إنخفاض متوسط أعمار العراقيين..الأسباب والعوامل المؤثرة ( 7 )


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 3799 - 2012 / 7 / 25 - 14:22
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية     

سوء توزيع ذوي المهن الصحية وغبن حقوقهم يعيق تحسن أدائهم

ذوو المهن الصحية شريحة واسعة من تخصصات عديدة، تشمل الممرضين والممرضات والمختبريين ومساعديهم والمصورين الشعاعيين ومساعدي التمريض.وتشكل الملاكات التمريضة الحصة الأكبر بين هذه الشريحة المهنية المهمة...
عموماً، يعتبر ذوو المهن الصحية العاملين في المؤسسات الصحية الحكومية من الكوادر الصحية المهمة في العراق، لكونهم يمثلون عصباً حيوياً في نشاط المؤسسات الصحية، ويلعبون دوراً عملياً يومياً كبيراً في القطاع الصحي، بإعتبارهم حلقة الوصل بين الطبيب والمريض ويمكن أن يكونوا مساهماً فاعلاً ليس فقط في إيصال الحالة المَرَضية للطبيب، وإنما أيضاً في سرعة تشخيصها وعلاجها، وكذلك في الوقاية من الأمراض والحد من إنتشار المعدي منها.
بحسب اَخر إحصائيات لوزارة الصحية، تضمنها التقرير السنوي لعام 2010، يبلغ المجموع الكلي لذوي المهن الصحية لعموم العراق (54898)،منهم 33109 (60.3 %) ذكوراً و21789 ( 39.7) أناثاً. ويبلغ معدلهم (16.7) لكل 10 اَلاف نسمة من السكان. وبالمقارنة مع عام 2009، كان مجموعهم(49175) ومعدلهم (15.2) لكل 10 اَلاف نسمة من السكان[1]..
على صعيد المحافظات، سجلت محافظة أربيل أعلى معدل لذوي المهن الصحية (35.7)، تلتها النجف (25.8). وسجلت محافظة ميسان أدنى معدل (5.4) لكل 10 اَلاف نسمة من السكان.
تشكل الملاكات التمريضية وعددها 46024 (83.8 %) والملاكات المختبرية (من خريجي العلوم) 4971 ( 9.0 %) والمساعدون الصحيون 2537(4.6 %). وتمثل الـ 2.6 في المئة الباقية اَخرين من العاملين في القطاع الصحي.
بشأن الملاكات التمريضية،وفقاً لصحيفة " الصباح" الرسمية تشير سجلات وزارة الصحة إلى أن عدد العاملين في مهنة التمريض يبلغ 40 ألف ممرض وممرضة حتى عام 2009[2]،بينما يقول التقرير السنوي لوزارة الصحة (ص 164) بان العدد كان 44201.. فأيهما الأصح ؟
الى هذا،يوجد خطأ في المجموع الكلي الوارد في الجدول ( 6- 10)، ص 183 من التقرير، فهو ليس 46024 وإنما 42350( هذا هو حاصل جمع الذكور31026 والأناث 11324).والخطأ موجود في مجموع الذكور والأناث في محافظة أربيل، فهو ليس 3862 وإنما 188( 69 ذكوراً و 119 أناثاً). فمن أين أتت الزيادة 3774 ؟.. لكن حاصل جمع عدد الملاك التمريضي الجامعي (2078) والفني (7230) والماهر (24647) والممرضين والممرضات (9757) والقابلات (778) ومساعدي التمريض (1534)، يساوي،فعلآ، 46024.. فهل الخطأ فقط في المجموع الكلي لأعداد الذكور والأناث ؟
الأرقام أعلاه تبين تبايناً كبيراً في أعداد ونسب الملاكات التمريضية.فالملاكات الجامعية،وهي خريجة كلية التمريض( مدة الدراسة 4 سنوات بعد الإعدادية) تشكل من المجموع الكلي(46024) نسبة ( 4.5 %) ، وتشكل الملاكات الفنية، وهي خريجة معهد الطب التقني/قسم التمريض(مدة الدراسة سنتان بعد الأعدادية) نسبة (15.7%)، وتشكل الملاكات الماهرة، وهي خريجة إعدادية التمريض(مدة الدراسة 3 سنوات بعد المتوسطة) أكثر من نصف المجموع ( 53.5%)، ويشكل الممرضون والممرضات، وهم خريجو مدرسة التمريض(مدة الدراسة 3 سنوات بعد الأبتدائية) (21.2 %)، والقابلات ( 1.7 %).ويشكل مساعدو التمريض، وهم خريجو دورات التمريض(لا تقل الدورة عن 6 أشهر بعد الأبتدائية) (3.4 %).
