مجزرة شاطئ بونداي لا يمكنها التغطية على كل المجازر في قطاع غزة, إسرائيل لا تفوت أي فرصة لتحويل كل هجوم إرهابي إلى مكسب سياسي ودعائي. يا للخسارة أن الإرهابيين لم يكونوا فلسطينيين؛ فذلك كان سيسهل الدعاية ويزيد هامش الربح


جدعون ليفي
2025 / 12 / 18 - 06:32     

حين وقف القاتلان على شاطئ بونداي يقتلان الأبرياء، كانت امرأة تقف على شاطئ خان يونس تحاول دفع المياه التي أغرقت الخيمة التي تسميها بيتا، مستخدمة مكنسة. كانت تصرخ، وتري أطفالها المرتجفين ملابسهم البالية والممزقة والمبتلة بالماء، لكن أحدا لم يصغِ إليها. كان العالم قد حول أنظاره إلى المجزرة في سيدني.
في الأيام التي تلت ذلك، عبر العالم عن صدمته من الجريمة البشعة المتمثلة في قتل 15 يهوديا. الجميع شعروا بالرعب مما حدث. ومجزرة بونداي كانت تستحق فعلًا هذه الصدمة العالمية.
لكن هذه الصدمة رافقها نفاق، واستغلال ساخر، ومعايير مزدوجة. وفي المقدمة، بطبيعة الحال، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي سارع إلى تحميل رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي المسؤولية عن المجزرة. نتنياهو، الذي يعرف جيدا معنى تحمل المسؤولية الشخصية، اندفع لاتهام نظيره لأنه تجرأ على الاعتراف بدولة فلسطينية؛ وكأن هناك علاقة ما بين هذا الاعتراف الفارغ بدولة متخيلة وبين المجزرة.
إسرائيل لا تفوت أي فرصة لاستخراج رصيد سياسي ودعائي من كل هجوم إرهابي. وسرعان ما جرى أيضا التلميح إلى تحذيرات من الموساد قيل إن أستراليا تجاهلتها. الأستراليون، كما قيل، لا يعرفون كيف يحاربون الإرهاب ولا يريدون ذلك. انظروا إلينا؛ لا توجد عندنا هجمات إرهابية على الإطلاق.
أحد الوزراء سافر إلى جنازات القتلى في سيدني، قاطعا المسافة بين القدس وسيدني بسرعة تفوق بكثير سرعة أي وزير قطع المسافة بين القدس ونير عوز، بوصفه ممثلًا لحكومة لم تحضر أي جنازة لأي من مواطنيها الذين قُتلوا في حرب غزة. «كيف لم ترسل الحكومة الأسترالية ممثلين إلى جنازات اليهود؟» تذمروا في إسرائيل. الوقاحة تجاوزت كل الحدود.
وجاءت اللمسة الكوميدية في صورة «البطل الأسترالي-السوري» الذي أنقذ اليهود. حتى إن نتنياهو حاول الحديث عن «البطولة اليهودية»، إلى أن ظهرت المعلومة المحرجة حول هوية أحمد الأحمد، فتوقفت للحظة كل الادعاءات التي تقول إن جميع المسلمين والعرب في العالم مذنبون فطريا بالقتل.
هل يُعقل أن يكون هناك عربي يُظهر إنسانية وشجاعة؟ بيت آخر من ورق انهار، لكن للحظة فقط، بالطبع. سرعان ما عادت النقاشات حول «معاداة السامية» لتسيطر على الجدل، حتى عندما كان واضحا أن القتلة ينتمون إلى تنظيم «داعش»، الذي لا يحارب اليهود وحدهم، بل الغرب بأسره.
حتى الاتهام المعتاد لإيران واجه صعوبة واقعية مؤسفة: «داعش» وإيران أعداء. يا للخسارة أن الإرهابيين لم يكونوا فلسطينيين؛ فذلك كان سيسهل الدعاية ويزيد هامش الربح.
ومع ذلك، فإن هجمات إرهابية من هذا النوع تخدم الدعاية الإسرائيلية؛ إذ تضع اليهود والإسرائيليين في العربة نفسها من الكوارث: ما أجمل أن نتحد عندما يكون العالم كله ضدنا.
ويُستخدم وهم المصير المشترك بين حاخام أسترالي وجندي إسرائيلي في قطاع غزة كسلاح في مواجهة منتقدي إسرائيل اللدودين: انظروا إلينا، كم نحن مثيرون للشفقة، العالم كله ضدنا ويذبحنا.
وفوق كل ذلك، تحلق سحابة المعايير المزدوجة: فمجزرة قُتل فيها 15 شخصا على شاطئ في سيدني قادرة على طمس المجازر الهائلة والمرعبة في غزة.
كان هناك قاتلان اثنان على شاطئ بونداي. أما في غزة، فهناك دولة كاملة وجيش كامل يقفان خلف المجازر. ففي أيار/مايو، قُتل ما لا يقل عن 36 شخصا، بينهم 18 طفلا، في قصف مدرسة في بيت حانون. وكانت هناك مجازر أخرى كثيرة من هذا النوع، بما في ذلك خلال «وقف إطلاق النار»، الذي قُتل خلاله بالفعل مئات المدنيين الغزيين الأبرياء.
إن مجزرة شاطئ بونداي لا يمكنها أن تغطي على كل المجازر في قطاع غزة. ولا يملك الفلسطينيون سوى أن يراقبوا بعيون دامعة من خيامهم المتداعية، التي لا تحمي ساكنيها من الرياح العاتية، فيما يصدم العالم بمجزرة بونداي، وينساهم بسرعة مقلقة.