جمال عبد الناتصر وثورة 14 تموز وقائدها عبد الكريم قاسم


حامد الحمداني
الحوار المتمدن - العدد: 6277 - 2019 / 7 / 1 - 22:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جمال عبد الناصر وثورة 14 تموز وقائدها
عبد الكريم قاسم
حامد الحمداني                                                      1/7/2019
 
دأب العديد من الكتاب القوميين والناصريين على تزييف تاريخ العلاقات المصرية العراقية في الفترة التي أعقبت قيام ثورة 14 تموز المجيدة، والمواقف الخاطئة التي اتخذها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي سببت للشعب العراقي من الكوارث والويلات والمصائب على يد انقلابيي 8 شباط 1963 بدعم مباشر من نظام عبد الناصر.
وكان من بين من كتبوا عن العلاقات العراقية المصرية على عهد عبد الناصر الشخصية المصرية التي لعبت دوراً أساسياً في التآمر على ثورة 14 تموز وقيادتها المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم، والسعي المحموم لإلحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة بقيادة عبد الناصر، السيد [أمين هويدي] الذي شغل منصب السفير المصري في بغداد آنذاك، والذي حاول تزييف الحقائق عن تلك العلاقة ومحاولته التغطية على الدور التآمري الذي مارسه ضد ثورة 14 تموز، ومحاولته تبرئة الرئيس عبد الناصر في كتابه [ عبد الناصر والعراق ]،  وبغية كشف الحقائق عن تلك الأحداث التاريخية، كي تكون الشعوب العربية على بينة منها، أرى لزاماً علي  وأنا الذي عايشت تلك الأحداث بأيامها وساعاتها بكل أمانة وموضوعية.

وقبل الولوج في هذه المتابعة أحب أن أؤكد للقارئ الكريم أنني لم أقف يوماً موقفاً معادياً من الرئيس عبد الناصر، بل على العكس من ذلك كنت أكن له كل الاحترام والمحبة لمواقفه وكفاحه ضد الهيمنة الإمبريالية على العالم العربي، شأني شأن الكثيرين من الجماهير العربية، ولقد كان لي شرف المساهمة في انتفاضة عام 1956 احتجاجاً على العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر، واستنكاراً لمواقف حكومة نوري السعيد اللا وطنية، والمعادية لمصالح الأمة العربية بوجه عام و لمصر وعبد الناصر بوجه خاص .

لكن هذا لا يعني أننا ينبغي أن نسكت عن الأخطاء التي يرتكبها أي حاكم عربي ولاسيما تلك التي ارتكبها عبد الناصر بحق العراق وثورة 14 تموز 1958 وقائدها عبد الكريم قاسم، والتي لو لم يقع بها عبد الناصر، وسعى لتحقيق أوسع الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية التي دعا إليها العراق متمثلاً بحكومة الثورة وقائدها عبد الكريم قاسم ، وبسائر الأحزاب الديمقراطية، ومن بينها الحزب الشيوعي ، لكان للعرب شأن آخر غير هذا الواقع البائس الذي نشهده  اليوم ، كان يمكن للتعاون النزيه بين العراق والجمهورية العربية المتحدة أن يبعث الأمة العربية من جديد، لكن عبد الناصر كان عجولاً في أكل العنب فأكله حصرماً، وأطعم العراقيين شعباً وحكومة من ذاك الحصرم، ودفعته رغبته الجامحة لإلحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة ولما يمضي على ثورة 14 تموز سوى أيام قلائل، مستعيناً بحزب البعث والعديد من العناصر المدعية بالقومية العربية وعلى رأسها عبد السلام عارف، وسلك أسلوباً غير دستوري وغير ديمقراطي لتحقيق هذا الهدف، وشن حملة شعواء على قيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، والحزب الشيوعي، والقوى الديمقراطية، متهماً الجميع بالشعوبية، حتى كأنما القومية كانت حكراً عليهم، وأن القوى التي عارضت الوحدة الفورية ودعت إلى قيام اتحاد فدرالي مع العربية المتحدة متجردين من قوميتهم !.

إن الوحدة العربية أمل عزيز لكل عربي محب لشعبه ووطنه، لكن العبرة في أسلوب قيام هذه الوحدة المرتكزة على الدستورية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، واحترام خصائص أقطارنا ظروفها الموضوعية. لكن عبد الناصر لم  يعير أي اهتمام لمسالة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في تطلعه لقيام وحدة عربية تستطيع الصمود والديمومة، وتلبي طموحات الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، وكانت الوحدة المصرية السورية خير مثال لما آلت إليها الحال في سوريا بعد الوحدة التي لم تستطع الصمود سوى 3 أعوام، وانتهت بالانفصال .
لقد سعى البعثيون الذين كانوا يخوضون صراعاً مريراً مع قوى اليسار عام 1958، وأخص منها الحزب الشيوعي السوري الذي كان يتمتع بشعبية واسعة في صفوف الشعب السوري، مما أقلقهم وأقلق القوى القومية الأخرى وعلى رأسها شكري القوتلي[رئيس الجمهورية] من إمكانية وصول اليسار إلى السلطة، فسارعوا إلى عبد الناصر يطلبون الوحدة بدعوى خطورة النشاط الشيوعي آنذاك في سوريا.