هذه النسب تبين بان الملاكات التمريضية الجامعية لا تتعدى حصتها الـ 4.5 في المئة، وهي نسبة قليلة جداً. بالمقابل، فان حصة الملاكات التمريضية غير الجامعية وغير الفنية وعير الماهرة،هي( 26.2 %)، أي أكثر من ربع مجموع الملاكات التمريضية.ويعتبر هذان المؤشران سلبيان في مفهوم الصحة الحديثة.
يشير التقرير السنوي لعام 2010 ( ص 164) الى ان عدد الملاكات التمريضية في عام 2009 كان (44201) وأصبح (46024) في عام 2010، منهم 32778 ( 71.2 %) ذكوراً و 13246 (28.8 %) أناثاً. وكان معدل هذه الملاكات (12.7) في عام 2009 وأصبح (14.0) لكل 10 اَلاف نسمة من السكان في عام 2010. وقد سجلت محافظة الديوانية أعلى معدل(25.4)، تلتها ذي قار(24.1) وأربيل( 22.6)، وكربلاء (22.2).وسجلت محافظة صلاح الدين أدنى معدل ( 4.6)، تلتها السيمانية ( 7.5) ملاكاً تمريضياً لكل 10 اَلاف نسمة من السكان.
ولعل الأهم هو معدل الملاكات التمريضية لكل طبيب ،حيث يبلغ(1.9) ملاكاً تمريضياً في عموم العراق. وقد سجلت محافظة ميسان أعلى معدل (5.9) ملاكاً تمريضياً، تلتها ذي قار(3.5) وديالى( 3.3). وسجلت محافظة صلاح الدين أدنى معدل (0.7)،تلتها بغداد( 1.1) والسيمانية (1.2) والبصرة(1.4) ونينوى( 1.5) ملاكاً تمريضياً.وسنرى ان هذا المعدل قليل جداً مقارنة بما تقوم به الملاكات التمريضية من مهمات يومية في المؤسسات الحكومية.أما معدل الملاكات التمريضية لكل طبيب أخصائي، فيبلغ (5.4) ملاكاً تمريضياً لعموم العراق.وفي هذا المؤشر سجلت محافظة ذي قار أعلى معدل ( 17.6)، تلتها ميسان(17.0). وسجلت محافظة أربيل أدنى معدل( 2.2)،تلتها صلاح الدين(2.3) وبغداد( 2.8) ملاكاً تمريضياً.
ذكرنا بان الملاكات التمريضية الجامعية تشكل (4.5 %) من مجموع الملاكات التمريضية لعموم العراق في عام 2010، وهي نسبة قليلة جداً من منطلق أن تقديم الخدمة للمريض ،أولآ، والمساعدة المطلوبة للطبيب،ثانياً، والمشاركة في العملية الصحية،عموماً، ستكون أفضل بكثير لو تمت على أيدي ممرضين وممرضات جامعيات، وذلك لتحصيلهم العالي ومعرفتهم أكثر.للأسف، ما يزال عدد هذه الملاكات التمريضية العاملة في مؤسساتنا الصحية دون الطموح،وأسباب وعوامل حصول ذلك كثيرة.
يتمركز العدد الأكبر من الملاكات التمريضية الجامعية في محافظة بغداد( 680)، تليها نينوى( 362). وإحتلت محافظة المثنى المركز الأخير( 8) ممرضين وممرضات جامعيات.وإستحوذت بغداد على الحصة الأكبر من الملاكات التمريضية الفنية(1289).وجاءت محافظة صلاح الدين في المركز الأخير(89) ممرضاً وممرضة فنية. وذات الشيء بالنسبة للملاكات التمريضية الماهرة ( 2707) لبغداد، تليها ذي قار (2322) وأربيل(2080) ونينوى(2045).وجاءت صلاح الدين الأخيرة ( 490) ممرضاً وممرضة ماهرة.وحتى بالنسبة للممرضين والممرضات إستحوذت بغدا على الحصة الأكبر(1705)، تليها أربيل(1421) وذي قار(1138).وجاءت السليمانية في المركز الأخير(101) ممرضاً وممرضة. وذات الشيء بالنسبة لمساعدي التمريض:فلبغداد أكبر عدد (310)،تليها الأنبار(181) والبصرة(155) والسليمانية (144) ونينوى (109).وإحتلت المركز الأخير محافظة أربيل(8) مساعدين تمريضيين..

