القوى الديمقراطية في العالم العربي والموقف من الأزمة العراقية


حامد الحمداني
الحوار المتمدن - العدد: 957 - 2004 / 9 / 15 - 10:43
المحور: اليسار والقوى العلمانية و الديمقراطية في العالم العربي - اسباب الضعف و التشتت     

لم تعاني القوى الديمقراطية في العالم العربي من ضعف وتشرذم واختلافات فيما بينها كما تعانيه اليوم ، وكانت أهم العوامل التي أوصلت هذه القوى إلى هذه الحال انهيار الإتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية عام 1991، وبروز الولايات المتحدة كأقوى قوة عسكرية واقتصادية وسياسية ، ومحاولة فرض هيمنتها على مقدرات العالم أجمع .

وكانت حركة القوى الديمقراطية والتحرر قد شهدت بعد الحرب العالمية الثانية التي انتهت باندحار القوى الفاشية في ألمانيا وإيطاليا واليابان وانتصار الحلفاء ، وبروز الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة كأقوى قطبين في العالم ، وانحسار النفوذ البريطاني والفرنسي والإيطالي بعد أن أنهكتهم الحرب، وانعقاد مؤتمر سان فرنسسكو في 26 حزيران عام 1945 ، والذي حضرته 49 دولة ، والذي انتهى بإقرار ميثاق جديد للأمم المتحدة من أجل إقامة نظام ديمقراطي عالمي جديد وتحقيق سلم دائم تنعم في ظله الشعوب .

لكن ذلك الأمل الذي راود الشعوب بعالم ديمقراطي حقيقي وسلام دائم أخذ يخفت ، وبدأت ما عرف بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي اللذين يتخذان نظامين اقتصاديين متناقضين ، وكل يسعى لفرض نظامه على العالم أجمع .
و كان الإتحاد السوفيتي يقدم الدعم والمساعدة للشعوب التي كانت تحت الهيمنة الاستعمارية البريطانية والفرنسية والإيطالية والهولندية من اجل تحررها واستقلالها ، وعلى الضد من ذلك كانت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين يقفون ضد إرادة تلك الشعوب والحيلولة دون تحررها من الهيمنة الإمبريالية.
لكن حركات التحرر والديمقراطية شهدت انتعاشاً كبيراً في عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي بدعم من الاتحاد السوفيتي ، وتحققت نجاحات كبيرة كان أهمها قيام جمهورية الصين الشعبية واستقلال الهند واندونيسيا وخاضت الولايات المتحدة حرباً مريرة في فيتنام وكوريا وعدد من البلدان الأخرى الساعية للتحرر من الهيمنة الإمبريالية ، وظهور حركة عدم الانحياز التي ضمت العديد من الدول الساعية لتجنيب شعوبها من تداعيات الحرب الباردة بين المعسكرين ، وقد تحقق استقلال العديد من الدول التي دعيت بالعالم الثالث ومنها العديد من الدول العربية .

لكن حركة التحرر والديمقراطية أصيبت بانتكاسة كبرى على اثر انهيار الإتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية عام 1991، وغدت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم ، وفي استراتيجيتها برنامج لقيادة العالم والهيمنة على مقدرات الشعوب عسكرياً واقتصادياً وسياسيا .

وكان من نتائج انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية أن بدأت شوكة القوى الديمقراطية في العالم بوجه عام ، والعالم العربي بوجه خاص تضعف شيئاً فشيئا ًبعد أن فقدت الدعم والمساندة التي كانت تتلقاها من المعسكر الاشتراكي وبدأت الخلافات والتناقضات والتشرذم تتآكلها ، ولاسيما بعد أن شن صدام حسين الحرب على إيران ، ثم بعد أن غزا الشقيقة الكويت ، ومن ثم قيام الولايات المتحدة وحلفائها بشن حرب الخليج الثانية لطرد القوات الصدامية من الكويت ، وأخيراً الحرب الأخيرة التي انتهت باسقاط النظام الدكتاتوري الصدامي الفاشي في التاسع من نيسان 2003 ، واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية .

