توطيد الأبعاد الاجتماعية للمشروع اليساري


هيوا عمر
2025 / 12 / 21 - 22:17     

ان مسالة تعزيز موقع وصلات قوى اليسار بالواقع المعيشي وبالقوى الاجتماعية، واجتماعية المشروع اليساري، هي قبل كل شيء مسالة نظرية وفكرية. وقد قدمت في كتاباتي السابقة فهما واضحا لهذه المسالة، لكن حين نقول انها فكرية فهذا لا يعني ان تبقى محصورة داخل صفحات الكتب والنصوص، او معزولة عن الواقع.

الجانب الاخر من هذه المسالة يكمن في مستواها السياسي والتنظيمي واليات العمل. وهو ما يعكس بعدين متلازمين، فمن جهة يتعلق الامر بفهم والتعلم من الواقع النفسي والسوسيولوجي للناس ومشكلاتهم، ومن جهة اخرى بتاثير الواقع والناس انفسهم على قوى اليسار. هذا التفاعل يخلق حالة من التملك الاجتماعي للمشروع، ويمنحه معنى جديدا لاصالة الرؤية والمشروع اليساري، عبر العمل المشترك والابتعاد عن العقلية الفوقية والهرمية. لقد مر دور قوى اليسار في الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي في كردستان والعراق بمحطات متباينة، وترك تاثيرا في مجالات متعددة، من حضوره في اوساط الفلاحين في القرى، الى تاثيره بين الشعراء والمثقفين، وصولا الى تاثيره في قوى سياسية اخرى.

كانت هناك مراحل من ذروة التاثير والتفاعل، ومراحل اخرى من الانكفاء والبقاء في اطار العمل النخبوي. وواقعنا اليوم اقرب الى النموذج الثاني. خلال السنوات القليلة الماضية، بذلت محاولات لاعادة تنظيم العمل المشترك لقوى اليسار، من بينها تجربة لجنة العمل المشترك اليساري الكردستاني، ومحاولات اخرى تتعلق بكيفية اجتماعية مشروع قوى اليسار. غير ان هذه الجهود لم تحقق النجاح المنشود. ويطرح هذا الفشل سؤالا حول ما اذا كان نقل العقلية التحزبية الضيقة نفسها الى اطار العمل المشترك والجماهيري قد شكل عائقا اساسيا.

في المقابل، توجد نماذج اخرى للعمل المشترك بين هذه القوى في ملفات تمس الحياة اليومية للناس، مثل مواجهة خصخصة قطاع الكهرباء والمستشفيات، وقضية الدستور العلماني. وقد امكن في هذه القضايا العمل المشترك مع الاف المواطنين الى حد معقول، لكن لماذا بقي هذا العمل موسميا ومجزأ ولم يتحول الى مسار دائم؟

ان الشرط الاول لاجتماعية المشروع اليساري، الى جانب مضمون المشروع نفسه، هو تهيئة بيئة تتيح للناس المشاركة الفعلية، عبر العمل الجماعي والمشترك، في صياغة مضمون هذا المشروع. كما ان ترجمة المشروع الى واقع واليات نضال يومي تتطلب خلق بيئة قادرة على تمكين اوسع قاعدة جماهيرية من تملك هذا المشروع، بدلا من ربطه بمصالح تنظيمية حزبية ضيقة او بشخصنة النشاطات. هنا يبرز دور العمل على خلق فضاء اكثر انفتاحا وحرية، يتيح مشاركة سياسية ذات معنى للناس، سواء على مستوى الافكار او على مستوى اليات العمل في الواقع الملموس. ان العمل المشترك، الافقي والجماعي، هو طريق العودة الى اصالة حضور قوى اليسار داخل المجتمع.

وجذور هذا المسار ليست في نصوص الكتب بقدر ما هي في الحياة اليومية، وفي الثقافة الكردستانية، وفي احتياجات الناس في القرى والاحياء والازقة والفضاءات المهمشة. والعمل المشترك يمنحنا مرة اخرى القدرة على اعادة قراءة نصوصنا المكرسة بعين واقعية نقدية، خارج الرؤى والاليات الجامدة والمجردة.