ثقافة عمالية - جائزة آرثر سفينسون الدولية لحقوق النقابات العمالية تكريم عالمي للنضال من أجل الكرامة وحرية التنظيم


جهاد عقل
2025 / 12 / 17 - 10:01     

مقدمة
في عالم تتصاعد فيه الانتهاكات ضد العمال، وتتزايد فيه الضغوط على الحريات النقابية بفعل العولمة النيوليبرالية، والاستبداد السياسي، وتفكيك الحماية الاجتماعية، تبرز جائزة آرثر سفينسون الدولية لحقوق النقابات العمالية كواحدة من أهم الجوائز العالمية التي تكرّم النضال النقابي الحقيقي، لا من موقع الرمزية فقط، بل من موقع الدعم السياسي والمعنوي والمادي لمن يدافعون عن حقوق العمال في أكثر البيئات قمعًا وخطورة.
هذه الجائزة ليست حدثًا احتفاليًا معزولًا، بل هي تعبير حيّ عن تضامن الحركة النقابية الدولية مع من يدفعون أثمانًا باهظة دفاعًا عن الحق في التنظيم، والمفاوضة الجماعية، والعمل اللائق.

- نشأة الجائزة وخلفية التأسيس
تأسست الجائزة عام 2010 في النرويج، وتحمل اسم النقابي النرويجي البارز آرثر سفينسون (1930–2008)، أحد رموز الحركة النقابية في قطاع النفط والطاقة، والذي عُرف بمواقفه الصلبة في الدفاع عن حقوق العمال داخل النرويج وخارجها، وبإيمانه العميق بأن التضامن النقابي لا يعترف بالحدود.
أنشئت الجائزة بمبادرة من الحركة النقابية النرويجية، وترعاها اليوم مؤسسة Svenssonstiftelsen، وتُدار إداريًا بالشراكة مع نقابة Styrke، إحدى كبرى النقابات النرويجية في قطاع الطاقة والصناعة.

- أهداف الجائزة ومعاييرها
تهدف الجائزة إلى:
* دعم حرية التنظيم النقابي والحق في المفاوضة الجماعية.
* تسليط الضوء على النقابيين والمنظمات التي تعمل في ظروف قمعية أو عالية المخاطر.
* تعزيز التضامن الدولي مع نضالات العمال في الجنوب العالمي.
*توفير دعم مالي يُسهم فعليًا في استدامة العمل النقابي.

-القيمة المالية
تبلغ قيمة الجائزة نحو 500 ألف كرونة نرويجية، تُخصص:
جزء منها للفائز/الفائزين.
وجزء لدعم مشروع نقابي أو حقوقي مرتبط مباشرة بعملهم.

- من يحق له الترشيح؟

* النقابات الوطنية المنضوية في الاتحادات العالمية.
* الاتحادات العالمية مثل الاتحاد الدولي للنقابات العمالية (ITUC) والإتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة (IndustriAL)والاتحاد الدولي لنقابات عمال الخدمات()UNI والإتحاد الدولي لنقابات عمال المواصلات(ITF) وغيرها.
* فائزون سابقون بالجائزة.
* منظمات نقابية ذات صفة تمثيلية.

- لجنة الجائزة
تتكوّن لجنة التحكيم من سبعة أعضاء من قيادات الحركة النقابية النرويجية، يتم تعيينهم لفترة أربع سنوات، وتحرص اللجنة على:
* الاستقلالية.
* التوازن الجغرافي والسياسي.
* التركيز على الأثر الحقيقي للنضال النقابي، لا على الشهرة الإعلامية.
- لمحة تحليلية عن الفائزين بالجائزة
منذ تأسيسها، منحت الجائزة لنقابيين ومنظمات من مختلف القارات، شكّلوا جميعًا ضمير الحركة العمالية العالمية.

- أمثلة بارزة:
* الاتحادات النقابية المستقلة في بيلاروس (2021)
تكريمًا لنضالها ضد القمع السلطوي، والدفاع عن العمال في ظل نظام يقمع العمل النقابي المستقل.
* الاتحاد الدولي للعاملات والعمال المنزليين (IDWF) وإليزابيث تانغ (2023)
تقديرًا لدورهم التاريخي في انتزاع الاعتراف الدولي بالعاملات المنزليات، وصولًا إلى اتفاقية العمل الدولية رقم 189.
* خاينغ زار أونغ – ميانمار (2024)
واحدة من أبرز القيادات النسوية النقابية في آسيا، وُجهت لها تهديدات مباشرة بعد الانقلاب العسكري، لكنها واصلت تنظيم العمال في ظروف قمعية شديدة.
* رغم محدودية التمثيل العربي في جائزة آرثر سفينسون، فإن العالم العربي لم يكن غائبًا بالكامل عنها. فقد مُنحت الجائزة للنقابي الفلسطيني شاهر سعد، الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، في اعتراف دولي بالنضال العمالي الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
يمثّل هذا التكريم اعترافًا بأن الاحتلال قضية عمالية بامتياز، وأن النقابات الفلسطينية تؤدي دورًا مزدوجًا نقابيًا ووطنيًا في آن واحد.

- السمات المشتركة للفائزين
* العمل في سياقات استبدادية أو نزاعية.
* الدفاع عن الفئات الأكثر هشاشة (نساء، مهاجرون، عمال غير رسميين).
* الربط بين النضال النقابي وحقوق الإنسان والديمقراطية.

- الترشيحات المفتوحة لدورة 2026
أعلنت مؤسسة Svenssonstiftelsen عن فتح باب الترشيحات لجائزة عام 2026، في سياق عالمي يشهد:
* تصاعد قمع النقابات في عدة مناطق.
* توسع العمل الهش والمنصّاتي.
* استخدام الذكاء الاصطناعي لتقويض حقوق العمال.

- ما الذي تبحث عنه الجائزة في دورة 2026؟
* مبادرات نقابية شجاعة في مواجهة القمع.
* نضالات جماعية ذات أثر ملموس.
* قيادات نقابية شابة أو نسوية أو من الاقتصاد غير الرسمي.
* مشاريع تعزز التنظيم العمالي عبر الحدود وسلاسل التوريد.

- الجائزة كأداة نضال لا مجرد تكريم
إن جائزة آرثر سفينسون الدولية لحقوق النقابات العمالية ليست مجرد تكريم رمزي، بل أداة نضالية في معركة عالمية من أجل الكرامة الإنسانية والعمل اللائق. وفي السياق العربي، تؤكد تجربة فوز شاهر سعد أن النضال العمالي العربي حاضر ومعترف به دوليًا، لكنه يحتاج إلى كسر العزلة وتعزيز التضامن وبناء جسور أقوى مع الحركة النقابية العالمية.
جائزة آرثر سفينسون هي أداة سياسية ونقابية في معركة طويلة من أجل: استعادة قوة التنظيم العمالي، حماية النقابيين من القمع والتهميش،بناء حركة نقابية عالمية قائمة على التضامن والعدالة.
في زمن تُجرَّم فيه النقابات في كثير من البلدان، تذكّرنا هذه الجائزة بأن النضال النقابي ليس جريمة، بل حق، وواجب، وأمل.