واجبات يومية منهكة.. وحقوق مغبونة

تعكس قلة الأعداد والتوزيع عير العادل لذوي المهن الصحية، بما فيها الملاكات التمريضية، مدى القصور الفعلي في الكادر الوسطى الذين هم العصب الحيوي في اعمال المؤسسات الصحية.قارن الدكتور سلام يوسف بعض الأرقام لحالات مختلفة من النشاط الصحي خلال عام، حيث بلغ عدد الرضع الراقدين في الحاضنات 101 ألفاً و 307 رضيعاً، وعدد العمليات الجراحية مليون و 222 ألفاً و844 عملية، وعدد الراقدين في المستشفيات مليونين و826 ألفاً و766 مريضاً . وبلغ عدد المرضى المراجعين 24 مليوناً و 601 ألفاً و77 مراجعاً، ومراجعي العيادات الشعبية لوحدها 7 ملايين و 299 ألفاً و780 مراجعاً، ومراجعي شعب الطوارئ 6 ملايين و850 ألفاً و339 مراجعاً. وتساءل الدكتور يوسف بحق:بعد التمعن بهذه الارقام: كيف يمكن للكادر الوسطي ازاءها ان يقوم بمهامه على وجه مقبول؟
وأضاف:انها مؤشرات تدل وبإلحاح شديد على الاهمية القصوى للاهتمام البالغ بالكادر الوسطي، فالمعطيات اعلاه تدل على حجم الزخم والجهد الكبير الذي يبذله بضعة آلاف من هذا الكادر، مقابل الاعداد الكبيرة من الراقدين والمراجعين. وبكل تأكيد سيكون الاداء على حساب نوعيته، وفي احيان كثيرة سيكون هبوط مستوى الاداء سببا مباشرا في استفحال الفساد الوظيفي والمهني[3].وهذا ما أكده المسح الميداني الذي نفذته مؤخراً منظمة الصحة العالمية لالقاء الضوء على فعالية ونوعية الخدمات الطبية والصحية ولمعرفة رضا المواطنين عنها.شمل المسح. دوائر الصحة في بغداد- الرصافة وكربلاء والبصرة، وحددت المستشفيات والمراكز الصحية المشاركة، ولم يكن اختيارا عشوائيا، الا ان العينة في المراكز الصحية والمستشفيات تم اختيارها عشوائيا، وشملت كل اقسام وشعب المؤسسات الصحية. وقد ساهم في جمع المعلومات اطباء من طلبة البورد العربي بعد ان شاركوا في دورة مكثفة. ولم يشارك اي من العاملين الصحيين في المستشفيات والمراكز الصحية في جمع المعلومات.وأظهرت نتائج المسح بان مستوى رضا المرضى / الزبائن/ عن خدمات المراكز الصحية جاء واطئاً (47.6 %)[4].وبالفعل فان وسائل الأعلام العراقية نشرت،خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، الكثير من التحقيقات عن واقع الخدمات الصحية وشكاوى المرضى للمؤسسات الحكومية من سوء معاملة ذوي المهن الطبية والصحية،التي وصلت حد الأبتزاز وفرض "الأكرامية"، وما الى ذلك., وربما إنطلاقاً من هذه الظواهر المؤسفة أصدر وزير الصحة الدكتور مجيد محمد أمين توصياته وتوجيهاته بحث الكوادر الطبية والصحية على التعامل الجيد مع المواطنين وخصوصاً في صالات الولادة، ووجوب محاسبة المقصرين [5].
مع كل هذا، لا يتعين تجاهل دور ظاهرتين في الواقع السائد: الأولى- تنصيب مسؤولين غير كفوئين شجعوا،إن لم نقل أداروا، عملية الفساد الأداري والمالي وعملوا على إستشرائه في الصحة-.وهذا موضوع يطول الحديث عنه..سنتناوله في حلقة لاحقة.والثانية- ان شريحة ذوي المهن الصحية، التي يحمل طيفها عادة شهادات تخرج من مستويات تعليمية مختلفة، لم تحض بالإهتمام المطلوب من الدولة، وتتعرض الأناث بخاصة الى مضايقات ومعوقات كثيرة في مجتمعنا العراقي لا تشجع على إنضمام المزيد منهن الى العمل في المؤسسات الصحية، ولذا تستمر الحاجة ماسة لهن، مع ان وزارة الصحة تسعى الى سد الفراغ بإستخدام أجانب.ويلعب سوء توزيع ذوي المهن الصحية في المحافظات،الذي لا تتحمل مسؤوليته وزارة الصحة وحدها، وإنما هناك عوامل كثيرة له، دوره أيضاً في التعب والأرهاق وتدني مستوى الأداء ..