وتلقف الرئيس عبد الناصر الطلب وقد امتلأ بهجة لتحقيق نواة لوحدة عربية من المحيط إلى الخليج، وجاءت الوحدة بين القطرين بولادة قيصرية ولما يكمل الجنين وتتحقق شروط الوحدة وعوامل استمرارها.
لقد وقع عبد الناصر في الخطأ الذي نبه إليه الحزب الشيوعي السوري الذي كانت له وجهة نظره وشروطه لقيام الوحدة الراسخة الحاملة لشروط بقائها  واستمرارها، لا كما زوّر دعاة القومية المزيفون مواقف الحزب الشيوعي واتهموه بمعاداة الوحدة.
 لقد قامت الوحدة بالتعاون بين البعثيين والقوميين في سوريا وهي تحمل بذور فشلها لافتقادها إلى أهم الركائز وهي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولم يكد يمضي وقت طويل حتى بادر عبد الناصر إلى إلغاء الأحزاب السياسية، وقمع سائر الحريات التي كان الشعب السوري يتمتع بها، ولم يسلم منها حتى حزب البعث نفسه صانع الوحدة، وانقسم الشعب السوري على نفسه إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول ضم المعارضة الشيوعية والديمقراطية، والقسم الثاني ضم دعاة القومية الناصرية الذين أيدوا وساندوا إجراءات عبد الناصر في قمع الحريات الأساسية للشعب السوري، وبقي القسم الثالث وهم البعثيون الذين أخذت تتنازعهم الرغبة بين بقاء الوحدة ومقاومة الغاء دورهم السياسي في حكم سوريا الذي تركز في يد [عبد الحكيم عامر] و[عبد الحميد السراج]، وبدأت علامات فقدان الثقة بينهم وبين عبد الناصر آنذاك، وتعمقت الخلافات فيما بينهم بمرور الأيام حتى وقوع الانفصال عام 1961، وهكذا انتهت هذه التجربة خلال ثلاث سنوات، وكما قلنا آنفاً أنها كانت تحمل بذور فشلها منذ قيامها بسبب فقدان الديمقراطية.

ولم يتعظ الرئيس الراحل عبد الناصر بأخطائه التي أدت إلى الانفصال، وحاول تكرارها مع العراق ولم يكن قد مضى على قيام ثورة 14 تموز سوى أياماً، محاولاً فرض الوحدة الفورية مع مصر على العراق، وقدم أوسع دعم سياسي و حتى عسكري للقوى البعثية والقومية من أجل هذا الهدف، وقد جمعت حولها القوى الرجعية والاقطاعية التي تضررت مصالحها من قيام الثورة، وإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وعلى رأسهم الشيخ [أحمد عجيل الياور] الذي لعب دوراً رئيسياً في انقلاب الشواف في الموصل، لتقود حملة يتصدرها عبد السلام عارف بالدعوة للوحدة الفورية، وسيّروا المظاهرات الصاخبة في شوارع بغداد لهذا الغرض مما دفع القوى الديمقراطية وفي المقدمة منها الحزب الشيوعي إلى تسيير المظاهرات المضادة رافعين شعار الاتحاد الفدرالي مع مصر، وداعين إلى احترام إرادة الشعب واحترام خصائصه وظروفه الموضوعية، وقد أدى ذلك الاختلاف والتباين في المواقف إلى شق الصف  الوطني إلى نصفين مما هدد الثورة ومستقبل الشعب العراقي بكوارث لا تعد ولا تحصى منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.

فقد جرت محاولة الانقلاب التي أعد لها [رشيد عالي الكيلاني] بالتعاون مع عبد السلام عارف وزمرته، وانقلاب العقيد الشواف الفاشل في الموصل والأحداث التي رافقته، ثم محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم في رأس القرية والوثوب إلى الحكم، تلك المحاولة التي تم إفشالها بسرعة، ونجاة عبد الكريم قاسم من موت محقق، وتلاها بعد ذلك انقلاب 8 شباط الأسود الذي أغرق العراق بالدماء، وملأ السجون والمعتقلات بخيرة المواطنين المؤمنين بالحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية.

وتوالت الانقلابات العسكرية بعد ذلك فكان انقلاب 18 تشرين الثاني الذي قاده عبد السلام عارف لإخراج البعثيين من الحكم، والمحاولات التي قام بها عارف عبد الرزاق لقلب حكم العارفين عبد السلام وعبد الرحمن، وتوجت انقلاباتهم في 17 تموز 1968 الذي أعاد لنا عصابة البعث لتعيث فساداً في ربوع عراقنا المنكوب بحكامه الذين أجرموا بحق الشعب والوطن طوال 35 عاماً من حكمهم البغيض.