لقد خلق هذا الوضع الجديد في العراق أزمة كبرى ومعانات قاسية لشعبنا العراقي حيث تخوض القوى الصدامية المنهارة حرباً شعواء من أجل استعادة فردوسها المفقود باسم مقاومة الاحتلال الذي يتخذونه ذريعة لتحقيق أحلامهم المريضة في العودة إلى الحكم من جديد ، وبات أبناء شعبنا وقوداً لهذه الحرب التي تقودها القوى الشريرة .
ومما ضاعف في تعمق الأزمة العراقية تدخل القوى الظلامية القادمة عبر الحدود لتنفذ جرائمها البشعة بعملياتها الانتحارية وزرع المتفجرات في الشوارع والطرق ،والاغتيالات، وعمليات الاختتطاف وذبح الأبرياء على الطريقة الإسلامية !!!.
وزاد في الطين بله محاولة بعض القوى الإسلامية الشيعية التي يقودها رجل الدين الشاب[ مقتدى الصدر] ، وقوى الإسلام السلفية السنية التي يقودها ما يسمى ب [مجلس علماء المسلمين] فرض أجندتها المتخلفة على الشعب العراقي لكي يقيموا لنا دولة على غرار دولة طالبان ، أو دولة إيران الإسلامية بقوة السلاح وبالدعم الذي تتلقاه هذه القوى الثلاث من دول الجوار بمختلف الأشكال .
أن ما يوسف له اشد الأسف أن نجد القوى العربية التي تدعي الديمقراطية تقف إلى جانب هذه القوى المعادية لتطلعات شعبنا في الحرية والسلام والديمقراطية، وتجند وسائل إعلامها لدعم هذه القوى بدل أن تقف إلى جانب الشعب العراقي المظلوم بحجة مقاومة الاحتلال من دون التفكير بما سيؤول إليه الحال في العراق لو خرجت القوات الأمريكية اليوم ، إنهم بموقفهم الخاطئ هذا لن يؤدي إلا إلى إغراق العراق بالدماء .

ما من احدٍ من أبناء شعبنا سعى للحرب ، وما من أحد يقبل بوجود قوات الاحتلال على ارض الوطن ، فالحرب فُرضت علينا بسبب إصرار النظام الصدامي على البقاء في السلطة ، ورغم كل المعانات التي قاساها شعبنا على أيدي الطغمة الصدامية خلال 35 عاماً من حكمهم البغيض ، إلا انه كان يتمنى أن يتم إسقاط النظام بأيدي عراقية وليس عن طريق الحرب.
أنه لأمر عجيب أن ترى بعض القوى التي تدعي الديمقراطية في عالمنا العربي في الدكتاتور الجلاد صدام حسين قائداً للأمة العربية !!! . أتراها قد أصيبت بالعمى السياسي والوطني ؟ أم أنها قد باعت نفسها لذلك الدكتاتور الأرعن الذي قدم من الرشاوى لجانب كبير من القوى السياسية ورجالات الدولة والصحافة والإعلام المرئي والعديد من الوزراء والنواب ورجال الدين وغيرهم مما فضحته كوبونات النفط التي كشفتها صحيفة المدى والتي وزعها الدكتاتور على هؤلاء كي يقفوا إلى جانب نظامه الفاشي ويدعمونه بكل الوسائل والسبل المتاحة .
أنه عار وأي عار أن يبيع إنسان يدعي النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية نفسه لقاء ثمن يعتبر بخساً مهما كبر حجمه ، لأن المبادئ لا تباع بأي ثمن ، ويذود عنها الإنسان بأغلى ما لديه ، حياته ، ولنا من الأمثلة على الالتزام بالمبدأ والذود عنه من تاريخ الكثير من المناضلين الذين قدموا حياتهم قرباناً لتمسكهم بقضيتهم التي يؤمنون بها.

وستدرك تلك القوى التي تقف اليوم إلى جانب قوى الظلام والفاشية وتطلق عليها كذباً وزوراً اسم المقاومة للاحتلال أي منزلق انزلقت إليه وستسقط في نظر شعبنا هذه القوى الداعمة للإرهاب ، وسينتصر شعبنا لا محالة ، ويخرج من هذه الأزمة رافعاً هاماته ليعيد بناء عراق جديد ، عراق الديمقراطية والفدرالية والحرية والسلام ، ويحقق العيش الرغيد ، وستسقط كل الأحلام المريضة لقوى الظلام والفاشية ومن يقف وراءها ومن يدعمها من وراء الحدود .