ونشير ضمن الظاهرة الثانية الى معاناة ذوي المهن الصحية المزمنة من مشاكل جدية كثيرة لا تحضى بإهتمام الحكومة، الأمر الذي إضطرهم الى إعلان الأضراب عن العمل في العديد من المحافظات، مطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية، بزيادة رواتبهم إسوة بزيادة رواتب ذوي المهن الطبية، ومنحهم مخصصات الخطورة، ورفع التسكين الوظيفي عنهم، وإعطائهم جميع إستحقاقاتهم من رواتب ودرجات، وتنفيذ النص القانوني الذي يعادل ساعة العمل الليلي بساعتي عمل نهاري،وتحسين واقعهم المعاشي، والعمل على رفع خبرتهم وكفاءتهم المهنيةا، وإلغاء قرار"مجلس قيادة الثورة" المنحل الذي ألغى نقابتهم..
قبل نحو 6 سنوات كتبنا:الواقع المرير،الذي يعيش في أجوائه منتسبو المؤسسات الطبية والصحية العراقية، يدعو وزارة الصحة، ويلزمها بإنصافهم جميعاً،أطباء، وممرضين، وفنيين، ومساعدين،أينما كانوا وحيثما وجدوا في مؤسساتها الطبية والصحية،سواء كانت مستشفيات،أم مستوصفات، أم طبابات،أم عيادات، أم مختبرات، أم للأشعة، والوقوف الى جانب مطالبهم العادلة، وفي مقدمتها تحسين ظروفهم المعاشية والحياتية،إذا أرادت للخدمات الطبية والصحية للمواطنين ان تتحسن وتتطور![6].
إنه لمن الضروري الأهتمام الجدي بهذه الشريحة المهمة وتقديم المحفزات المادية والمعنوية لها. ومن الضروري أيضاً تفعيل دور ذوي المهن الصحية وعموماً الكادر الوسطي في وضع الحلول والمعالجات للأرتقاء بالمستوى الصحي والطبي في العراق لما لهم من دور كبير في هذا الشأن [7]..
أن الأهتمام بذوي المهن الصحية ومعالجة مشاكلهم والتخفيف من معاناتهم وتلبية مطالبهم عاجلآ من شأنه ان يحسن من مستوى أدائهم وسلوكهم مع المرضى والمراجعين، وعندئذ سيلعبون دورهم المطلوب في الرعاية الصحية المنشودة، بما فيها الحد من إنخفاض مستوى أعمار العراقيين، بحيوية وفاعلية !

الهوامش:
1- المهن التمريضية والصحية، التقرير السنوي لعام 2010، وزارة الصحة، جمهورية العراق، ص 164.
2- ابتهال بليبل-"الصباح"،5/7/2012
3- د. سلام يوسف،على المكشوف:واقع الخدمات الصحية ومخصصاتها في موازنة 2012 (الاخيرة)،الملاكات التمريضية العاملة في المؤسسات الحكومية،"طريق الشعب"، 18/3/2012
4- د. جواد الديوان، رضا المرضى عن الخدمات الطبية والصحية في العراق “مسح ميداني”،"الجديدة"، 19/7/2012
5- توجيهات وتوصيات، موقع وزارة الصحة على شبكة النت.
6- د. كاظم المقدادي، لماذا التمييز بين العاملين في المؤسسات الطبية والصحة العراقية؟،"الحوار المتمدن"،العدد: 1427،11/1/2006
7- حميد الحريزي،أخلاق المهنة في مهب الريح ،"الحوار المتمدن"، العدد: 2196،19/2/2008.

* الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي-أكاديمي وباحث بيئي مقيم في السويد