ودهوك.وتفتقر 8 محافظات لمستشفى أطفال.
* تخصصية أخرى: ( 32) مستشفى، منها 15 في بغداد و 6 في السليمانية و 3 في كل من نينوى وأربيل، البقية توزعت على 5 محافظات بواقع مستشفى واحد.وقد إفتقرت 9 محافظات الى مستشفيات تخصصية.
* مراكز تخصصية تحتوي أسرة: ( 7)، منها 5 في بغداد وواحد في كل من بابل والمثنى.وبقية المحافظات لا يوجد فيها ولا مركز تحصصي واحد.
وبشأن الأسرة الكلية في المستشفيات الحكومية،فوفقاً للتقرير السنوي لعام 2010، بلغ عددها 42 ألف و459 سريراً في عام 2010، بزيادة 1500 سرير عن عام 2009.وكان معدل توزيع الأسرة على السكان (1.3) سريراً لكل ألف نسمة (؟؟؟). أعلى معدل سجلته البصرة(1.9) سريراً، وأدنى معدل سجلته ديالى(0.7)، تلتها الأنبار(0.9) سريراً.علماً بان المعدل في بغداد كان(1.5)، وسجلت 3 محافظات معدل (1.4) سريراً لكل ألف نسمة. وهذا المؤشر هو نفسه لعام 2009.وهذا يدل- بإعتراف معدي التقرير- بان الزيادة في السعة السريرية للمستشفيات لا تتناسب مع الزيادة السكانية.وعدا هذا، ثمة ضبابية في الأرقام، فإن عدد الأسرة المهيئة للرقود في المستشفيات الحكومية لعام 2010 يختلف إختلافاً كبيراً مع عدد الأسرة الكلية المذكور أعلاه.فعددها- وفقاً للجدول(4-2- أ)، ص 117- هو 38 ألف و302 سريراً،أي بفارق 4157 سريراً. فعلى أي أساس تم إحتساب معدل توزيع الأسرة على السكان نسبة للعدد 42459 سريراً وليس 38302 سريراً، والأخير هو العدد الحقيقي للأسرة التي كانت مهيئة لأستقبال المرضى وتم إستخدامها فعلاً ؟
وأدناه تفاصيل الأسرة المهيئة للرقود وإختصاصها ومعدلها- وفقاً للجدول ( 4-3)، ص 118:
1-أسرة النسائية والتوليد: (4550) سريراً ومعدلها (1.4) لكل 10 اَلاف نسمة من السكان لعام 2010 (لاحظ: قبل قليل التقرير يقول:" لكل ألف نسمة"، الآن:"لكل 10 الآف نسمة"، وفي الجدول(4-1)،ص 111:" مستشفى حكومي لكل 100 ألف نسمة"..وقد سجلت محافظة المثنى أعلى معدل (2.3)،تلتها واسط ودهوك(2.1).وسجلت ذي قار أدنى معدل (0.8)، تلتها كربلاء والنجف ( 1.0) سريراً لكل 10 اَلاف نسمة.
2-أسرة الأطفال:( 5791) سريراً ومعدلها ( 1.8) لكل 10 اَلاف نسمة من السكان لعام 2010. وقد سجلت محافظة واسط أعلى معدل ( 3.2)، تلتها البصرة ( 2.7) وأدنى معدل(1.1) سجلته الأنبار، تلتها بغداد وديالى (1.2) سريراً لكل 10 اَلاف نسمة.
3-أسرة الباطنية:(4702) سريراً ومعدلها (1.4) لكل 10 اَلاف نسمة من السكان لعام 2010.وقد سجلت محافظة المثنى أعلى معدل(2.6)، تلتها أربيل(2.4).وسجلت النجف أدنى معدل(0.9) تلتها ديالى والأنبار(1.0) و بغداد(1.1) سريراً لكل 10 اَلاف نسمة..
4-أسرة الجراحة العامة:(4297) سريراً ومعدلها ( 1.3) لكل 10 اَلاف نسمة من السكان لعام 2010.وقد سجلت محافظة أربيل أعلى معدل(2.7)، تلتها المثنى(2.4).أما أدنى معدل فقد سجلته محافظة ديالى(0.8)، تلتها نينوى وذي قار ( 0.9) سريراً لكل 10 اَلاف نسمة.

مما ورد يتضح بجلاء بأن العدد الحالي للمستشفيات الحكومية وأسرتها ومعدلاتها لا تسد ربع الحاجة إليها. وعلى المسؤولين المعنيين ان يدركوا بان إنقاذ حياة المرضى وإطالة أعمار المواطنين لا تتم بمستشفيات قديمة ومتهالكة ولا تسد الحاجة إليها، وهم مطالبون وملزمون بعمل جدي وفعلي وعاجل لزيادة عددها بكافة الأختصاصات وتوزيعها توزيعاً عادلآ على المحافظات.

الهوامش:
1- د. مزاحم مبارك مال الله ، واقع الوضع الصحي في العراق(2)،"إيلاف"، 23/2/2008
2- تحقيق: نصير الحسون- بغداد-"الحياة" الدولية،16/9/2011
3- خدمات المستشفيات والمراكز التخصصية،التقرير السنوي لعام 2010، وزارة الصحة، جمهورية العراق،ص 105.
4- سرمد قاسم-"الأتحاد" العراقية، 27/3/2011
5-علي صاحب-" طريق الشعب"، 25/5/2011
6- تحقيق:نصير الحسون- بغداد-" الحياة" الدولية، 16/9/2011.
-------
* الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي أكاديمي وباحث بيئي عراقي مقيم في السويد